لست بصدد الدفاع أو المدح و الإطراء أو النقد أوالبحث عن عيوب وأخطاء – أو قل إخفاقات وأخطاء – هيئة علماء الدين في الصومال ،
لأن كلَّ هذه الألفاظ يكثر استعمالها عند الحديث عن الهيئة، من قبل من يحبها أو يبغضها أو يناصب العداء لها ، أو يبحث عن أخطائها ، أو غير ذلك مما يدور في ساحة الجدل الصومالية ، ولست جزءًا من هذا أو ذلك ، ولكن الهيئة وما تقوم به من أعمال يندرج تحت العمل البشري ، الذي يخطىء ويصيب ، وينجح أو يفشل ، ولا تملك عصمة، أو تفويضا من غير مساءلة ، بل لا تدعي هي ذلك.
ومن أراد الحديث عنها بكل صدق وأمانة، وأن يسبر غورها ، ويعرف حقيقتها، ويتأكد من أعمالها ، ويعرف إنجازاتها ، وكيفية عملها وتكوينها ، ونظام إدارتها ، وآلية اتخاذ القرار فيها ، ومدى ملاءمته للقواعد المنظمة لعملها ، وهل تخضع لنظام المساءلة والمحاسبة الدورية ؟ ، وهل يتمتع أعضاءها بعضوية دائمة ؟ ، أمستقلة هي أم لا ؟ ، وكيف يتم الانخراط في صفوفها ؟، وهل تمثل كل الاتجاهات الفكرية والحركية ؟، وهل تنشط في كل المجالات أم لا ؟، وهل تقبل في عضويتها من قد لا يوافقها في بعض آرائها؟ ، وغير ذلك من الأسئلة التي تحتاج إلى جواب ، ينبغي لمن أراد معرفة ذلك أن يتوجه إليها ، ويعرض أسئلته عَلى مسؤوليها ، ليكون على بينة من أمرها وشأنها.
فأما أنا ( التعريفية ) فلا أملك أي معلومات تجاه الهيئة سلبا ولا إيجابا ، وإن من العدل ألا يتحدث الإنسان عما لا يعرف ، ولا يسمع كلام أحد حول الهيئة ما لم يكن موافقا للنصوص الشرعية ، ولأجل ذلك أحمي سمعي وبصري ولساني أن أقول فها ما ليس لي به علم.
ولكن الذي حملني على تسويد الورقة بهذه الكلمات هي هذه العاصفة الهوجاء من النقد والتجريح والتطاول والتقول على مقام الهيئة، والذي يدور في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان الهيئة موقفها من مشاركة المرأة في العملية الانتخابية المزمع إجراءها في الأشهر القادمة ، حيث استخدم فيها عبارات بذيئة وألفاظ غير لائقة، وهجوم غير مبرر، وتهجين مقصود ، وتجييش الناس ضّدها ، وتصويرها بأنها تتترس خلف نصوص شرعية لأجل تسجيل نقاط في الشأن الصومالي، وغير ذلك من التهم الكثيرة .
وهناك من الإخوة من حاول الدفاع عنها والوقوف أمام من يرميها بكل فاقعة، ولكن الموجة المعادية لموقف الهيئة تبدو أنها كسبت المعركة ، لأنها انضم إليها كل من كان يريد أن يشفي غليله منها ، حتى ليخيل إليك بأنها يتيمة لا بواكي عليها .
وقد نشرت معظم المواقع الصومالية، وصفحات التواصل الاجتماعي ، بيانا منسوبا إلى الهيئة ، مكتوبا باللغة الصومالية مع بعض الآيات والأحاديث النبوية، تشرح فيه موقفها من العملية الانتخابية عامّة ، ومشاركة المرأة فيها، وهو بيان مختصر لا يتجاوز صفحة واحدة .
ولا أريد في هذه الكلمة القصيرة الإشارة إلى مكانة العلماء في الأمة ، وما حباهم الله تعالى من فضل شرف ، لأن كثيرا من معترضي ومناوئي أهل العلم ، يرددون دائما أن العلماء إذا أعيتهم الحجة في إقناع الناس بأرائهم المجردة عن الدليل ، يتسلحون بالنصوص الشرعية الدالة على فضلهم ، ليجعلوا منها سيفا مسلطاً على رقاب الناس ، حتي يظن الناس بأنه لا فرق بين الدليل الشرعي وبين رأي العالم المجرد عن الدليل ، فهم الدليل ، والدليل هم .
ولكن أقول: كان الأولى على الهيئة أن تقدم للناس بحثا علميا متكاملا ، لايترك شارة ولا واردة في الشأن الصومالي عامة والانتخابي خاصة ، يستقصي جميع الجوانب الشرعية والاجتهادية في العملية الانتخابية، يؤسس فيه الأصول ويبني الفروع عليها ، ثم يفرق بين ما هو قطعي ، أو ظني ، ثم يعرج إلى ما هو اجتهادي يلائم وضع البلد وإصلاحه، مع مراعاة مصالح الأمة الدينية والدنيوية ضمن إطار التوافق والتكاتف الاجتماعي من غير إقصاء أحد أوجماعة .
وكان الأفضل أن تصدّر بين يدي بحثها العلمي بديباجة وتقديم كتبت ورتبت كلماته بنسق لغوي جمالي يخطف السمع ويؤثر في القلوب والوجدان مع تطعيمه بالآيات والأحاديث الدالة على المقصود ، ولو فعلت الهيئة ذلك لوفرت على نفسها الشيء الكثير ، وأغلقت الأبواب التي يمكن التسلل منها للتشكيك في رأيها وموقفها من الشأن الانتخابي .
وأخيرا ينبغي علينا جمعيا التأدب مع العلماء ، وعدم الإساءة إلى مقامهم ، وتشويه سمعتهم ، كما يجب على العلماء أن لا يقتصر دورهم على إصدار بيانات فقط ، بل القيام بواجبهم العلمي والأخلاقي في خدمة الأمة ، ورصِّ صفوفهم ، واحترام بعضهم لبعض ، وفتح أبوابهم للجميع ، والبعد عن كل ما يسئ إلى العلم والعلماء .
عبد الباسط شيخ إبراهيم
الثلاثاء ٣ من محرم ١٤٣٨هـ