مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الصومالية، نُسابق الخُطى مسرعين نحو الهدف المنشود؛ من أجل إعادة بناء كيانٍ صوماليٍ قويٍ يُنافس بقية الدول الإقليمية والعالمية بوتيرةٍ مدروسة، ورؤية سياسية تتجاوز اللحظة ومعوقاتها، وتنطلق نحو الهدف؛مستشرفين مستقبلاً سياسياً يُنقذ الصومال، ويُضمد الجراح، ويُخرج البلاد من حالة التخبُّط السياسي والدوران في الحلقة المُفرغة.
يعيش الصومال حالياً في ظرف سياسي شديد التعقيد والخطورة، وحالة من الاستقطاب الحاد، يكاد يعصف بجهود المصالحة، وينسف كل مساعي السلام، فالانتخابات الرئاسية تأجّلت أربع مرات، وربما تتأجل أكثر لأسباب غير مُقنعة في أغلب الأحوال رغم توافر الإمكانات والأجواء الملائمة للانتخابات الرئاسية.
فالعملية الانتخابية تسير ببطء شديد عكس المُتوقع، تستنزف المقدرات المالية لبعض المرشحين؛ الذين بدأوا حملتهم في وقت مبكر، فالمجتمع الدولي والمنتدى الوطني الصومالي للتشاور ذلّلوا العقبات أمام الحكومة الصومالية من جهة، والحكومات الإقليمية المنضوية تحت مظلة الفيدرالية الصومالية من جهة أخرى. ومع ذلك، تتأجل الانتخابات لصالح طرف سياسي يمسك -حالياً- زمام الأمور، وتحت تصرفه خزينة الدولة ومواردها من أجل تمويل حملته، وإنهاك بقية الحملات لتُستنزف أكثر، وهو تصرف غير ناضج لا يخدم الصومال أصلاً.
في الأسبوع الماضي، تمّ انتخاب رئيس البرلمان الصومالي ونائبيْه، وجرى سباق محموم بين المرشحين في جو ديمقراطي فريد، من الناحية الإجرائية، وإن كان المال السياسي يطغى على المشهد بصورةٍ لم يشهد لها الصومال مثيلاً من قبل. ومع هذا، كان الفوز حليف قوى التغيير في الصومال، فالشعارات تظل فارغة المحتوى إذا لم يصاحبها منهج عملي يُسوق الرؤية السياسية، ويقنع النائب الصومالي، فالتصويت أمانة عظيمة أدركها الناخب، وهو ما يجعلني أتفاءل أكثر لخوض التجربة مرة أخرى.
يتركّز برنامجي السياسي للخروج من الواقع المتأزم في النقاط الآتية:
أولاً: الصومال بحاجة إلى مصالحة سياسية شاملة، لا تستثني طرفاً معيناً أو منطقة جغرافية بعينها، نُرحّب بالجميع، ونتعاون معهم بما يخدم مصالح الشعب، ويُلملم شتات الصوماليين المنتشرين في أصقاع العالم. وطوال فترة رئاستي السابقة للجمهورية، كانت المصالحة من أولوياتنا، وبالمصالحة الوطنية خرج الصومال -في أثناء فترتي الرئاسية السابقة- من المرحلة الانتقالية إلى حكومة صومالية مكتملة القواعد بعد جهود مضنية. وعليه، ننتهج هذه المرة المنوا نفسه؛ لتحقيق أكبر قدر من الانسجام الداخلي.
ثانياً: الأمن هو الركيزة الأساسية لبرنامجي السياسي، فأزمة الصومال أَمنية في المقام الأول، وكل إنجاز يتحقق في هذا المضمار يعني تقدم الصومال وازدهاره، فالعقبة الأَمنية تُعتبر معيقاً للتنمية الشاملة، سنمضي جاهدين نحو استتباب الأمن، وتكملة ما تبقى من بناء الجيش والشرطة وجميع المرافق الأمنية، ومحاربة حركة الشباب ودحرها هما من صميم برنامجي خلال الفترة المقبلة.
ثالثاً: خلق علاقات قوية مع الخارج؛ لضمان مستقبل البلاد، فالصومال ينهض حالياً بدعم خارجي، وبتكاتف جهودنا معهم نمضي قدماً نحو تحقيق السياسات الخارجية المرسومة لنا، نمدُ علاقات تعاون مع دول الجوار، ونتعاضد معهم؛ من أجل بناء الصومال قوياً، ونؤمن بأن علاقاتنا مع العالم الخارجي وفق رؤية تخدم مصالح الطرفين لا تضر بأي حال من الأحوال علاقاتنا مع الآخرين. نؤمن بأننا أقوياء إذا اتحدنا مع مصالح أمتنا العربية والإسلامية، وهي -بالطبع- لا تضر مصالح الآخرين، فالعلاقات الدولية أخذ وعطاء، والتزام بمواثيق المعاهدات الدولية، ونعمل من أجل عالم خالٍ من المشكلات.
معظم البعثات الدبلوماسية توافدت على الصومال في أثناء فترة رئاستي السابقة بعد تذليل كل العقبات أمامهم، لإيماننا الرّاسخ بأن العالم كتلة واحدة، لا يستغني أحدنا عن الآخر.
رابعاً: محاربة البطالة من صميم أولوياتنا، يُقدر العاطلون عن العمل من الشباب بـ75%، ونسبة الفقر تصل 80%، ويبلغ متوسط دخل الفرد الصومالي دولارين في اليوم، تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة نحو 8 ملايين هكتار، ويتمتع الصومال بثروة سمكية هائلة. لكننا مع ذلك نواجه تحديات اقتصادية، سنعكف على توظيف كل مقدراتنا للاكتفاء الداخلي، 80% من المواد الغذائية نستوردها من الخارج مع أننا بلد زراعي، رؤيتي للخروج من الواقع الاقتصادي المتردي واضحة، وهناك آليات سيتم تنفيذها فور تسلّمي المهام الرئاسية، أنطلق من واقع خبرة سياسية لم يسعفني الحظ لتكملة بنوده، وعازم على تطبيق تلك الآليات في حال فزتُ المرة القادمة.
خامساً: قضية أرض الصومال وتجلياتها على المشهد السياسي الصومالي طوال الفترة السابقة، هي مسألة تحتاج إلى حلول جذرية، والحوار هو المسلك الوحيد لحلها، نُخطط لمعالجات فاعلة للقضية، ونضع نصب أعيننا المسؤولية الملقاة على عاتقنا للحفاظ على المكتسبات التاريخية، وما جرى فيها مسؤولية يتحملها الجميع من غير استثناء أحد، الجلوس إلى طاولة المفاوضات هو الحل الأول والأخير.
سادساً: كثيراً ما تفشل الجهود الرامية إلى تحقيق الاحتكام لصناديق الاقتراع، وتصويت الناخب الصومالي لمن يراه صالحاً لقيادة البلد، والسبب -برأيي- هو التركيز على الشعارات الرنّانة ودغدغة مشاعر الناخب المغلوب على أمره على حساب تنفيذ الرؤية وتحقيق هذا الحلم الذي ظل يراود كل فرد صومالي.
لا أملك الحلول السحرية.. لكنني عازم على وضع الآليات اللازمة للانتقال الديمقراطي السلس عام 2020، وإعطاء الأحزاب هامشاً من الحرية، وتوفير كل الأجواء المُلائمة للتجربة الديمقراطية الحرة.
يتساءل البعض: لماذا يخوض شريف شيخ أحمد الانتخابات الرئاسية مرة أخرى؟ وهو تساؤل مشروع، يفرضه الضمير الواعي، والإجابة هي: أن رؤيتي السياسية للخروج من حالة الفوضى وانعدام التنمية المُستدامة لم تكتمل بعد، بذلتُ كل ما في وسعي من أجل تحقيقها. ففي فترة رئاستي السابقة للجمهورية الصومالية، حققنا الكثير من الإنجازات رغم جسامة التحديات وعمق الأزمة السياسية.
ما زلتُ أؤمن بأن المشكلة الصومالية لن تحلها رؤى أحادية الجانب بقدر ما تجعل آفاق حلولها مسدودة، الحل يكمن في الرؤية المشتركة، والمصالحة الشاملة، وعدم إقصاء الأطراف، أو زجّ الأقاليم الصومالية في أتون صراعات صفرية كما هو حاصل الآن، فقضية “جالكعيو” -وهي مدينة وسط الصومال شهدت مواجهات دامية بين سلطات بونتلاند وسلطات غلمدج- تُعتبر شوكة في خاصرة النظام الحالي، وفي فترة رئاستي استضافت تلك المدينة أحد مؤتمرات مشروع “خارطة الطريق للخروج من المرحلة الانتقالية”، جمعت الفرقاء السياسيين، واتفقوا على بنود جوهرية، على أثرها خرج الصومال من المرحلة الانتقالية إلى فضاء دولة رسمية تتمتع بكل مقومات المفهوم الحديث للدولة.
أملي كبير في أن أصبح الرئيس القادم للصومال، وضعتُ الخطط اللاّزمة، ووظفتُ الطاقات؛ مستعيناً بخبرة سابقة، ندخل السباق الانتخابي الحالي بروح رياضية، في حال فزتُ في الانتخابات فأمامي تحقيق رؤيتي السياسية، والاقتصادية، والأمنية وغيرها، وفي حال لم أُوَفَّق فسأظل وفياً لخدمة شعبي الصومالي في مجالات أخرى تصب في خانة مصالحنا القومية.
المصدر- هافينغتون بوست