في زيارة هي الثالثة له في الصومال على مدى خمس السنوات الماضية زار الرئيس أردوغان العاصمة مقديشو الجمعة الماضية، وفي وقت وقع فيها واحد من أكبر الانفجارات التي شهدتها العاصمة والذي وقع قبل قدومه بيوم، دون أن يجبر ذلك أرودغان على تغيير جدول زيارته، بل ظلّ مصرًّا أن يواصل رحلته إلى الصومال كما كان مقرراً.
وبعد وصوله افتتح أردوغان مبنى السفارة التركية التي وصفت بأنها أكبر سفارة في أفريقيا للدولة التركية، كما وقّع في أثناء زيارته عدداً من البروتوكولات التعاونية بين الدولتين ومن بينها اتفاقية للتعاون الضريبي واتفاقية للطب البيطري، واتفاقية في مجال الطاقة والتعدين واتفاقية في مجال التعليم. وغيرها من مذكرات التعاون بين البلدين.
وأشار أردغان إلى أن بلاده فرغت من المشروع التخطيطي لبناء مبنى جديد للبرلمان الصوماليّ الذي يستغرق تنفيذه عامين، وأعلن أن هذا المشروع سيكون بمثابة هدية من الشعب والجمهورية التركية للصومال.
ومن خلال هذا التحليل سنعرف عن سياسة حزب التنمية والعدالة التى اكتشفت الصومال لكى تكون منطلق سياساتها في إفريقيا وعن دلالات هذا الاهتمام التركي بالصومال، والتوصيات التى ذكرها أوردغان للرئيس الصومالي على هامش زيارته في العاصمة.
دلالات الاهتمام التركي بالصومال
يتساءل كثير من متابعي الشأن الصومالي عن طبيعة هذا الاهتمام التركي “المتصاعد” بالصومال، والذي بدأ في 2011م بطابع إنسانيّ بحت ومن ثم انسلخ إلى طابع اقتصادي (استثماري) في الصومال المنكوبة، وقد زار أردغان الصومال ثلاث مرات (2011م،2015،2016 )، وكما تكشف مصادر مطلعة فمن المتوقع أن يسجل زيارة أخرى خلال الشهور القادمة.
- معبر للدول الإفريقية: كما هو معلوم فإن الصومال تتمتع بموقع استراتيجي فريد جعلها تسيطر على مسارات التجارة القديمة، ولديها أطول منفذ بحريّ في إفريقيا، وفي المقابل تبحث تركيا عن أسواق جديدة لمنتجاتها. مما يعني أن من الضّروري أن تتدخل في وضع الصومال الخطير بكل تشعباته لكي تبني جسرا يربط بين الدول الأكثر سكاناً واستقراراً من الصومال في قارة إفريقيا، وذلك استجابة لمخرجات القمة الإفريقية والتركية تحت عنوان ” التضامن والشراكة لمستقبل مشترك” التى أقيمت في اسطنبول في عام 2008م حيث زارها ممثلون من 50 دولة أفريقية، وتبنّت تركيا سياسة جدّية في إفريقيا، وأصبحت تركيا عضواً في منظمة الإيجاد منذ عام 2008م، ولأجل ذلك من الضروري أن تغامر تركيا في الوضع الصومالي “الخطير” لكى تكون انطلاقة لأجندتها نحو إفريقيا، ورغم سياستها البراغماتية إلّا أن دور تركيّا الإنساني – كما نعلم جيدا – ليس دوراً صوريًّا كما هو الحال لدى كثير من الدول الأخرى، بل اتسم بالجدّية والإخلاص، وقدمت حتى الآن ما يفوق التوقعات، ومازالت تجرى مشاريعها الإنسانية على قدم وساق.
ومع كل هذا فإن تركيا لا تكتفى فقط بأن تكون الصومال معبراً لمنتجاتها أو استثماراتها إلى القارة السمراء، بل استثمرت في الصومال حالياً كما صرّح به الشيد لطفي ألوان نائب رئيس الوزراء التركي السابق بأن حجم الاستثمار في الصومال بلغ 100 مليون دولار في نهاية العام الماضي، ومن المحتمل أن يرتفع الرقم في غضون هذا العام.
- إعادة أمجادها التاريخية(العمق الاستراتيجي): يرى أحمد داود أوغلو ” المنظر للسياسة الخارجية التركية” أن تركيا يجب أن تتمع بعمق استراتيجي لكي تتمدد تمددها الطبيعي في جوارها, وذلك بالتخلص من كل المشكلات، حيث قال في كتابه: “الفرضية الأساسية لنظرية العمق الاستراتيجي”؛ هي أن قيمة الدولة في السياسات الدولية تعتمد على موقعها الجيواستراتيجي وعمقها التاريخي”[1] فانطلاقا من هذا المفهوم تسعي تركيا جاهدة إلى تمدد في الدول النامية ذات الطبيعة الاستراتيجية، فقد دخلت في سباق التنافس الاقتصادي في الدول الإفريقية الذي كان منحصرا بين قطبي الصين وأمريكا. وتركيا التى تتطلع إلى أن يصل حجم التبادل التجاري مع أفريقيا إلى 8.4 مليار دولار سيكون لها حضور قويّ في إفريقيا.
وبفضل موقعها الاستراتيجي تتمتع الصومال بفرصة قوية لتكون منطلق تجارة الأتراك إلى أفريقيا.
- الملف الإنساني : عاش الشعب الصوماليّ في حالة مزرية منذ اندلاع الحروب، وبات يضرب به المثل لـ ” الدولة الفاشلة” حتّى ظهر مصطلح جديد في الأدبيات السياسية في العالم ” الصوملة” ولم تجد دولة وقفت جنبها من ناحية حجم المشاريع الخيرية كمثل تركيا، فالدور الإنساني للأتراك سيظل محفوراً في ذاكرة المجتمع الصوماليّ، وقدومهم في البادئ كان استجابة لنداءت الجفاف 2011م، حتّى أصبحت الصومال منطلقا لاستثماراتهم في القارة الأفريقية.
وفي هامش الزيارة الأخيرة قدم أوردغان إلى نظيره الصومالي حسن شيخ محمود توصيات بضرورة رفع كفاءة الجيش الصومالي الذي لا يجد مساعدات لوجستية ومادّية كما يجدها قوات حفظ السلام ” الأميصوم “، مما انعكس سلباً على معنويات القوات الصومالية، وأشار إلى ضرورة خروج قوات الأميصوم من الصومال وإعادة قوات الجيش الصومالي إلى مكانتهم المرموقة، وكذلك شدد على محاربة الفساد في داخل الدوائر الحكومية.
وأخيرا؛ نعلم أن تركيا لديها مصالح استراتيجية في الصومال وأفريقيا كبقية دول العالم ذات الحضور الملحوظ في الوطن، وهذا لا يؤدي إلى تضارب مصالح الدولتين بقدر ما يساهم في تكامل العلاقات، والحقيقة هي أننا نحتاج إلى تركيا في هذا الوضع الاقتصادي والإنساني المزري، وهي كذلك تحتاجنا لكى نكون معبرا لمنتجاتها إلى القارة السمراء.
المراجع
[1] مجلة قراءات إفريقية، أبعاد الدور التركي في أفريقيا وآفاقة، سليمان الزواوي