يلوح في الأفق ملامح زلزال سياسي أو أمني قد يقلب المعادلات السياسية والأمنية في الصومال رأسا على عقب ويهز أركان أقطاب سياسية تتحكم على مفاصل الدولة سواء في مقديشو أو في الأقاليم الصومالية الأخرى.
على الرغم من وجود مساع حثيثة تقوم بها أطراف سياسية داخلية وقوى اقليمية لتدارك الأمور ولتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين الصوماليين الا أن نتائجها قد تكون محدودة بسبب الفجوة العميقة بين الفرقاء ومحورية الأسباب التي تدفعهم نحو الإصطدام وإلى مزيد من الإضطراب السياسي.
تعتقد بعض الأطراف أن هذا الاصطدام ماهو سوى محطة أو جولة من جولات الجهود الرامية إلى الانتقال نحو السلام والاستقرار الدائم وأنه نقطة تحول لا بد من المرور بها للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل بين كافة الكيانات السياسية والقبلية في الصومال على صيغة جديدة للتقاسم السلطة والثروة ، لكن فيما يبدو أن هذه الفكرة رغم ما تحملها من جوانب ايجابية، محفوفة بمخاطرة جمة ولها أبعاد خطيرة قد لا تؤدي سوى إطالة عمر الأزمة وتأخر خروجها من عنق الزجاجة.
ومن أبرز مظاهر الزلال السياسي والأمني ما يلي:
- الأجواء المشحونة في مجلسي الشعب والشيوخ والتوتر الذي يسود المشهد السياسي عموما، حيث تتزايد هذه الأيام نبرات الأصوات المعارضة أو المؤيدة للرئيس فرماجو وحكومته حدة وشراسة كأن البلاد مقبل على انتخابات عامة ويتبادل المعارضون والموالون عبر وسائل الإعلام والمنابر السياسية، تهما وانتقادات لاذعة. فهذه التراشقات في نظر البعض ليست سوى انعكاس لطبخة ما لم تتبلور ملامحها بعد بصورة واضحة وأن اللقاءات السرية التي تشهدها فنادق مقديشو هذه الأيام مؤشر على وجود هذه الطبخة.
- الإجتماعات العلنية والسرية بين رؤساء الولايات الاقليمية ووزراء في الحكومة الاتحادية وأعضاء في البرلمان. يجرى رؤساء الولايات الاقليمية اجتماعات وصفتها بعض المصادر بالمهمة مع وزراء في الحكومة وأعضاء في البرلمان الاتحادي بهدف رسم معالم جديدة حول العلاقة وإطر التعاون بينهما وخصوصا فيما يعلق بجولات الصراع المقبلة.
- الاجتماعات العشائرية: تتواصل العاصمة مقديشو منذ أكثر من شهر اجتماعات عشائرية الهدف منها حشد التأييد للقوى السياسية المتعارضة ومحاولات لقلب أنظمة الحكم في مقديشو وعدد من المدن الكبرى، أو تعزيز سلطاتها وكان من أبرز هذه الاجتماعات لقاء موسع جرى بين زعماء تقليدين بارزين من عشائر هوية قبل ثلاثة أيام في مقديشو والذين أبدوا خلال اجتماعهم مخاوفهم من تردي الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد.
- دخول المفاوضات بين الحكومة الاتحادية ورؤساء الكيانات السياسية في البلاد أسبوعها الأول دون التوصل إلى حلول مشتركة بشأن القضايا المثيرة للجدل والنقاش وأهمها: موقف الصومال تجاه الخلاف بين المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى ، إلى جانب ملفات مراجعة الدستور، والانتخابات، وتوزيع المساعدات الدولية للصومال.
- اقالة جميع القيادات العليا لأجهزة الأمن، الشرطة والجيش والمخابرات واستقالة وزير الدفاع وما رافقها من هجمات ارهابية دامية شهدتها مدينة مقديشو وتحذيرات الولايات المتحدة من عمليات ارهابية قد تسهدف البعثة الأمريكية في الصومال.
ما هي الطبخة الجارية إعدادها؟
هناك تحركان متضادان تشهدهما الساحة السياسية في الصومال، فالتحرك الأول يستهدف إلى زعزعة عرش الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو واجباره إلى قيام بتغييرات على حكومته لإطاحة بعض الرؤوس السياسية البارزة في الحكومة والتي لا تحظى قبولا من قبل قوى داخلية وخارجية وتعيين شخصيات أخرى لمناصبهم، وأنه اذا لم يتعاط مع هذه الضغوط بشكل ايجابي يرى البعض ان البلايا تكون على الحويا وستتم مطالبة تنحيته من منصبه وملامح هذه الخطوة ظاهرة للعيان ولا سيما بعد اعلان نواب في البرلمان عن فشل الرئيس في أداء واجباته.
أما التحرك الثاني والمقابل للأول يرمي إلى اثارة قلاقل سياسية في الإدارات الاقليمية وسحب الثقة من رؤسائها على غرار ما حدث اقليمي هيرشبيلي وجلمدغ التي فصول أزمتها لم تنته، وفي هذا الإطار لا يمكن استبعاد ان تحدث مثل هذه المحاولات في إدارات جنوب غرب الصومال، وبونت لاند ، وجوبالاند.
من خلال المعطيات على الأرض أن الأطراف السياسية المتخاصمة لن تتورع في حال تأزم الخلاف من استخدام جميع الوسائل لتحقيق أهدافها بغض النظر عن مشروعيتها وتوافقها مع معايير التنافس الشريف، وبالتالي ينبغي على الرئيس محمد عبد الله فرماجو أن يدرك حجم الأزمة وابعادها الداخلية والخارجية وأن يقوم بمبادرة شجاعة لتنفيس الاحتقان وتفويت الفرصة على الأطراف المتربصة التي لا تريد للصومال الا الشر ومزيدا من التشرذم.