على الرغم من التحولات المهمة التي تشهدها الصومال في عدد من المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية الا أنها لم تضع بعد أقدامها على طريق التنمية، ولا يزال هناك عوائق كثيرة تقف حجرة عثرة أمام الوصول إلي طريق التنمية الاقتصادية في البلاد وتحول دون الاستفادة من الامكانيات الهائلة التي تملك الصومال وتمنعها من الاستغناء عن المعونات الخارجية والمساعدات الانسانية التي تغطي جزاء كبيرا من ميزانية الدولة. فقد صادق البرلمان نهاية العام الماضي على ميزانية الدولة لعام 2016 والتي كان قدرها 216 مليون دولار امريكية مع عجز كبير يقدر بـ 72 مليون دولار ما دفع الوزارة المالية إلي التعهد بإعادة النظر في الميزانية في حال ارتفاع حجم الدخل المحلي للدولة.
كما يقال إن متطلبات الأساسية التي لا غنى عنها لأي برنامج انمائي في أي دولة هي: القواعد الوطنية المحلية ، السوق، التغيرات الهيكلية، التكوين الرأسمالي، معايير الاستثمار، المتطلبات الاجتماعية والثقافية، والجهاز الإداري .
للأسف لا تتوفر لدينا أيا من هذه المتطلبات الأساسية والتي قد تشجع رأس المال الأجنبي المتعطش للربح على الاستثمار في البلاد ما يخلق فرصا كثيرة للشباب العاطلين عن العمل والمتسكعين في الطرقات. لا يوجد لدينا مشروع وطني تحظى بدعم مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية في البلاد تعتمد عليه سياساتنا التنموية. تعتمد كل المشاريع التنموية التي تنفذ في البلاد على سياسات خارجية والتي بعضعها لا تمت لاحتياجات البلاد ولمطالب الشعب بأي صلة وخصوصا في ظل هيمنة القوى الدولية والاقليمية على سياساتنا الخارجية والداخلية.
كما أننا نعاني من غياب رأس المال المطلوب ونفتقر إلي التغيرات الهيكلية في القطاعات الانتاجية والاقتصادية، لكن المعوقات الاجتماعية والثقافية تمثل العائق الأكبر للتنمية في الصومال ، لأن نقص رأس المال، وضعف الاسواق وكل المعوقات الأخرى يمكن حلها بمجهود أقل من المعوقات الاجتماعية والثقافية. فالأشخاص المتربعين على رأس المؤسسات المعنية بالشؤون الاقتصادية متصلبون ومتجمدون وعقولهم متحجرة وأنهم يشكلون عقبة كبيرة أمام احداث أي تغيير جذرية في السياسيات الاقتصادية للبلاد. فقد اسند مسؤولية معظم تلك المؤسسات إلي أشخاص يتم اختيارهم على أساس الولاء الفكري و الانتماء القبلي بعيدا على معايير الكفاءة والنزاهة والقدرة على الانجاز، بل يؤمن بعضهم بقيم وتقاليد قبلية بالية تعتبر من أكبر عوائق التنمية.
فبالرغم مما يعلنه الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس مجلس الوزراء عمر عبد الرشيد شرماركي عن ترحيب بكل الأفكار والرؤى المحلية التي تساهم في إعادة بناء اقتصاد الوطن الا أن المسؤولين عن القطاعات الاقتصادية يشكلون صدا منيعا أمام وصول هذه الرؤى إلي رأس الدولة. وهناك مئات من المشاريع التي يتقدم بها المواطنون الصوماليون وخصوصا مواطنوا المجهر غير أنها لا تجد آذانا صاغية ولا يتم الاستغلال منها؛ لأنها تتعارض مع سياسات ومساعي هؤلاء المسؤولين والمتمثلة في البقاء على السلطة لفترة أطول.
كذلك يعتبر الجهل، والفقر، والفساد الاداري، وغياب الحريات الديمقراطية أهم معوقات التنمية في الصومال، وفقا لبيانات البنك الدولي فان نسبة الذين يلحقون بالمدارس، المرحلة الابتدائية يصلون 29٪ فقط، وأن عدد المشاريع بحسب السنوات المالية لا تتجاز 2 فقط في حين يصل ملخص اعتمادات المؤسسة الدولية للتنمية 395.0 مليون دولار أمريكي.
تملك الصومال موارد طبيعية هائلة وامكانيات اقتصادية كبيرة وهي من أغنى الدول الافريقية، ولديها أطول ساحل في أفريقيا، ونهران كبيران يكفينان في رى آلاف الكيلومترات من المزارع والحقول بالاضافة الي المواد الخامة والنفط والغاز الا أن ما ينقصنا للتغلب على المعواقات الكبيرة التي تمنعنا من الاستفادة من تلك الثروات والامكانيات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة هو الإرادة الحقيقة والجهود التي لا تعرف الكلل ولا الملل.