قضية الصومال وهيئة الأمم المتحدة
قرار الأمم المتحدة فى وصاية أيطاليا على الصومال.
بعد أن رفعت اللجنة الرباعية التى كلفت على تقصي الحقائق فى الصومال تقريرها إلى وزراء خارجية الدول الكبرى ظهرت الإختلافات وعدم توافق الآراء حول مصير المستعمرات الإيطالية. ولذلك حولت هذه القضية إلى الأمم المتحدة، وعرضت المسألة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها العادية الثالثة فى باريس 21 سبتمبر 1948.[1]
ولقد سعت إيطاليا إلى تأجيل مناقشة مصير مستعمراتها السابقة إلى الدورة القادمة للجمعية العامة كسبا للوقت وحتى يتسنى لها أن تجد الفرص المناسبة لإقناع بعض الدول التى مازالت تعارض عودة إيطاليا إلى مستعمراتها.[2]
وعدما اجتمعت الجمعية العامة فى 21 سبتمبر 1948، لم تتمكن من متابعة وقراءة الملفات التى قدمها وزارء الدول الأربع الكبار، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والإتحاد السوفييتى، ولذلك حولت الجمعية بدورها هذه القضية إلى اللجنة السياسية التابعة للجمعية العامة. [3]
واقترحت اللجنة السياسية تأجيل القضية إلى القسم الثانى من هذه الدورة التى ستبدأ عام 1949م ووافقت الجمعية على هذا الاقتراح. واعتبرت إيطاليا ذلك نجاحا لسياستها.[4]
وفى 5 أبريل عام 1949م عندما افتتح فى نيويورك القسم الثانى من الدورة الثالثة العادية للأمم المتحدة، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا شبه متفقين على وصاية إيطاليا على الصومال، وضم شرق أرييريا إلى إثيوبيا، وأن تخضع برقة للوصاية الإيطالية. أما فرنسا فلم تزل تؤيد عودة إيطاليا إلى مستعمراتها باستثناء جزء من أريتريا يضم إلى إثيوبيا. ورأي الإتحاد السوفييتي هو: قيام وصاية الأمم المتحدة المباشرة على المستعمرات الإيطالية، وكان يوافقه فى ذلك كل دول أوربا الشرقية. أما الوفود العربية والإسلامية فقد كانت تسعى إلى إعطاء الشعب الليبي حريته الكاملة فى أقرب فرصة، وبالنسبة للصومال اقترحت مصر تسليم إدارة الصومال إلى دولة قادرة تستطيع أن تقودها إلى الإستقلال، وضم جزء من أرتيريا إلى إثيوبيا والباقي إلى السودان. أما باكستان فقد اقترحت أن تخضع ليبيا والصومال لوصاية مباشرة مدة خمس سنوات بالنسبة لليبيا، وعشر سنين للصومال، وبالنسبة لأرتيريا أن تخضع لوصاية الأمم المتحدة أيضا مع جزء منها يضم إلى إثيوبيا.[5]
وبالنسبة للصومال فقد حدثت بعض التطورات المهمة فى مقديشو، فقد تبين لحزب وحدة الشباب الصومالي الذى كان يقود حركة التحرر، أنه كان على خطأ عندما طلب وصاية الدول الأربع الكبرى معا، حيث أن ذلك أمر غير ممكن، لأن الدول الغربية كان كل هدفها هو إبعاد الإتحاد السوفييتي من إفريقيا، ولا تسمح له أن تطأ أقدامه المستعمرات الإيطالية، إضافة إلى ذلك فهم يسعون إلى الوحدة الصومالية وهذا أمر لا يتحقق إلا إذا كان هناك إدارة واحدة تقوم بالوصاية على الصومال كله كبريطانيا مثلا، ولم يقبلوا ذلك أيضا.
يقول الأستاذ/حسن محمود عبدالله فى كتابه “الجبهات الصومالية”: لقد ضيعت الأحزاب الصومالية فرصة توحيد الصومال، وكان من المفروض أن يقبلوا ببريطانيا التى كانت تسيطر على جميع الأراضى الصومالية ما عدا الساحل الصومالي، وقرار حزب وحدة الشباب فى عدم قبول بريطانيا رغم مالها من سجل تاريخي حافل بالغدر، لم يكن واقعيا وأثبتت الأيام سلبية هذا القرار وعدم مواكبته للواقع والمصلحة العليا للشعب الصومالي.” من حيث تجزئة البلاد وعدم إمكانية توحيدها. [6]
ويقول الحاج على شيدوه عبده أحد نشطاء الحزب أنذاك:”لقد أخطأنا فى هذا القرار ونحن نعترف بذلك، وقد حاولنا الإستدراك والاتصال بالأمم المتحدة، ولكن بعد فوات الأوان”[7]
وعلى كل اتصل الحزب بالأمم المتحدة، حيث أرسل طلبا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يوضع فيه بأنه تخلى عن رأيه السابق، وأنه يقبل أية خطوة ترى الأمم المتحدة صالحة للبلاد، كما أنه يرحب الوصاية الفردية أيا كانت هذه الجولة، ما عدا إيطاليا وإثيوبيا. كما أرسل السيد/ عبدالله عيسى محمود* سكرتير الحزب إلى الأمم المتحدة مارا بلندن ليحاول إقناع بريطانيا بموقف الصوماليين الجديد. ومع هذا فأن بريطانيا لم تكن واثقة فى رأي الصوماليين والحزب، ولذلك أهملته، بل واصلت انتقامها من الشعب، فمثلا: قامت بإعطاء إقليم أجادين للحبشة، واستبدال الضابط والموظفين الصوماليين ببريطانيين، وأكدت فى الأمم المتحدة رأيها الصريح بتأييد إيطاليا فى عودتها إلى الصومال.[8]
ولقد سمحت الأمم المتحدة لبعض المنظمات والأحزاب الممثلة لهذه المستعمرات بإدلاء آرائهم الجلسات، ولذلك صرح السيد/عبدالله عيسى محمود سكرتير حزب وحدة الشباب الصومالى فى 21 أبريل 1949 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمعارضته الشديدة للوصاية الإيطالية قائلا:”إن الوصاية الإيطالية تعنى فقط بالنسبة لهم عودة الحكم الإيطالي، وأن ذلك سيكون بالكلية مخالفا لرغبات ومصالح شعبنا، وقد أثبتت التجارب عدم صلاحية إيطاليا لإدراه الشعوب الأفريقية “بينما طالب وفد ممثلى المؤتمر الصومالي برئاسة” اسلاو مهد الله محمد” بالوصاية الإيطالية.[9]
وفى 6 مايو ظهر اتفاق “بيفن- سفوزا” وهما وزيرا الخارجية البريطانية والإيطالية، وقد قدم للجمعية كمقترح بريطاني، وكان يقضي:
- توحيد شرق أرتيريا مع إثيوبيا وغربها مع السودان.
- إخضاع الصومال للوصاية الإيطالية.
وقد حظي هذا الاتفاق بتأييد أغلبية أعضاء اللجنة السياسية التالعة للجمعية العامة، ولكنه أثار ردور فعل سلبية من الصوماليين، فقد وقف عبدالله عيسى فى 10 مايو أمام اللجنة السياسة مطالبا الاستقلال التام للشعب الصومالي، كما أبرق إلى مقر الحزب فى مقديشو قائلا:”إن اللجنة السياسية وافقت على وضع الصومال تحت الوصاية الإيطالية” وفى برقية أخرى “إن الموت أهون من أن نترك أرضنا نموذحا آخر على غرار جنوب إفريقيا، ويبدو أن تحركات عبدالله عيسى وجدت صدى عندما هزم مشروع “بيفن – وسفوزا” وفشل فى الجمعية. [10]
ولقد وصل إلى مقر الأمم المتحدة وفد أرسلته الجالية الإيطالية بعلم من إيطاليا وبريطانيا، وادعت إيطاليا بأن هذا الوفد يمثل السلاطين الصوماليين وبعض الأحزاب السياسية، وقد طالب الوفد بعودة إيطاليا، وأيد مشروع “بيفن – سفوزا” السابق ذكره، كما ذكر الوفد بأن اللغة الإيطالية يمكن التفاهم بها مع الإدارة الإيطالية. كان هذا الوفد يتكون من: ياسين على شرمأركى، ومحمد شيخ عثمان “أدموندو” اسلو مهدالله محمد، أبوبكر قاسم.[11]
ثم توالت الاقتراحات من قبل بعض الدول فمثلا: اقترحت مصر فى نفس اليوم الذى هزم فيه مشروع “بيفن – وسفوزا” وصاية الأمم المتحدة على الصومال تحت إدارة مشتركة من مصر وإثيوبيا وفرنسا وإيطاليا وباكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة كسلطة إدارية مشتركة، وكذلك اقترحت ليبيريا الوصاية على الصومال مدة 15 عاما، ثم الإتحاد السوفييتى بالوصاية المشتركة من الأمم المتحدة لكل من المستعمرات الإيطالية، ولكن هذه الإقتراحات هزممت جميعا [12]
وفى 18 مايو 1949 وافقت الجمعية العامة وباغلبية ساحقة على المقترح البولندى بتأجيل القرار النهائي فى مصير المستعمرات الإيطالية السابقة إلى الدورة الرابعة للجمعية العامة.[13]
وعند افتتاح تلك الدورة في نيويورك فى 2- سبتمبر 1949 لم تزل الآراء مختلفة، إلا أن الدول اتفقت بالنسبة للصومال على وصاية إيطاليا على الصومال ماعدا الإتحاد السوفييتي الذى اقترح استقلال الصومال فى خمس سنوات وفى خلال هذه الفترة تدار بإدارة من قبل مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة. [14]
كان الصوماليو يتابعون هذه المناقشات ولذلك نظموا مظاهرات شعبية فى 5 أكتوبر وتحولت إلى صدام مع قوات حفظ الأمن البريطانية، مما أدى إلى وقوع قتلى وجرجى، وتم اعتقال أعداد من المتظاهرين، وقد سيطرت القوات المسلحة البريطانية على شوارع المدينة. [15]
وفى الأمم المتحدة ، وجهت انتقادات شديدة اللهجة من بعض الوفود إلى الأعمال البشعة التى تقوم بها بريطانيا فى الصومال مما جعل وفد بريطانيا فى الأمم المتحدة يطلب من حكومته أن يأمر السلطات البريطانية فى مقديشو لإغلاق مكاتب الأحزاب السياسية، وتهدئة الجو العام حسبما أمكن.[16]
ومما أقلق بريطانيا مكالمات عبدالله عيسى سكرتير الحزب فى مقر الأمم المتحدة، والذى كان على اتصال دائم مع وطنه، بحيث كان يتصل به أربع مرات أسبوعيا، وقد حاولت بريطانيا عرقلة هذه المكالمات ولكنها لم تنجح لأنها كانت تصدر من محطات خاصة لم تكن فى يدها ولا فى يدإيطاليا، كما حاولت إعادته إلى الصومال ففشلت أيضا. [17]
وفى 11 أكتوبر اقترحت اللجنة السياسية تكوين لجنة أخرى فرعية من 21 عضوا، بهدف دراسة المقترحات والخطط التى قدمت حتى الآن إلى الجمعية العامة، وأن تقدم تقريرها إلى اللجنة السياسية ثم تقدم هذه توصياتها إلى الجمعية العامة. وقد اتفقوا على إعطاء ليبيا استقلالها فى 1952، ووصاية إيطاليا على الصومال مدة عشر سنوات، مع أخذ مبادئ دستورية أعدتها الهند. إضافة إلى ذلك كان هناك تساؤلات حول موقف إيطاليا من معارضيها فى الصومال إن هي عادت إليها، وفى هذا تعهدت إيطاليا بألا تعامل هؤلاء معاملة سيئة. [18]
وقد أخذت اللجنة السياسية توصيات اللجنة الفرعية رغم تحسبها من شعور الصوماليين، وقبل تقديم توصياتها غلى الجمعية العامة حدثت بعض المناقشات والاقتراحات من قبل بعض الدول، فمثلا عارضت إثيوبيا وليبيريا والمجموعة السلافية عودة إيطاليا إلى الصومال، واقترحت ليبيريا إيفاد لجنة للتحقيق إلى الصومال، كما اقترحت بولندا أن تستقل الصومال بعد ثلاث سنوات، ولكن كل هذه المقتراحات هزمت بالتصويت، ووافقت المجموعة العربية والإسلامية* على الوصاية الإيطالية إلا أنهم اقترحوا تكوين مجلس استشاري مكون من خمس دول، حتى لا تتفرد إيطاليا بالإدارة. [19]
وفى نوفمبر 1949 قدمت اللجنة السياسية أيضا إلى الجمعية العامة تقريرها، فبدأت الجمعية تدرس المسألة، وأثناء الدراسة اقترحت العراق بالنسبة للمجلس الاستشاري بأن تكون إثيوبيا عضوا فيهه مادامت هناك عودة إيطاليا إلى الإقليم، حتى تأمن مخاوفها، كما اقترحت اليونان أن تكون جنوب إفريقيا عضوافى المجلس الاستشاري إلا أن الدولتين اعتذرتا عن الاشتراك. وكذلك اقترحت بولندا أن يشترك الصوماليون فى المجلس اللإستشاري إلا أن هذا الإقتراح رفض، وأخيرا أخذت الجمعية مقترح شارل مالك مندوب لبنان فى أن تكون عضوية هذا المجلس قاصرة على ثلاث دول فقط وهي: مصر، وكولومبيا، والفلبين. وفى مساء 21 نوفمبر 1949 وافقت الجمعية العامة بالوصاية الإيطالية على الصومال باغلبية 48 صوت ضد صوت واحد (إثيوبيا) وامتناع9[20]
ويبدو من ذلك أن الأمم المتحدة والتى كانت أعلى هيئة فى العالم والتى كان من المفروض مساعدة حقوق الشعوب المغلوبة أخفقت بأن تعترف بحقوق الشعب الصومالي، وقبلت سياسة تقسيم الأراضي الصومالية مادام أنها لم تطلب من بريطانيا وإثيوبيا وفرنسا أن يسلموا ما تحت أيديهم ليوضع تحت الوصاية لأن قرار الوصاية الإيطالية يجري فى الصومال الإيطالي فقط، بينما بقيت الأقاليم الأخرى كما كانت سابقا دون أي التفات إليها. [21]
المراجع
[1] . محمد حاج مختار حسن المرجع السابق، ص: 146.
[2] . على حسن محمد، المرجع السابق، ص: 118.
[3] . محمد إبراهيم محمد، (ليقليقتو) المرجع السابق، ص:113.
[4] . على حسن محمد، المرجع السابق، ص: 119.
[5] . محمد حاج مختار حسن، المرجع السابق، ص: 149-150.
[6] . حسن محمود عبدالله، الجبهات الصومالية” النشأة والتطور” د. ن، ت. ص:6.
[7] . الحاج على شيدوا عبده، كان من أوائل الشباب الذين انضموا إلى حزب وحدة الشباب الصومالي، بعد تأسيسه، وكان أحد أعضاء المجلس الإقليمي الأول الذي أسسته إيطاليا عندما تولت إدارة البلاد بالوصاية، وقد زاره الباحث فى بيته فى مقديشو يوم الجمعة 3/3/2006م، وأجرى معه مقابلة.
* عبدالله عيسى محمود، ولد عام 1922م، أصبح رئسا للوزاراء للحكومة الدجاخلية الصومالية عام 1956م، شغل منصب وزير خارجية الصومال 1960 – 1964م ، ثم منصب وزير الصحة عام 1964 – 1967م، ثم وزير التجارة والصناعة فى 1967 – 1969، ثم تم تعينة شفيرا فى السويد 1973- 1984، توفى فى روما 24/3/1988، ودفن فى مقديشو.
[8] . محمد إبراهيم محمد ” ليقلقتو”، المرجع السابق، ص: 112، 114
[9] . محمد حاج مختار حسن المرجع السابق، ص: 152 -153.
[10] . نفس المرجع، ص: 156.
[11] . على حسن محمد، المرجع السابق، ص: 121.
[12] . محمد حاج مختار حسن المرجع السابق، ص:157
[13] . نفس المرجع، ص: 157.
[14] . نفس المرجع، ص: 160-163.
[15] , جامع عمر عيسى، المرجع السابق، ص: 212.
[16] . محمد حاج مختارحسن ، المرحع السابق، ص : 173.
[17] . على حسن محمد، المرجع السابق، ص: 122.
[18] . محمد إبراهيم محمد (ليقليقتو)، المرجع السابق، ص: 118 -119.
* . وكان عدد الدول الإسلامية فى الجمعية العامة عشرة، وهي: مصر، وليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، والسعودية، وباكستان،و وتركيا، وإيران، وأفغانستان. ولذذلك كانوا يمثلون خمس أعضاء الجمعية العامة تقريبا.
[19] . محمد حاج مختار حسن المرجع السابق، ص:173
[20] . نفس المرجع، ص: 176 – 178.
[21] . Mohamed Osman Omar, The Scramble In The Horn Of Africa, (History Of Somalia 1827 – 1977) Haan, London, 2001, p. 520.