لم تكن الصومال منذ الإطاحة بنظام سياد بري عام 1991 تتمتع باستقلال تام في مباشرة سلطاتها على كامل ترابها بسبب الحرب الأهلية وانتشار الفوضى، وكانت هناك هيئات ودول تباشر بعض اختصاصات الحكومة الصومالية الخارجية والداخلية ، ونجد السيادة الصومالية المنقوصة في أوضح تجلياتها في المجال الجوي الذي كان بيد كينيا ومنظمة الطيران المدني الدولي منذ عام 1991.
الأمم المتحدة وكينيا يماطلان
على الرغم من عودة المؤسسات الحكومية في الصومال، فالأمم المتحدة وكينيا يماطلان ويمتنعان عن نقل إدارة شؤون الطيران المدني الصومالي بشكل رسمي وكلي إلى الحكومة الصومالية، وعزيا ذلك إلى ضعف امكانيات الصومال وقدرتها على إدارة هذا المجال الحيوي- وهذا أمر غير صحيح- ضاربين عرض الحائط فيما يبدو جميع الاتفاقيات المبرمة بين الصومال والأمم المتحدة بشأن المجال الجوي الصومالي.
أعلنت الحكومة الصومالية عام 2013 استعادة التحكم بمجالها الجوي بشكل رسمي بعد 22 عاما كان في يد كينيا والأمم المتحدة وذلك بموجب اتفاقية ثلاثية بينها وبين منظمة الاتصالات العالمية والأمم المتحدة، تم توقيعها خلال اجتماع مطول استغرق يومين عقد في شهر أكتوبر عام 2013 في مطار مقديشو الدولي، ونصت الاتفاقية التي تتكون من سبعة بنود مهمة، بحسب وزير الإعلام والنقل والاتصالات آنذاك عبدالله عيل موغي حرسي على تحويل صلاحيات تحكم المجال الجوي الصومالي إلى الحكومة الصومالية خلال سبعة أشهر وعلى أن تبدأ عملية التحويل بشكل سلس من مطار جومو كينياتا في نيروبي إلى مطار أدم عدي بمقديشو في بداية يونيو عام 2014، وإنشاء مركز مراقبة المنطقة (ACC) في مقديشو لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق بشكل كامل.
ما هي العقبات أمام تنفيذ الاتفاقية؟
قامت الحكومة الصومالية بجميع الاجراءت المطلوبة ووافقت هيئة ICOA المسؤولة عن إدارة المجال الجوي الصومالي في 11 فبراير، 2016 على نقل الموظفين الصوماليين العاملين في مهمة إدارة المجال الجوي للصومال من نيروبي إلى مقديشو لبدء إدارة المجال الجوي للصومال داخل البلاد في حين وضع رئيس الوزراء السابق عمر عبد الرشيد في 11 أكتوبر، 2015 حجر الأساس لمشروع بناء برج مراقبة الحركة الجوية في مطار آدم عدي في مقديشو مزود بأجهزة حديثة لإدارة المجال الجوي للبلاد منه، معلنا بناء برج آخر للمراقبة في مدينة هرجيسا عاصمة إدارة أرض الصومال. لكن رغم هذا كله فأن أمل الصومال في استعادة سيادة مجالها الجوي يصطدم بأطماع قوى اقليمية تريد أن تستخدمه كأوراق سياسية ، وهذه القوى لا تفتأ تضع عرقلة تلو أخرى في سبيل منع ممارسة الصومال سلطاتها على أجوائها.
وكشف مدير هيئة الطيران والأرصاد الجوية عبد الواحد شيخ عمر ، يوم الثلاثاء الماضي ، في مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا قسم الصومال عن مخطط اقليمي لمنع تنفيذ الاتفاقية قائلا: “إن هناك أربعة دول تسعى إلى عرقلة جهود الحكومة لاستعادة إدارة مجالها الجوي من منظمة الطيران المدني الدولي” التي كانت تقوم بإدارة شؤون الطيران المدني الصومالي منذ عام 1995 بموجب قرار من قبل الأمم المتحدة.
دوافع الدول الإقليمية
يشكل المجال الصومالي أهمية كبيرة في ظل الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط والاهتمام الدولي المتزايد لمنطقة القرن الأفريقي وتسعى عدد من الدول من بينها إثيوبيا، والهند، وسيشلس، وكينيا، بإدارة المجال الجوي الصومالي وذلك لاعتبارين:
أولا: الحرب في اليمن
كشفت الحرب الدائرة في اليمن، والجهود العربية الجارية لدعم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس اليمني عبد رب منصور هادي، عن استراتيجة موقع الصومال ومنافذها البحرية للتحالف العربي، والحرب ضد المشروع الإيراني التوسعي، ما أماط اللثام عن حقيقة الفرضية التي تقول: لو كان الوضع في الصومال مختلفا عما هو عليه الآن من أزمات وضعف في الإمكانيات العسكرية واللوجستية للعبت دورا كبيرا في كبح جماح المشروع الإيراني في المنطقة بعد أن ظل دورها العسكري والسياسي مقتصرا على التصريحات ومشاركة المؤتمرات واللقاءات الرسمية ولأصبحت سندا قويا للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الذي يقاتل من أجل دحر الحوثيين وعودة الحكومة الشرعية اليمنية الي العاصمة صنعاء .
بإمكان الصومال أن تفتح مجالها الجوي والبحري أمام قوات التحالف العربي في اليمن وأن تسمح لها بقواعد عسكرية في المناطق الساحلية الاستراتيجية كمدينتي بربرة وزيلع القريبتين لمدينة عدن اليمينة، ومدينة بوصاصو القريبة لمدنية المكلا ما يجعل الحوثين وقوات صالح بين فكي كماشة ومهددة من الجنوب والشمال.
فالدول المشاركة في الحرب في اليمن تولي اهتماما خاصا للمجال الجوي الصومالي وذلك لأهميته في الحرب اليمنية لأن الطائرات الحربية والمدنية يمكن لها أن تقلع من مطارات شمال البلاد بسهولة وتنفذ عملياها في اليمن وتقدم مساعدات للمحتاجين فيها، ويمكن للتحالف الدولي تطويق محاولات التوسع الإيراني في منطقة القرن الأفريقي عبر مطار بربرة الذي يقع على خط طول واحد جنوب مدينة عدن، التي تحولت إلى عاصمة مؤقتة لليمن. وتشهد المدينة تواجدا عسكريا ومدنيا مكثفا للدول الخليجية. ومن هنا بعض دول الجوار مثل اثيوبيا تحاول أن تستفيد من هشاشة الوضع في الصومال وعدم قدرتها مباشرة اختصاصاتها الداخلية والخارجية وان تستخدم المجال الجوي الصومالي كورقة تفاوض مع الدول التي تهتم بالشأن الصومالي.
ثانيا: العائدات المالية
ووقفا لتقرير صومالي تشهد ايرادات الملاحة الجوية الصومالية ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وأوضح التقرير أن عائدات الملاحة الجوية الصومالية تبلغ حوالي 5 مليون دولار شهريا نتجة النمو الواسع الذي تشهده حركة الطيران في الصومال وخصوصا بعد اندلاع الحرب في اليمن اذ بلغت عدد الطائرات التي تستخدم الأجواء الصومالية حوالي 605 طائرة يوميا، في حين يصل الرسوم التي تدفع كل طائرة حوالي 275 دولار وبالتالي يطمع الدول الاقليمية ولا سيما كينيا واثيوبيا وشيسلس في هذه الإيرادات، ولم تخف هذه الدول طمعها في ذلك عندما اتهمت الصومال بالفشل في اثبات قدراته على إدارة اجوائه خلال مؤتمر عقد في الهند نهاية الشهر الماضي وطالبت هذه الدول بتكليفها مسؤولية إدارة المجال الجوي الصومالي.
والجدير بالذكر أن الهند تسعى إلى انشاء خط ملاحي جديد بديل فوق المحيط الهندي وهذا المشروع لا يمكن تنفيذه بدون موافقة الصومال واليمن وسيشلس وبالتالي تماس ضغوطا على الصومال لقبول هذا المشروع.