الاقتصاد الدولي يمثل الإطار الذي يجمع المعاملات الاقتصادية بين دول العالم، فيهتم بالعلاقات التجارية بين البلدان، وتطورات أسعار الصرف والقدرة التنافسية الاقتصادية. ويسعى الاقتصاد الدولي لتوضيح الأنماط والنتائج المترتبة على المعاملات والتفاعلات بين السكان من مختلف البلدان، بما في ذلك التجارة والاستثمار وتحركات عوامل الإنتاج. ويمكن القول انه يهتم بدراسة العولمة بمفهومها الاقتصادي.
يجب أن لا يستند الحكم على النظام الاقتصادي الدولي الجديد كلياً إلى تنفيذه. وكما هو الحال في أي بيان فمن المؤكد أن هذا أحد المعايير لتقييمه؛ على أنه من المفيد أيضاً تقييم الوثائق من حيث الأفكار الكامنة خلفها. وكما جادل كوكس (Cox) (1979) في مقاله “التنظيم الدولي”، في حين أن النظام الاقتصادي الدولي الجديد يمثل على أحد المستويات مجموعة من طلبات التفاوض – أو بياناً – فإنه على مستوى آخر يتعلق بالهيكل الأساسي للنظام العالمي للعلاقات الاقتصادية (“عالمي” بدلاً من “دولي” لأنه ينطوي على فاعلين من غير الدول). وعلى مستوى ثالث فإنه يتعلق بأنواع الأطر التحليلية التي يجب استعمالها للتصدي لهذه القضايا. أطر مثل الليبرالية الاقتصادية، المركن لية، المركن لية الجديدة، الواقعية والماركسية. فبهذا المعنى يعد النظام الاقتصادي الدولي الجديد نظاماً يتعلق بالأيديولوجية والسلطة.
شهد الاقتصاد العالمي منذ بداية السبعينات اتجاها نحو تكوين الكتل الاقتصادية وإنشاء مناطق للتجارة الحرة و الاتحادات الجمركية. و قد تسارع هذا الاتجاه في أعقاب الثمانينات مع إعلان برنامج إنشاء السوق الأوربية المشتركة الموحدة سنة 1992 و إنشاء سوق حرة للتجارة بأمريكا الشمالية سنة 1989 ضمت الولايات المتحدة و كندا و المكسيك أخيرا، و بذلك أصبحت الكتل التجارية الإقليمية تتقلد دور المحرك لتنمية التجارة الدولية، و تبين الإحصائيات أن حصة التجارة الخارجية لأهم التجمعات التجارية الإقليمية في قيمة التجارة العالمية لعام 1989 بلغت 96%.
و هكذا أصبح الاتجاه الإقليمي المتزايد في التجارة الدولية يشكل وسيلة هامة للتصدي للأزمة التي يعيشها النظام التجاري الدولي بسبب انهيار دعائم اتفاقية بروتن وودز Bretton Woods منذ بداية السبعينات.
و لقد رافقت ظاهرة الإقليمية في نمط التدفقات العالمية للتجارة ظاهرة تزايد وثيرة التقدم التقني و تنظيم الاقتصاد الدولي. لقد ساعد هذين العاملين ( الثورة التكنولوجية والتنظيم الاقتصادي) على إمكانية التخصص الجزئي في الفرع الواحد. ونتيجة لذلك أصبحت أجزاء منفردة من فروع الإنتاج هدفا للتخصص بدل هذه الفروع بالكامل، و قد أتيح تحقيق هذه الإمكانية إلى حد كبير بفضل العامل الثاني أي التنظيم الدولي للاقتصاد الذي عرف قفزة نوعية في تطور التعاون الإنتاجي الدولي، وتطورت بشكل لم يسبق لها مثيل الأشكال الجديدة للتبادل الدولي. و قد أدت الاتجاهات المعاصرة في التخصص إلى إدماج وثيق للاقتصاديات الوطنية بصورة مباشرة في عملية الإنتاج و هكذا فقدت الدول المتطورة استقلاليتها، و أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على بعضها البعض و على بعض الدول النامية.
و قد يلاحظ هذا التهميش ليس فقط من جانب نصيب هذه الدول في التجارة الدولية. ولكن من مكانتها في التقسيم الدولي الجديد، هذا النظام الذي احتفظ بالعلاقة سيطرة / تبعية الموجودة بين الشمال و الجنوب، و ذلك من خلال حرمانها من الاستفادة من مزايا الصناعات ذات الثقافة العالية، و تخصيصها في الصناعات المركبة أو الصناعات المرتبطة بالتقنيات التي استفادت مزاياها بالدول المتقدمة أي أصبحت إنتاجياتها الجديدة تساوي الصفر.
وقد بدأ التعامل الاقتصادي يتحرر شيئا فشيئا من الواقع المادي للموارد العينية، وما بدأ في شكل مظهر عارض لاقتصاد التبادل وأداة من أدواته، ما لبث أن توسع لكي يبتلع معظم النشاط الأصل، بل، ويهيمن عليه، ويوجهه.
فخلال العقود القليلة الماضية، عرف العالم تطورا هائلا في الأسواق النقدية والمالية بما يجعلها عالمية التوجه، ولم تعد النقود – وهي أهم أنواع الأصول المالية – أمرا وطنيا بحتا، بل أصبحت تتأثر بما يحدث خارج الحدود، وكثيرا ما تتوقف عليه. فمن ناحية المؤسسات التي تصدر النقود ، لم يعد الأمر واضحا وسهلا كما كان في الماضي. إذ لم تعد النقود تصدر عن البنك المركزي والبنوك التجارية فقط، فالمؤسسات التجارية والسياحية بدأت بإصدار بطاقات مديونية خاصة بها (Credit Cards)، وبدأت تظهر أشكال أخرى للمديونية تشارك النقود وظائفها.
استشراء ظاهرة الشركات المتعدية الجنسيات، مع سيطرتها على الاستثمار والإنتاج والتجارة الدولية والخبرة التكنولوجية، خاصة بعد أن ساوت منظمة التجارة العالمية بين هذه الشركات والشركات الوطنية في المعاملة، واتجهت تلك الشركات للاندماج؛ لتكوين كيانات إنتاجية وتصنيعية هائلة الغرض منها توفير العمالة وتقليل تكاليف الإنتاج والحصول على مزايا جديدة كفتح أسواق جديدة أو التوسع في الأسواق الحالية، وهو ما نشاهده الآن من اندماجات الشركات الكبرى مع بعضها؛ حيث دخلنا فيما يسمى بعصر “الديناصورات الإنتاجية” الهائلة، فقد بلغت مبيعات كل واحدة من الشركات الخمس الكبرى في العالم (جنرال موتورز، وول مارت، إكسون موبيل، فورد، وديلمبر كرايزلر) قيماً أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لحوالي 182 دولة في العالم، كما تعتبر شركة وول مارت Wall Mart الأمريكية أكبر من 161 دولة في العالم!، أما شركة ميتسوبيشي اليابانية فتعتبر أكبر من اندونيسيا وهي رابع دولة في العالم من حيث عدد السكان، وشركة جنرال موترز GM أكبر من الدنمارك (الأولى مبيعاتها 176 مليار دولار والناتج المحلي الإجمالي للثانية 174 مليار دولار)، ومن بين أكبر 100 اقتصاد في العالم توجد 51 شركة و 49 دولة!!!).
“وهناك من يكره العولمة لا لسبب اقتصادي، بل لسبب ديني. فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا، بل هي قد تنكرت للأديان كلها، وآمنت بالعلمانية التي لا تختلف كثيراً في نظر هؤلاء عن الكفر، ومن ثمَّ ففتح الأبواب أمام العولمة هو فتح الأبواب أمام الكفر، والغزو هنا في الأساس ليس غزواً اقتصادياً، بل غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين، والهوية الثقافية المهددة هنا هي في الأساس دين الأمة وعقيدتها، وحماية الهوية معناها في الأساس الدفاع عن الدين
“من مخاطر العولمة في الجانب الاجتماعي: أنها تركز على حرية الإنسان الفردية إلى أن تصل للمدى الذي يتحرر فيه من كل قيود الأخلاق، والدين والأعراف المرعية، والوصول به إلى مرحلة العدمية, وفي النهاية يصبح الإنسان أسيراً لكل ما يعرض عليه من الشركات العالمية الكبرى التي تستغله أسوأ استغلال، وتلاحقه به بما تنتجه وتروج له من سلع استهلاكية أو ترفيهية، لا تدع للفرد مجالا للتفكير في شيء آخر، وتصيبه بالخوف و سياسة السوق وفتح المجال أمام الشركات الأمريكية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات للقيام بالاستثمار غير المباشر في دول العالم والاعتماد على خصصه الشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدماتية الوطنية والحكومية،
أي نزع ملكية الوطن والأمة والدولة لها، ونقلها للخواص من الداخل والخارج، لإضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لصالح ظاهرة العولمة، ومن ثمّ إحداث هزات مالية في أسواق العالم، وفتح الأسواق المحلية أمام السلع ورؤوس الأموال والمعلومات الوافدة، وهدم الأسوار الجمركية والقيود أمام التجارة الدولية، وعدم إعطاء الدعم لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية، وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها وخصصه القطاع العام، وتخلي الدولة عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة
فالسياسية الاجتماعية هي النهج الذي تعتمده الدولة تأسيساً على المنظور السياسي والاقتصادي تتبناه لغرض تنظيم حياة الفئات الاجتماعية، وعلاقتها بمتطلبات العيش الكريم، بما يكفل التوزيع العادل للثروة وتعزيز رأس المال البشري والعمل المنتج سعياً إلى توفير الرفاهية الاجتماعية وسعادة المجتمع، والتنمية والتكافل والاستقرار الاجتماعي.