بتوفيق الله ومنّه تمكنت من أداء حج هذا العام 2018، وهو أول حج لي؛ فبعيدا عن الجانب التعبدي والروحاني للحج إلا أن هناك أمورا جذبت انتباهي واستوقفتني كثيرا.
الأمر الأول: ظاهرة التسول في طرقات وأبواب الحرم، فعلى الرغم من أنها ليست غريبة بالنسبة لي لكونها ظاهرة اجتماعية أُبتليت بها معظم الدول الإسلامية لعدم فاعلية مبدأ التكافل الاجتماعي فيها؛ إلا أن جانب الغرابة هنا يكمن كون المتسولين من النسوان السود، ومن المعوقين المبتوري الأطراف فتساءلت لماذا النساء فقط؟ ولماذا السود؟ ولماذا هؤلاء المعوقون؟ وكيف عبروا حدود المملكة المحروسة أصلا؟ وهل يعقل أنه لا يوجد متسول غير أسود في الحرم أم أن الأمر أبعد من ذلك وقد يكون من ورائه عصابات إجرامية منظمة تتجر بهؤلاء الضعفاء من البشر.
الأمر الثاني: بعض المسائل الفقهية التي يصعب تطبيقها واقعيا في الحرم.
منها: مسألة رص الصفوف وتسويتها في الصلاة.
ومنها: مسألة المرور بين يدي المصلي.
برأيي أن هذه المسائل تحتاج إلى تكييف فقهي يواكب ظروف العصر، ويراعي الضرورة الحالية، ومصلحة قاصدي بيت الله، ويفهم نوع الإنسان الذي يفد إلى هذه البقعة الطاهرة من الأرض،. فمن الصعوبة بمكان استواء الصف على الوجه المطلوب وأنت في الحرم نظرا لتفاوت مذاهب وثقافة ومستويات المصلين فيه. وأيضا من شبه المستحيل أن تمنع أو توقف أعرابي أتى من أصقاع العالم يهرول إلى الحمام، أو ليجدد وضوءه، أو لملء فرجة في الصف الذي قبله من الصعب أن تمنع هؤلاء من أن يمروا أمامك.
ولا أريد أن يفهم من كلامي أنني أدعوا إلى إلغاء تطبيق النصوص الواردة في الموضوع أو أتهاون في تطبيقها، ولكن أريد أن أفهم مدى واقعية تطبيق ذلك فقط ليس إلا .
الأمر الثالث: الاختلاط بين الرجال والنساء، وخاصة في الطواف والمسعى، والمضايقات الكثيرة التي يعاني منها الضعفاء من كبار السن والنساء والمرضى والزحام الشديد الذي قد يفقد أحيانا روح العبادة التي من أجلها أتى هؤلاء وتحملوا كثيرا من المشاق والصعاب.
الأمر الرابع: الإنسان (الحاج أو المعتمر).
وينبغي أن تكون لنا وقفات معه حتى نستظهر الصورة الحقيقية عن قرب وفقا للآتي:-
1. ذهب السادة الشافعية إلى أن الحج يجب على التراخي لا على الفور؛ وعليه جرت عادة كثير من المجتمعات المسلمة وذلك بأن تؤجل أداء هذه الفريضة إلى المراحل الأخيرة من العمر حتى ولو تسنى للإنسان أداؤها على الفور حسا ومعنى، فتاخير الحج إلى المراحل المتقدمة من عمر الإنسان ليس المفتى به اليوم وليس واقعيا، ويسبب كثيرا من المتاعب للحاج نفسه وللجهات المنظمة على السواء؛ ذلك لأن هذا الإنسان الذي بلغ من الكبر عتيا من الصعوبة بمكان أن يتحمل كثيرا من المشاق والمخاطر المحاطة بأداء هذه الشعيرة. فالحج ليس نزهة أوسياحة بل هو عبادة بدنية قبل أن يكون شعيرة قلبية.
فنصيحتي لكل من تسول له نفسه التسويف أن يعجل من أداء هذا الركن الأعظم من أركان الإسلام….. iga danbeeyow intaad yartahay Xaji’i
2. جهالة الإنسان؛ كثير من حجاج بيت الله الحرام لديهم أمية دينية عن أساسيات الإسلام فضلا عن أحكام هذا الركن الذي من النادر أن يتحدث عنه الوعاظ والأئمة في مساجدهم وفي دروسهم العامة، فتراهم حيارى يرتكبون أخطاء كبيرة قد تبطل أعمالهم.
3. بداوة الحاج؛ علاوة على ما مر فإن النسبة الأعلى من حجاج بيت الله الحرام من البسطاء والقرويين؛ وعليه فسلوكهم وتصرفاتهم تبدوا غالبا تصرفات بدوية، فالبصاق في الطرقات، وفي أحواض حنفيات مياه زمزم، ورمي القاذورات في الشوارع رغم توفر أماكن كثيرة مخصصة لذلك، ودون أدنى مراعاة لما يترتب على ذلك من أضرار صحية وتأثيرات سلبيه للبيئة من المظاهر الغير الحضارية التي تأففت منها كثيرا… ومن أسوئهم الصوماليون وشعوب شبه القارة الهندية.
الأمر الخامس: جهود المملكة العربية السعودية ؛
تبذل المملكة العربية السعودية جهودا جبارة لإسعاد حجاج بيت الله الحرام والسهر على راحتهم؛ فالطواقم الطبية وأجهزة الأمن وإدارة التوجيه والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف تعمل جاهدة جنبا إلى جنب لاسعاد وتيسير أمر الحاج
ولقد ذكر زميل لي سبق أن أدى هذه الفريضة بأن العقدة النفسية والكره الشديد الذي كان يكن لحكام المملكة تلاشت وتتبددت عندما دخل الحرمين ورأى بأم عينيه ماقامت به الدولة السعودية في الحرمين من توسعة وتنظيم رائع لشؤون الحجيج، وما تقوم به ليل نهار دون ملل من إسهار في راحة الحاج والمعتمر وتيسير أمره.