مع أني أعرف جيدا أن السيادة واحدة من الأركان الأربع أو الثلاث للدولة الحديثة, وهي تعني احترام استقلالية الدولة بشئونها الداخلية والخارجية على شكل سواء, وأن التدخل الأجنبي المقيت الذي لم يفتأ يتدخل حتى في أدق تفاصيل القضايا الصومالية فضلا عن التدخلات في مجمل هذه القضايا وعناوينها الرئيسية واحد من أبرز المشكلات التي تعاني منها الصومال لما يقارب ثلاثة عقود, وهو ما جعل فوبيا التدخل الأجنبي واستقباحه بشكل تلقائي مغروسة في ذهن الفرد الصومالي.
والملف الأخير المتعلق بالكوتا النسائية والذي أخذ حديثه حيزا كبيرا في الشارع الصومالي مؤخراً ندرك أين كان يتربع فيه جدل التدخل, متناسين ما اعتري هذه السيادة (غير الواقعية) هنا في الصومال من النقص الذي يعرفه الجميع, وهو ما جعل الباب مفتوحا أمام التدخل الخارجي, وجعله يتدخل في كل صغيرة وكبيرة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذا التدخل المفروض واقعيا كله مستقبح بمجرد كونه تدخلا أجنبيًّا حتى في تلك الأحايين التي يكون فيها الأجنبي أكثر حرصا على صالح البلاد والمواطنين من الوطني العابث؟ وهو ما استوقفني ولفت انتباهي عند مطالعتي في الأسبوع المنصرم خبر تدخل إثيوبيا في ملف جالكعيو والأحداث الدامية الأخيرة, وعقدها مصالحة بين إدارتي بو نت لاند وجلمذغ, كما تم نشره في موقع وزارة الخارجية الإثيوبية, ولست مستغربا لذلك حيث إثيوبيا هي الآمرة والناهية في الصومال، لكنّي استغربت أن يكون الأجنبي أكثر حرصا على مصالح الوطن, وهوما بدا واضحا في البيان الصحفي المشترك الذي أصدرته دول عدة فاعلة في الساحة الصومالية ومنظمات من بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والأوروبي ومنظمة إيغاد, يعترض على شمل قائمة الأعضاء المنتخبين للغرفة العليا شخصيات ارتبطت أسماءها بالإجرام والعنف والتطرف، معتبراً ذلك خطوة عكسية في وقت تتجه فيه الصومال نحو التعافى من تبعات ما أورثها المشار إليهم, وهو ما أثار حفيظة كثير من الصوماليين, إذ رأوه تدخلا عاريا, والتفافاً على رغبة الناخبين.
مع أني لا أكنّ التأييد المطلق لفحوى هذا البيان الصحفي الصادر من المجتمع الدولي, لسبب بسيط هو التوجس من التبعات التي قد تترتب على تهميش هذه الفئة في الوقت الحالي, إذ لايزال بعضهم يتمتع بمواقع مهمة في الأوساط القبلية التي ينحدرون منها, مما يضطرّ إلى تقبلهم وتقليدهم المناصب تجنّباً للتصدعات والانشقاقات القبلية في هذا الواقع السياسي الهش المثقل أصلا بما لا يقبل المزيد من الخلافات والمكايدات. إلا أنني أعارض بشدة منهجية تشنيع الفكرة بمجرد إتيانها من طرف خارجي عندما تتقاطع مع مصالح شخصية وقبلية, بغض النظر عن قبحها وحسنها, ومدى ملاءمتها أو غير ملائمتها للواقع، وأكثر قبحا من هذا كله حين يكون الوطني مجانبا للصواب والأجنبي أكثر مقاربة له وهو ما دفعني أن أعنون هذا المقال بالتدخل المستحسن .