من يقرء التاريخ الصومالي– الجيبوتي سيُدرك أنه تاريخ واحد ولكن لسوء حظه أنه ترعرع في بيئة مُتناحرة رغم ولادته في بيئة سمحاء قادت ذات يوم أطول الحروب مُقاومةً للإستعمارعلى مدار التاريخ بقيادة الزعيم محمد عبد الله حسان ( مؤسس الدولة الدرويشية )، فمن إمبراطورية “عجوران” التي حكمت المنطقة من القرن الرابع عشر حتى السابع عشر مروراً بسلطنة “إيفات” إلى سطنة “عدل” 1529 إلى حكم أسرة “جوبورون” 1848 إلى مؤتمر برلين 1884 وبداية الإستعمار الأوروبي لأفريقيا إلى “محمود فرح الحربي” (رئيس الوزراء ونائب رئيس مجلس حكم جيبوتي) إلى الرئيس الراحل “حسن جوليد أبتيدون” ( أول رئيس لجمهورية جيبوتي عام 1977) ، نجد أن معظم الخليجيين وللأسف لم يتعرفوا على مثل هذا التاريخ العريق الذي سيجدونه لو قرأؤه مُمتداً إليهم بطريقة أو بأخرى، فلم تشهد الصومال وجيبوتي منذ إستقلالهما من الإستعمار البريطاني والفرنسي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حراكاً خليجياً كالذي تشهده هذه الأيام، ولقد أِشرنا في دراسات سابقه مُتخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية بأنه حراكاً (غير مسبوق)، وتبدو الرياض وأبوظبي هما الأكثر حضوراً في منطقة القرن الأفريقي عن قريناتهم الخليجيات.
ما كاد المُنتدى الإقتصادي السعودي الجيبوتي أن يختم توصياته النهائية في العاصمة جيبوتي في 13/4/2017 حتى جاء الإجتماع الوزاري لوزير الدفاع الجيبوتي ونظيره السعودي في العاصمة السعودية الرياض بتاريخ 23/4/2017 والذي جاء مُعززاً وداعماً للتقارب السعودي الجيبوتي الذي يبدو الأبرز في منطقة القرن الأفريقي، ويرى المُتابع للعلاقات الخليجية الأفريقية أن العلاقات السعودية الجيبوتية تبدو الأكثر نشاطاً عن قريناتها الخليجيات ويرجع ذلك برأيي إلى إدراك الرياض لقواعد اللعبة السياسية في القرن الأفريقي، وعليه سيكون أمام المملكة العربية السعودية إما الإعتماد على نفسها لتثبيت إستراتيجيتها الأمنية التي خرجت لأجلها عاصفة الحزم ولابد من حسمها لصالحها، وإما أن تقبل بإستمرار إستراتيجية الردع المتبادل بينها وبين إيران ويبدو أن إستمرار تلك الإستراتيجية ليس في صالح القوات المُتحالفة التي بدأت عملياتها في جنوب الجزيرة العربية منذ عام 2015 حتى وإن كانت هناك أطراف دوليه (واشنطن) ترغب بإستمرار تلك السيرورة ، فعدم حسم المعارك العسكرية في جنوب الجزيرة العربية جاء متوافقاً مع الرؤية الأمريكية التي ترى بأن إنتهاء المعارك في اليمن ليس في صالحها، بل إستمرار إستنزاف قوات التحالف العربية بقيادة الرياض من جانب وإستنزاف قوة الميلشيات الحوثية المدعومة إيرانياً من جانب أخر يأتي في صالحها ، وليس هناك وقت أفضل من هذا الوقت لعودة واشنطن إلى البوابة الرئيسية لشرق أفريقيا (الصومال ) ومنها إلى دول القرن الأفريقي وتعزيز التواجد فيها وهذا ما أكدته زيارة وزير الدفاع الأمريكي لجيبوتي بتاريخ 23/4/2017 ، فواشنطن تريد تحجيم النفوذ الصيني في جيبوتي الذي يمتلك أكبر قاعدة عسكرية هناك، وتحجيم النفوذ الصيني بالطبع لن يقتصرعلى جيبوتي فقط بل يمكن قياسه على عموم القارة الأفريقية التي بات النفوذ الصيني فيها أكثر قوة من ذي قبل، أضف إلى ذلك تعاون واشنطن ودول الإتحاد الأوروبي وعلى رأسهم (باريس) في مُحاصرة النشاط التركي في القرن الافريقي وغرب أفريقيا خشية من أن يُمهد مُصالحة بين المصالح الخليجية والتركية في أفريقيا تمهيداً لفتح باب خليجي عربي تركي في أفريقيا ظل مُغلقاً في وجه الأخوة الأفارقة لعقود.
أما في جمهورية الصومال فيؤسفني أنه بتاريخ 19/4/2017 تعرضت قافلة الهلال الأحمر الإماراتي لهجوم إرهابي في العاصمة الصومالية مقديشو وكان قد سبقه تعرض موكب السفير الإماراتي في الصومال لهجوم مماثل، وتوالي هذه الهجمات أرى بأنها تحمل دلالات فقد تكون مؤشراً لرفض جزء من النخبة الصومالية لوجود قاعدة إماراتية في الإقليم الشبه مستقل عن الصومال المركزي (صوملاند) ، خاصة أن المجالس العامة في هرجيسيا إنقسمت بين مؤيدٍ ومُعارض للقاعدة الإماراتية، أضف إلى ذلك أن تدشين المشاريع الإستثمارية الإماراتية في الأقاليم شبه المُستقلة مثل السد المائي في صومالاند، ودعم البنى التحتية في بونتلاند قد تبدو للشارع الصومالي مُؤشراً على الدعم الخفي لإستقلال تلك الأقاليم مما سيُعزز من مطالبتها بالإعتراف الدولي وبشكل أقوى مما مضى .
ما أريد إيصاله للمواطن الصومالي وحكومته أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تسعى ولن تكون شريكة في دعم إنفصال الأقاليم الصومالية وإنما تُشارك دولة الإمارات في دعم الأقاليم شبه المُستقله وفي دعم الحكومة المركزية في مقديشو في أن واحد، ويرجع ذلك إلى خبرة دولة الإمارات في المجال الفيدرالي التي تأسست عليه منذ قيام الدولة 1971 ، أضف إلى ذلك رعاية دولة الإمارات لميثاق دبي للمصالحة الصومالية عام 2012 الذي إجتمعت فيه الأطراف الصومالية لأول مرة بعد 21 عاماً من الخلافات .
أرى بأن الصومال اليوم قد يكون أمام تحدى “تقسيمه” للمرة الثانية من القوى الدولية وسيكون ذلك التحدي الأكبر للدولة مُنذ عام 1991، ويبدو أن الرموز الوطنية المُخلصة لأوطانها أمثال الرئيسي الصومالي (محمد عبدالله فرماجو) دائماً ما تكون على وعد بهكذا تحديات والتي أثبت أنه مستعد لها بعد إقالته لرئيس جهاز المخابرات الصومالي اللواء عبد الله غافو، وإعفاء القائد العام لقوات الشرطة محمد شيخ حامد، وبالتالي سيكون على كاهل الرئيس (محمد فرماجو) تنفيذ إستراتيجتيه الوطنية الصادقة التي طالما دفع ثمنها وأنتصر، بدليل أن الشعب الصومالي وبجميع أطيافه لم يجتمع حول رئيس صومالي سابق مثلما إجتمع حول الرئيس (محمد عبد الله فرماجو) الذي فاز بالإنتخابات الرئاسية الصومالية الأخيرة في فبراير 2017 في مشهد تطلعت له شعوب القرن الأفريقي بكثير من التفاءل.
وأمام كل ذلك أرى بأننا أمام سيناريوهان لا ثالث لهما :
- السيناريو الأول : قد يتعزز التنسيق الأمني الإستخباراتي الخليجي الأمريكي في القرن الافريقي في مقابل إستمرار الدعم السعودي للقاهره والذي يبدو أنه تحقق بعد زيارة الرئيس المصري للرياض في إبريل من هذا العام ، ولكن يبقى السؤال هنا ما هو المستوى الذي سيصل إليه التنسيق الأمني والإستخباراتي الأمريكي الخليجي في القرن الافريقي؟ هل سيكون بالمستوى الذي تتطلع إليه الرياض وأبوظبي خاصة أن واشنطن وإن تعاونت مع القوات المُتحالفة في جنوب الجزيرة العربية وفي القرن الافريقي إلا أن تعاونها سيأتي بشكل محدود ومرسوم ووفقاً لما تراه في صالحها والذي سيفضي بالطبع لمزيد من خلط الأوراق في تلك المنطقة المُشتعلة.
- السيناريو الثاني : من المرجح أن تتعاون واشنطن مع باريس في منطقة القرن الأفريقي لمحاصرة النفوذ الصيني والتركي ولمنع تقارب المصالح الخليجية التركية خاصة أن القوى الدولية (واشنطن) والقوى الإقليمية (إيران، تركيا) تُدرك أن إختلاف الرؤي السياسية بين دول الخليج العربي هو السبب الأول في إستمرار العمليات العسكرية في جنوب الجزيرة العربيه، وهو أيضاً السبب الأول لهذا الحراك الخليجي الغير مسبوق في القرن الافريقي وعليه يتم التعامل ورسم الإستراتيجيات.
التوصيات
- تشكيل لجان علمية مُتخصصة لتعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية وهذه اللجان تكون مُرتبطة بوزارات الثقافة والخارجية للجانبين الخليجي والأفريقي، مُهمتها العمل على تعزيز هذه العلاقات بإقامة ورش عمل ومؤتمرات علمية مٌشتركة يتم فيها مُناقشة كافة القضايا السياسية والإجتماعية والثقافية المُشتركة بين الجانبين.
- توحيد الرؤى السياسية والأمنية بين دول الخليج العربي، والعمل على تنفيذ فكرة الإتحاد الخليجي “الكونفدرالي“، والعمل على إنجاح ما جاء في إجتماع وزراء الداخلية والدفاع والخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي الذي أُنعقد في الرياض قبل أيام.
- دعم الرياض في خطوة المنتدى الجيبوتي السعودي والعمل على تكرار مثل تلك المنتديات في الدول الأفريقية الأخرى.
- تأسيس معاهد ومراكز خاصة بالدراسات الأفريقية في دول مجلس التعاون الخليجي لتقريب وجهات النظر والعمل على قراءة أفريقيا بشكل مُستقبلي .
- دعم الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو في تنفيذ إستراتيجيته الوطنية لعودة الصومال لمصاف الدول.
- العمل على إنجاح مشروع جسر اليمن – جيبوتي الذي سيُعزز التبادل التجاري بين دول القرن الافريقي ودول الخليج العربي.
- دعم اللغة العربية في القارة الأفريقية بإقامة الجامعات والمدارس العربية المجانية والمراكز البحثية الداعمة للغة العربية في الدول الأفريقية، وتطوير البنى التحتية للدول الأفريقية، ورفع دخل المواطن الأفريقي بدعم المشاريع الصغيرة في أفريقيا خاصة أن أفريقيا تزخر بأصحاب الكفاءات العلمية.