كانت حكومة محمد سياد بري – التي يسمّيها كثير من المحللين السياسيين بالدولة الدكتاتورية أو القمعيّة – لديها نقاط إيجابية لاسيما في القطاع التعليمي، وقد أسس محمد سياد بري منظومة تعليمية متماسكة وحارب الأميّة وفتح مدارس متنقلة في المدن الحضرية والأرياف، وكل هذه الجهود بدأت بعد كتابة اللغة الصومالية في عام 1972 م.
لم تتوقف حكومة سياد بري على هذه العتبة فقط بل دشنت أول منهج تعليمي مكتوب باللغة الصومالية، وبدأ ما بات يعرف لاحقا بـ “صوملة المناهج “، وفَّرت للأطفال تعليما مجانيا وإلزاميًّا في نفس الوقت من يتراوح أعمارهم ما بين 6 – 14 عاما، وازداد عدد الطلاب الذين التحقوا بالمدارس في ذلك العام، وفتحت مدارس حكومية في كثير من المدن الصومالية، وكان المعلم الصومالي وقتذاك يتمتع بالاحترام في أوساط مجتمعه.
ولأجل تعظيم مكانة المعلم الصومالي فقد اعترفت الدولة الصومالية في يوم 21 نوفمبر كيوم للمعلم الصومالي وذلك منذ عام 1975م أي قبل ترسيم يوم 5 أكتوبر كيوم عالميّ للمعلم في 1994م ،وقد كان يحظى المعلم الصومالي تقديرا واسعا بين أوساط مجتمعه، حتّى أصبح الجيل الذي تعلَّم في تلك الفترة جيلا لا مثيل له، ولأن الفلسفة التعليمية في تلك الوقت كانت تغرس الطالب روح المواطنة وحب وطنه.
المعلم الصومالي والحروب الأهلية:
وبعد اندلاع الحرب الأهلية في الوطن دُمرّت معظم المرافق التعليمية الحيوية، ولحق بالتعليم ضرر كبير، ومن ثم تغيرَّ منذ بداية الحرب في الصومال كثير من المظاهر الوطنية التى كان التعليم يتمتع بها، من أهمّها التقدير الذي كان يكنُّه المجتمع الصوماليّ للمعلم، و ظهر جيلٌ جديد لا يعرف مكانة المعلم و لا يبدي له الاحترام الذي كان يتمتع بها.
ومن أكبر المصائب التى ساهمت في ضعضعة دور المعلم الصومالي في المجتمع ضياع المنهج التربوي الصومالي، واستيراد مناهج أخرى إلى الوطن لا تمتّ لها صلة بتراث الشعب الصومالي، وتدرس في المدارس الأهلية بلغات مختلفة ومناهج متعددة صُممت لأبناء من دول أخرى، لقد ضاع أجيال من الشعب الصومالي إثر دخول هذه مناهج الدخيلة، والمعلم الصومالي بات الحلقة الأضعف في تربية الأبناء، وفقد هيبته التقديرية الذي كان يجدها في الوقت الماضي، وتم افتتاح المدارس والجامعات لأغراض تجارية بحتة، واختصر دور المعلم في شرح وتحضير المادة التى يدرسها فقط، ولا يهمه تغيير السلوك الخاطئ للطالب لأنه أصبح موضوعا لا يخصه الأستاذ، ولو سعى إلى تغير سلوك طلابه سيترتب من ذلك تبعات لا يقدر الأستاذ على تحمله، فأصبحت مهنة التعليم مهنة من لا مهنة له، وكل من له قدرة في تقديم رسالته الى الطلاب لا يغامر نفسه في التدريس.
احتياجات المعلم الصومالي:
إن الدول التي حققت تقدّما منقطع النظير في العالم قد أعطت الأولية للمعلم، ووفرت له كل ما يحتاجه من متطلبات الحياة، وكما يقوله الإمبراطور الياباني: ” منحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير” في وقت كان يتحدث عن سرّ تقدم دولته في وقت وجيز، فإننا إذا أردنا أن نخرج من هذه المحنة الخطيرة الذي دخلتها الأمَّة الصومالية منذ عقدين ونيف علينا أن نغطي احتياجات المعلم.
ومن احتياجات المعلم الصومالي:
- قلّة الراتب التي يتقاضاها المعلّم الصومالي مقابل عمله الشاق بحيث أن كثيرا من المدارس افتتحت لأغراض تجارية ومن ثم فإن أصحاب المدارس يستغلُّون المعلم و لا يعطونه راتبا يكفي حاجاته اليومية.
- لا توجد منظمة خاصة ترعي حقوق المعلمين الصوماليين في البلاد، فالمعلّم بين مطرقة تجار المدارس وسندان الظروف الحياة، وأخيرا تأسّس في مقديشو اتحادا للمعلمين الصوماليين، وهو بداية جيدة رغم ان الواقع لا يسمح لهم بتحقيق طموح المعلمين الصوماليين بسبب الظروف الأمنية.
- يشتغل المعلم الصومالي في ظروف أمنية صعبة، مما تنعكس سلبا على رسالته التى يقدمها لطلابه، فأحيانا إذا تمرد طالب على معلّمه في داخل الفصل لا يستطيع الأستاذ أن يحتوي على الموقف، لأن الطالب يشعر أنه أقوى من أستاذه.
- لا توجد قوانين تحمي المعلم الصومالي إثر انتهاك حقوقه من قبل أصحاب المؤسسات التعليمية أو الطلاب، فعلى الدولة الصومالية أن تحمي المعلم الصومالي وتشرّع قوانين تحميه.
إن واقع المعلم الصومالي لا يختلف كثيرا عن الظروف المختلفة التى يعيشه مجتمعنا، سواء أكانت ظروف أمنية واقتصادية وسياسية، وأن يوم المعلم الصوماليّ لا يمكن أن يمر مرور الكرام هكذا بدون أن يستشعرها أغلب المجتمع الصومالي، فعلي المؤسسات التعليمية و الدولة الصومالية أن تحمي المعلم الصومالي في التحديات التي تواجهها وحده في ميدان التعليم، فبقدر ما نعطي المعلم مكانته الطبيعية سينعكس ذلك في المجتمع والأجيال التى تنشأ في المستقبل.