لشهرة فضيلة الشيخ أبو عبد الرحمن محمد معلم حسن الحوادلي– رحمه الله – ونشاطه الدعوي العلني المبكرالكبير في نهاية الستينات واكتساحه علىالساحة الدعوية رغم عنفوان الشوعية وغطرسة العسكر في البلاد والعباد في السبعينات اهتم أخباره أكثر من قلم منذ وفاته في 13/5/ 1421ه الموافق 13/8/2000م، وكان لي مقالاً كتبتُ فيه حول حياته العلمية والدعوية في مجلة المجتمع إثر وفاته عام 2000م، وعند نشر المقالة حصل سقط بسيط غيَّرَ بعض المعنى، وكان هذا المقال أول ترجمة مفردة تظهر على العلن باللغة العربية حسب علمي، وقد أشار هذه الترجمة بعض الباحثين فيما بعد والذين اعتمدوا عليها.
أما من حيث الإشارة والتناول في دعوة الشيخ ودوره في الصحوة الإسلامية فحسب علمي كان لقلم الأستاذ عبد الرحيم يوسف أحمد من خلال بحثه ” محنة الصومال: دروس وعبر دراسة تحليلية للوضع الراهن، وهي عبارة عن رسالة تكملة لمتطلبات درجة الماجستير في فسم معارف الوحي والتراث من كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في عام 1997م، ويُعدّ هذه الدراسة من أوائل البحوث التي تناولت تاريخ الحركة الإسلامية في الصومال منظور علمي محايد، رغم قلة المعلومات المهمة، والنذرة التحليلات، ولعل ذلك مرده إلى السرية والكتمان التي تمارس جميع الحركات الإسلامية في الصومال وعدم بوحها بالوثائق والمعلومات الرسمية المهمة بالإضافة إلى عوامل أخرى.
ثم جاء مجموعة من الباحثين اهتموا بترجمة الشيخ وحياته الدعوية، ومن بين من تناول سيرة الشيخ وحياته فضيلة الدكتور محمد ديرية سبرية الذي فرض على نفسه جمع أخبار الشيخ وأثره العلمي والدعوي والتربوي لتكون ذلك مقدمة لتحقيق مخطوطة خلفها الشيخ محمد معلم حسنفي علم الصرف، ولست أدري هل تم نشر المخطوطة أم لا. ومن بين من تناول الأخ الفاضل الأستاذ موسى أحمد عيسى حيث نشر مقالاً مفيداً عنه في شبكة “الصومال اليوم” في منتصف سنة 2013م، ثم جاء بعده الباحث أنور أحمد ميو وأورد ترجمة الشيخ ضمن تراجم الأعلام في كتابه المشهور ” نيل الآمال في تراجم الأعلام الصومال”. أما أهمّ من كتب عن الشيخ ودعوته وأفرد لبحث علمي أكاديمي مستقل جاء بقلم الباحث الأستاذ محمد أحمد محمود الملقب بمحمد إنطولي أي الضرير بحيث استطاع أن ينجز رسالة علمية نال بها درجة الماجستير في التاريخ حول دعوة الشيخ محمد معلم حسن تحت عنوان ” الشيخ محمد معلم حسن ودوره الإصلاحي في المجتمع الصومالي” من مركز البحوث والدراسات الإفريقية التابع بجامعة إفريقيا العالمية.وكان الباحث يهدف دراسته هذه إلى أمور علمية منها إعطاء فكرة متكاملة عن تاريخ الشيخ محمد معلم حسن وإسهاماته في نشر الدعوة الإسلامية في ربوع الصومال. وتوضيح طريقته في اصلاح المجتمع الصومالي. الجدير بالذكر أنّ الباحث أشار إلى مقالتي حول سيرة الشيخ محمد معلم حسن في رسالته، كما أشار قبله فضيلة الدكتور محمد ديريةسبرية في مقدمته العلمية في كتاب “علم الصرف” الذي يحققه ، وأخبرنيبأنّ الترجمة سوف تكون محور انطلاق في سيرة الشيخ وتاريخه.وممن اهتم بسيرة الشيخ وتاريخه لا يقتصر على أؤلئك الذين يكتبون باللغة العربية فحسب وإنما أيضا اهتم مجموعة من الباحثين مثل عبد الشكور مري أدم ( عبل) رحمه الله في كتابه الصحوة الإسلامية في الصومال 1952 – 2002م الصادر في طبعته الثانية عام 2013م. والكتاب مكتوب باللغة الصومالية وقد تناول جزء من كبير من تاريخ الشيخ ودوره في الصحوة الإسلامية في مراحلها الأولى.
ولادته ونشأته ورحلاته العلمية:
أبو عبد الرحمن الشيخ محمد معلم حسن الحوادلي من مواليد عام 1936م في بادية مدينة بيدوا قرب ناحية بورهكبة في إقليم باي رغم أنّه ينحدر من قبيلة حوادلي المشهورة في قطرنا الصومالي والمتمركزة في وسط الصومال بإقليم هيران وفي الجنوب البلاد إلا أنّه تربى وترعرع في كنف والدته الرحنوينية من قبيلة إيلاي ثم عند خاله في ضواحي مدينة بيدوا بعد وفاة والده. وقد حبب إليه العلم من الصغر حيث حفظ القرآن الكريم على ظهر القلب ومارس القرآءة والكتابة على يد خاله وشقيق أمه، كما هي عادة أهل الصومال ولاسيما آهالي المنطقة التي يُعدّ قبلة لمن يريد حفظ القرآن يأيي إليها بحيث يجد الدعو والكفالة والإستقرار الذي يسامح الطالب لنجاح مشروعه العلمي. وفضيلة الشيخ محمد معلم حسن لم يكتف بحفظ القرآن الكريم فحسن وإنما أيضاً تعلمه الكتابة والقرآءة طلب العلم وبدأ بالمتون الصغيرة في الفقه الشافعي كسفينة الصلاة والنجاة، وأعانه عليه ذلك ذكاؤه المفرط وإرادته الجامعة القوية، ولما كانت الرحلة تكون أساساً هاماً في التكوين الذهني والتحصيل العلمي وإكتساب الخبرة وصقل المعلومات رحل فضيلته وهو في حداثة سنه إلى بلاد بعيدة ومتعددة، ولم يعتقد أنّ رحلته سوف تصله إلى آفاق لم يحلم بها، بعد أن تجول إلى عدد من الدول والبلدان المجاورة وغيرها في أنحاء العالم الإسلامي حيث وصل في البداية إلى مدينة جغجغا في الأراضي الصومال الغربي المحتل من قبل إيثوبيا منطلقاً من بادية بورهكبة في إقليم باي موطن أخواله ومسقط رأسه. وفي جغجغا استأنف دراسته في الفقه بالإضافة إلى التفسير وعلوم اللغة العربية على يد علماء المنطقة الأجلاء المشهورين مثل: فضيلة الشيخ علي جوهر الغدبيرسي، والشيخ محمد عبد الله وغير ذلك رحمهم الله جميعاً. وقد أحاط أبو عبد الرحمن الشيخ محمد معلم حسن رحمه الله بالمعرفة العلمية التي كانت سائدة في عصره إحاطة تامة ثم أصبح مساعد مدرسة معلمه وشيخه محمد بن عبد الله ، وبعد ذلك رحل إلى الديار المصرية عن طريق البر مع مجموعة من طلاب العلم عبر أراضي الإيثوبية والأرتيرية والسودانية، وقد لاقى في سبيل ذلك عبر الطريق معانات شاقة ومضايقات شديدة.
وفي عام 1958م وصل إلى مدينة قاهرة المعز وفور صوله التحق بالأزهر الشريف بعد أن حاز جميع الإختبارات بحيث لم يكن لديه شهادة تؤهله للجامعة، واستغرب الأساتذة والعلماء لمكانة الشيخ العلمية في مختلف العلم والمعرفة ورفعوا له تحية إجلال واحترام. التحق بجامعة الأزهر وخاصة كلية أصول الدين ونال منها الإجازة العالية من الأزهر الشريف كما حصل على الدبلوم في التربية من جامعة عين الشمس.
رجوع الشيخ إلى أرض الوطن وبداية نشاطه الدعوي:
انطلقت دعوة الشيخ ونشاطه الإسلامي في مقديشو رغم قلة معرفته بها بحيث لم يرى من قبل ، وقد أشرنا بأنّه من مواليد ضواحي مدينة بورهبكة منطقة أخواله، ولما اشتد ساعده سافر إلى خارج البلاد لينهل العلم والمعرفة، ولكن بعد أن تمكن علوماً كثيرةً في المراكز والزوايا العلمية ثم جامعة الأزهر الشريف عاد الشيخ محمد إلى بلاد الصومال وخاصة العاصمة مقديشو في شهر فبراير عام 1968م وقد صاحب رجوع الشيخ في وقت عمر جمهورية الصومال قصيرة بحيث لم يتجاوز ثمانية أعوام بعد استقلها من الاستعمار وفي أواخر الحكومة المدنية ولكن البلاد تحت فوضى سياسية أدت بعد سنة إلى قتل رئيس جمهورية السيد عبد الرشيد على شرماركي وتولي العسكر على مقاليد الحكم في 21 أكتوبر عام 1969م بقيادة اللواء محمد سياد برى.
ومن ناحية أخرى صاحب رجوع الشيخ إلى الوطن ظهور بعض الجمعيات والمنظمات الإسلامية والإجتماعية ذات صبغة دينية ودعوية وأول هذه المنظمات الرابطة الإسلامية في الصومال بقيادة الشريف محمود شريف عبد الرحمن المشهور بشريف مريا عدي – أي شريف لباس الأبيض- بحيث كان دائماً يداوم الثوب العربي ذات اللون الأبيض، وهو أبو صاحب المعالي سعادة شريف محمد شريف محمود. وفي هذا التوقيت وعند وصول الشيخ محمد معلم حسن إلى البلاد صادف بتأسيس جمعية النهضة الإسلامية وأغلب الأعضاء رجعوا من الحجاز والقاهرة مثل الشيخ عبد الغني بن الشيخ أحمد ، والشيخ إبراهيم صولي، والشيخ محمد أحمد غريري ، والشيخ شريف علوي، والشيخ علي بن عبد الرحمن الصوفي وغيرهم. ومهما كان بدأ نشاط الشيخ الدعوي في مسجد الشيخ عبد القادر المشهور بـ ” مقام” حيث عقد حلقة علمية كان يدرس فيها كل يوم معاني التفسير القرآن الكريم ، وكان يركز الجانب التربوي، كما اشتغل بالوعظ والارشاد وإلقاء المحاضرات المنتظمة في المراكز والنوادي العامة.
ولا غرو في ذلك فقد كان يحمل الهموم الإسلامية ويحس المسؤولية الملقات على عاتقه بحيث أنّ الله أعطاه العلم والفصاحة في الخطاب، بالإضافة إلى أنّه كان متأثراً بدعوة الشيخ الإمام حسن البنا رحمه الله فترة وجوده في مصر، بل وعاصر معانات الحركة الإسلامية وتعذيب المنتمين إليها أيام الحكم جمال عبد الناصر. وفيما بعد إنضم إلى وزارة العدل والشئون الدينية، وعين رئيساً بقسم الشئون الدينية، واشترك في تطوير إدارة الوزارة وتنظيمها، ومع عمله الإداري اليومي كان رحمه الله يبدل جهداً جباراً في سبيل نشر تعاليم الإسلامي وشموليته رغم عنفوان الشيوعية وتحدياتها تجاه الدين الإسلامي وأهله، وألقي القبض عليه رغم عدم معاضرته بالنظام ولكن بصوته القوي وكلمته في المسجد عبر تفسيره بالقرآن الكريم زلزل العروش العسكر وشياطين الإنس والجنّ ، ثم ألقي القبض عليه في غياهب السجون ظلماً وبدون محكمة أو إدانة ابتداءً من عام 1976م واستمر فيه حتى أفرج عام 1982م.
وهذا الأمر لم تغير هم الشيخ وهدفه في نشر تعاليم الإسلام ومعرفتة بحيث بعد فترة من إفراجه استأنف عمله الإسلامي رغم التحذيرات من رئيس الجمهورية، ولكن في منتصف الثمانينات ازداد المرض عليه وسافر إلى المملكة العربية برحلة العلاج وأدخل في عدة مرات في المستشفى بمساعدة من أخيه صاحب السماحة فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله باز رحمه الله ، وبعد شفاءه عاد إلى البلاد فوراً مواصلا نشاطه الدعوي على الرغم من نصائح الأطباء له بالراحة، ولكنه رفض بحيث كان يرى الراحة إلى المحراب والتفاف الأمة حوله يتذاكرون كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أعيد مرة أخرى إلى السجن.