إلهان نور سعيد علمى عمر (الهان عمر) من نازحة لجأت إلى أمريكا بحثا عن مأوى ولقمة عيش إلى أحد أعضاء مجلس الممثلين الأمريكى لدى ولاية مينيسوتا
لاشكّ أنّ الأحداث الدّراميّة المثيرة الّتى حدثت هذا العام فى امريكا سيكون لها وقع كبير كونها مركز ثقل العالم المعاصر , فإلى جانب السّباق الماراثونيّ الذي تفاجأ العالم بإنتصار دونالد ترامب الرّجل المثير للجدل، فهناك أحداث لا تقل درامية مثل فوز إلهان.
إنزعجت الجاليات المسلمة من فوز ترامب هذه السّنة بالمقعد الرئاسىّ في الولايات المتّحدة حيث لم يكن محطّ ترحيب الأقلّيات ذوي الأصول الإسلاميّة والّذين إعتبروه شخصا بعيدا عن الإنصاف لتحامله الدّائم على المسلمين وتهكّمه عليهم , لكنّ فوز الهان المحجّبة الأمريكيّة من أصول صوماليّة بواحد من أكبر المناصب التّشريعيّة فى امريكا كان بمثابة البرد والسلام على الجاليات المسلمة الّتى تعرّضت لصنوف من التّمييز والتّضييق فى الآونة الأخيرة.
تمكّنت إلهان عمر من شقّ طريقها بثبات رغم كثرة العقبات والعراقيل من نازحة لجأت إلى أمريكا بحثا عن مأوى ولقمة عيش إلى أحد أعضاء مجلس الممثلين الأمريكى لدى ولاية مينيسوتا.
المولد والنّشأة
كانت الأصغر من بين أبناء أبوها الضّابط نور سعيد علمى السّبعة , تكفّلت جدّتها من جانب الأب برعاية حفيدتها اليتيمة مع باقى الإخوة بعد وفاة أمها ذى الأصول اليمنيّة لمّا كانت تبلغ من العمر اربع سنوات.
فى منتصف السّتينات تحرّك أبوها نور سعيد علمى عمر إلى مقديشو فى سنّ 15 بعدما أنهى دراسته الإعداديّة بمدينة بندر بيلة إحدى محافطات إقليم برى التّابع لولاية بونت لاند شمال شرق الصومال.
كانت فرص التّعليم والعمل والحياة الكريمة آنذاك أكبر فى العاصمة حيث كانت تستهوى قلوب الكثيرين من أبناء الأرياف والمدن الأخرى , وفعلا لم يخب ظنّ الطّفل حيث سكن فى بيت عمه أبوبكر الّذى كان يشغل مدير النّقل البحرى الصومالى ليتمكّن فيما بعد من الإلتحاق بالجيش بعد إجتياز الثّانوية .
النّزوح إلى كينيا
مع إندلاع الحروب الأهليّة نزحت مع أفراد أسرتها إلى كينيا فرارا من جحيم الحرب الأهليّة المستعرة مطلع التّسعينات لتدخل فى فصل جديد مع كدر العيش وضيق الحياة , مكثت أربع سنوات فى مخيّم أوتانغا بكينيا حيث مكثت فيها أربع سنوات حتّى حصلت على هجرة من الولايات المتّحدة سنة 1996م فى سنّ 14.
تمكّنت من إتقان الإنجليزيّة فى أقلّ من سنة وإنخرطت سريعا فى الحراك السّياسيّ فى امريكا حيث شاركت فى مؤتمرات الحزب الدّيمقراطى برفقة والدها حيث كانت تساعده فى ترجمة الإنجليزيّة الّتى لم يكن يجيدها حيث كان يعرف فقط الصوماليّة والإيطاليّة (لغة تعليمه الأكاديمىّ).
تخرّجت من جامعة شمال ديكوتا قسم العلوم السّياسيّة وإشتهرت بنشاطها الإجتماعيّ والسّياسي فى أوساط الجالية الصوماليّة فى أمريكا حيث عملت مديرا لشبكة السياسات والمبادرات النّسائية.
لقد إستطاعت فهم دهليز سياسات الحزب والغوص في متاهاته مبكّرا لكنّ ذالك لم يمنعها من التمسّك بالتّقاليد الصوماليّة والحفاظ على التّوازن بين عملها فى بيئة غربيّة مفتوحة وبين الإهتمام بزوجها وتربية أطفالها الثّلاثة.
الإلتزام بلبس الحجاب فى رحلة البحث عن شغل مكتب عام لم يكن بالقرار السّهل وفى ذالك تقول ” وفى ذالك تقول (كنت أعرف ماذا أفعل, من الوهلة أدركت أنّ الكثير من المتأثرين بحملات الإسلاموفوبيا سيتّخذونها ثغرة للهجوم ضدّى لكنّى لم اقلق على ذالك كثيرا وكنت متأكّدة أنّنى عند فوزي سأتمكّن من تغيير وجهة نظر السّلبية للكثيرين إزاء الإسلام والحجاب وأن كثيرين من الفتيات الصوماليّات سيراودهم الأمل وسيحذون حذوى فى المستقبل).
الهان عمر من نازحة إلى عضو في المجلس التّشريعى بولاية مينيسوتا
لقد إنبهر العالم بكاريزما الشّابة الطّموحة وقدرتها على حشد الآلاف من المناصرين إلى جانبها من مخلف الأعراق والأجناس والدّيانات حيث تخطّت كلّ الحواجز والأعراف.
إعتبرت صحيفة ذى غارديان البريطانيّة بـ “أنّ إلهان نجحت فى تحقيق الإنتصار فى أكثر الأعوام صعوبة بالنّسبة للمسلمين حيث واجهو فيه وابلا من التّهديد والكراهية” والأصعب من ذالك أنّ نزالها كان ضدّ خصم شرس وهى المخضرمة العتيدة فيلليس كان (79عاما) من الحزب الجمهوريّ والّتي شغلت المنصب 44 عاما كأطول فترة فى التّاريخ النّيابيّ للولاية.
فيلليس كان (من الواضح أنّ إلهان أدارت حملة جميلة بإقتدار وإستطاعت حشد الكثير من النّاس وذالك ما لم نعهد على رؤيته فى الإنتخابات السّابقة).
فيما أعرب عمدة مينيسوتا السّابق للولاية ريموند ثوماس تيبك عن إعجابه بالنّاشطة الشّابّة (من مخيّم لجوء إلى المجس التّشريعى كلّ ذالك بفضل الذّكاء والبصيرة).
فوز الهان بالمنصب التّشريعى الأعلى فى الولاية الّتى يسكنها أكثر من خمسة ملايين لم يكن مفروشا بالورود والزّهور إذ تزامنت مع أكبر موجة من الكراهيّة والعنصريّة ضدّ الأقلّيات بشكل عام والمسلمين بشكل خاص منذ نصف قرن , خاصّة وأنّها تلتزم بغطّاءة الرّأس وقرّرت المجازفة وعدم الإكتراث.
تعتبر ولاية منيسوتا الّتى تمثّلها إلهان مركز ثقل الصومال الأمريكان حيث تؤوى منهم أكثر من 25 الف من إجمالى 85 الف نسمة يعيشون فى امريكا إستقرّ فيها أغلبهم بعد التّسعينات فرارا من الحروب الطّاحنة الّتى عصفت ببلادهم حيث أنّ 90% (76) الف منهم ولدو خارج الولايات المتّحدة.
الإهتمام بمسقط رأسها
بمناسبة عطلة رأس السّنة قامت بزيارة الكثير من المدن الصوماليّة للمساهمة فى عمليّات المصالحة الوطنيّة والدّعوة إلى سلام دائم يعمّ بين جميع أبناء الوطن فى 26 ديسمبر 2016 خاطبت جمعا من المحتشدين فى مدينة غالكعيو وسط البلاد والمنقسمة بين بونت لاند وغلمدق (نحن ابناء شعب واحد توحّده جميع العوامل وتجمعه صلة القربى لماذا ننغمس فى حروب متكرّرة لاطائل منها خصوصا فى هذه المدينة المشتعلة ولا نبنى وطننا ومستقبل أولادنا؟ أشعر بالإحباط الشّديد عندما أسمع او أشاهد أخبار القتل والتّهجير فى المدينة الّتي يسكنها أشقاء يجمعهم كلّ شيء وبالمناسبة أنا وزوجي احمد حرسي ننتمي إلى شمال المدينة وجنوبها المتناحرتين –علي التّوالي- وأقول للقيادة الفدراليّة والإقليميّة: يجب أن تعتبرو رعيّتكم كأبناء لكم تألمون بآلامهم وتفرحون بأفراحهم) .
وخلال زيارتها لمسقط رأسها التقت عددا من قيادة الدّولة على رأسهم الرّئيس حسن شيخ محمود وقطاعات واسعة من مختلف أطياف الشّعب كما شاركت في حفل إفتتاح دوري لكرة سلة لفرق نسائية من مختلف محافظات الجمهوريّة.
وفي طريق عودتها زارت مخيّم طاطاب فى كينيا للطّمأنة على أوضاع اللّاجئين خصوصا مع التّهديد الكينيّ المستمرّ لإغلاق المخيّم نهائيّا والّذي يأوي آلاف الصّوماليّين النّازحين.