وضع اللغة العربية في ظل الحكم المدني 1960-1969م
اتسمت فترة الحكم المدني بالهدوء النسبي بالنسبة للصراع حول مسألة اللغة، ربما لانشغال الناس في السنوات الأولى بالاستقلال واستعادة الكرامة، ثم ما أعقبها من الاضطراب السياسي والاستقطاب القبلي!
وبشكل عام لم يتغير شيء يذكر عن أوضاع اللغة العربية في هذه الفترة مما كانت عليه في فترة الوصاية، إذ كانت غالبية النخب السياسية التي تربعت على دوائر النفوذ غريبة عن اللغة العربية، فضلا عن حرص السلطة على الاحتفاظ بعلاقاتها الودّية مع إيطاليا التي لم تزل حتى هذا الوقت متغلغلة في مفاصيل الدولة بواسطة مستشاريها في كافة الدوائر الحكومية.
وبدأت أولى خطوات الانسلاخ من العربية بعد استقلال الصومالمن تدوين دستور الوحدة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي باللغتين الإيطالية والإنجليزية على أن يتم الرجوع إلى النسخة الإنجليزية في حالة وجود تناقض بين النسختين، هذا على الرغم من أن الدستور نص على أن اللغة العربية لغة رسمية للصومال ([1])
وعلى المستوى الثقافي استمرت الإنجليزية والإيطالية في التوسع، وتحوَّل كذلك الحديث عن اللغة الرسمية في الصومال إلى حديث عن الأحرف المناسبة لتدوين اللغة الصومالية ، وهنا ظهر في الميدان الثقافي ثلاث اتجاهات متوازية: يدعو أحدها: إلى تدوين الصومالية بالحرف العربي لتقريب الشقة بين خلاوي القرآن والمدارس والصحف والمكاتب الحكومية، ولاشتراك الصومالية مع العربية في أربعة أصوات لا توجد في الحرف اللاتيني (العين والحاء والخاء والقاف). ويدعو الثاني إلى تدوينها بالحرف اللاتيني، لتوافر آلات الطبع بالحرف اللاتيني، فضلا عن أن التطبيقات والآلات الحديثة تعمل بالحرف اللاتيني وهذا يسهل تماشي الصومالية مع النهضة المعاصرة. أما الثالث فيدعو إلى تدوينها بأحرف صومالية خاصة (مبتكرها صومالي) لتحقيق التفرّد الثقافي والقومي، على منوال بعض الشعوب التي تكتب لغاتها بأبجديتها الخاصة كإيثوبيا المجاورة والهنود وغيرهم.
ولحسم هذا النزاع عينت الحكومة لجنة لدراسة هذا الموضوع عام 1960م، ورفعت اللجنة تقريرها إلى الحكومة واقترحت كتابة اللغة الصومالية بأحرف لاتينية معدّلة مبررة قرارها بانسجام الحرف اللاتيني مع الواقع، إذ كانت جل المدارس إنجليزية أو إيطالية، والطالب لا يجد صعوبة في الانتقال من الإنجليزية أو الإيطالية إلى الصومالية المكتوبة بالحرف اللاتيني، إلى جانب توفر مطابع بالحرف اللاتيني؛ وهو تبرير مدفوع بأن الحرف العربي مألوف لدى الشخص الصومالي منذ نعومة أظفاره حيث يلتحق الأطفال بالدكسي القرآن(الكتاتيب) من السنة الخامسة أو السادسة من أعمارهم ويستظهرون القرآن قبل نهاية العقد الأول من أعمارهم، وعلى كل حال فقد قضت الحكومة الطرف عن هذا التقرير خوفا من ثورة الشعب ضدها([2]) .
وعلى المستوى التعليمي أصدرت الحكومة عام 1962م مرسوما حول لغات التعليم في المدارس نصَّ على اعتماد اللغة العربية لغة للتعليم في المرحلة الابتدائية، والإنجليزية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعلى الرغم من أن المرسوم كان خطوة في اتجاه اللغة العربية فإنه لا يخفى علينا أن اقتصار تعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية سيحسم الموقف لصالح اللغة الإنجليزية التي يقضي معها الطالب المرحلتين الإعدادية والثانوية، ودفع هذا الاتجاه إلى الأمام اعتماد الإنجليزية لغة للتعليم في معهد تدريب المعلمين الذي أُسس في أفجوي بالقرب من مقديشو عام 1963م([3]).
وعلى الرغم من أن الأجواء العامةعلى المستوى الرسمي لم تكن تشجع اللغة العربية فإن العربية ظلت تشغل حيزا كبيرا من الحياة العامة حتى هذا الوقت، فعلى المستوى التعليمي كانت العربية- كما أشرنا إليه آنفا- لغة التعليم في المرحلة الابتدائية في المدارس الحكومية، إلى جانت استمرار المدارس الوطنية التي تدرس جميع موادها باللغة العربية، واتساع الجانب المصري في إيفاد المعلمين وابتعاث الطلبة المتخرجين في مدارسه لاستكمال الدراسة الجامعية في الجامعات المصرية.
وعلى المستوى الإعلامي ظلت الصحف الرسمية تصدر باللغة العربية وعلى رأسها صحيفة حزب وحدة الشباب الصومالي الحاكم.
غير أن أبرز تجليات العربية في الميدان في هذه الفترة يتمثل في أن الجمعية الوطنية الصومالية كانت تكتب محاضرها باللغة العربية إلى جانب الإيطالية، وهو ما يدل على أن العربية لم تزل حتى هذا الوقت تقاوم من أجل بقائها لغة رسمية للصومال([4]).!
المراجع
[1] – حسن مكي محمد: السياسات الثقافية في الصومال الكبير 158-159
[2]– طاهر علي جامع: تحليل وتقويم كتب اللغة العربية 24، وانظر كذلك اللغة الصومالية تطورها ومراحل كتابتها وعلاقتها بالحرف العربي، صالح شيخ إبراهيم، شبكة الشاهد ، 24 نوفمبر 2010م.
[3]– محمدعلي عبد الكريم وآخرون: تاريخ التعليم 113-114
[4]– حسن مكي محمد: السياسات الثقافية في الصومال الكبير 169