خريطة الأحزاب السياسية في جيبوتي (الجزء الأول)

مـقدمة:

وتعود جذور نشأت الحركة السياسية الجيبوتية إلى حقبة الإستعمار الفرنسي بحيث نشأت في الساحة عديد من الحركات التحرر الوطني.

ورغم أن عمل الحركة السياسية في جيبوتي شهدت تطوراً كبيراً خلال الفترة ما بين (1951 ـ 1977م) بحيث كان لها دوراً بارزاً ومؤثراً في مسيرة التحرر والإستقلال والنضال الوطني ضد الإستعمار الفرنسي.

إلا أن هذا الدور سرعان ما شهد تراجعاً كبيراً في كافة المجالات والأصعدة في وقت مبكر جداً من عمر الدولة لمرحلة ما بعد الإستقلال.

ومن البديهي جداً ـ المعلوم من السياسة بالضرورة ـ   بأن الأحزاب السياسية تعلب دوراً في غاية الأهمية في كافة الأنظم السياسية الحديثة.

إلا أن وضع الأحزاب الجيبوتية بعد الإستقلال يعتبر إستثناءا لهذه القاعدة بحيث لم يعد لها أي دور سياسي مؤثر على المشهد العام.

ونحاول من هذه الدراسة عكس طبيعة نشأت الحركة السياسية الجيبوتية وكيفية تطورها إضافة إلى ودورها في تنمية الوعية السياسية وتعزيز المشاركة السياسية في البلاد.

كما نحال أيضاً لإجراء دراسة مقارنة لعناصر القوة ومواطن الضعف لدى كل من التحالف الأغلبية الرئاسي (الحاكم) والتحالف من أجل الإنقاذ الوطني (المعارض) وذلك لفهم حول حقيقة المشهد السياسي العام ومستقبل العملية السياسية والتحول الديمقراطي في البلاد، عبر إستخدام المنهج التحليلي الوصفي:

وتتكون الدراسة لعدد من المحاور الرئيسية تنقسم على النحو التالي:

  1. خلفية تاريخية للحركة السياسية في جيبوتي:
  2. المشهد السياسي العام لمرحلة ما بعد الإستقلال:
  3. نشأه الأحزاب السياسية في جيبوتي:
  4. الأحزاب الجيبوتية ودورها السياسي:
  5. التحالفات السياسية وملامح الخريطة الحزبية الراهنة.
  6. خلفية تاريخية للحركة السياسية في جيبوتي:

سبق أن أشرنا بأن جذور الحركة السياسية في جيبوتي تعود إلى حقبة الإستعمار الفرنسي في أوآخر الأربعينات من القرن الماضي.

حيث برز عدد من حركات التحرر كتنظيمات سياسية تعبر عن الشعب الجيبوتي وتطلعاته في الحرية والإستقلال، ولم تختلف ظروف نشأتها كثيراً عن تلك التي نشأت فيها معظم حركات التحرر في إفريقيا.

وفي منتصف القرن الماضي، شهدت الساحة نشاطاً نقابياً متقدماً تمثل بحركة العمال بقيادة الشهيد/ محمود حربي فارح، كما برز أيضاً عدد من الأحزاب السياسية.

وكان من بينها:

  • حزب الإتحاد الجمهوري بقيادة المناضل الراحل محمود حربي فارح، تأسس الحزب في عام 1947م.
  • الحزب الديمقراطي الإجتماعي (DIES) بقيادة الرئيس الراحل حسن جوليد أبتدون، وتأسس الحزب في عام 1957م.
  • جبهة تحرير للساحل الصومالي(FLCS) بقيادة السيد/ آدم روبله عواله، وتأسست الجبهة في عام 1958م.
  • حزب الحركة الديمقراطي (PMD) بقيادة موسى أحمد إدريس، تأسس في منتف الستينات على يد الشباب (الحربيين)
  • حركة تكتل النواب الأحرار، بقيادة عبد الله كامل، وتأسست الحركة في مطلع السبعينات من القرن الماضي.
  • حزب الوحدة الوطني للإستقلال (UNI) بقيادة السيد/ علي عارف.
  1. التحركات والتفاهمات السياسية قبيل الإستقلال:
  • المرحلة ما بين (1975 ـ 1977م):

وفي نوفمبر عام 1975م، أعلنت فرنسا قبولها منح جيبوتي الإستقلال بشرط الحصول على ضمانات لمصالحها في الإقليم.

وفي 11 ديسمبر عام 1975م، أيدت الجمعية العام للأمم المتحدة بحق جيبوتي في الإستقلال، وأيدت إثيوبيا للقرار كما أن الصومال تنازلت عن مطالبتها بالإقليم.

وفي 28 ديسمبر عام 1976م، وافق كل من الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ومجلس الشيوخ على قنون يقضي بإجراء إستفتاء حول الإستقلال.

وفي فبراير عام 19977م، إستضافت باريس محادثات مائد مستديرة ضمت معظم الحركة السياسية الجيبوتية.

وفي 8 يوليو عام 1977م، أجرى إستفتاء شعبي حول الإستقلال حيث صوت الشعب بنسبة (98%) للإستقلال والتحرر من فرنسا.

  1. المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الإستقلال:
  • المرحلة ما بين (1977 ـ 1992م):

وفي 27 يونيو عام 1977م، تحقق حلم الشعب الجيبوتي في الحرية والإستقلال وذلك بعد مسيرة طويلة من النضال ضرب فيها الشعب بأمثلة رائعة من البطولات والتضحيات.

ومع أن الإستقلال جاء نتيجة لعوامل عديدة من بينها الوحدة الوطنية التي تحققت بين مكونات المجتمع الجيبوتي إضافة إلى نجاح القوى السياسية بتجاوز خلافاتها السياسية وتوحيد كافة إمكاناتها وقدراتها لمواجهه الإستعمار.

إلا أن هذه الوحدة الوطنية التي تمت بين المكونات السياسية والإجتماعية لم تدم طويلاً بعد تحقيق الإستقلال.

وسرعان ما تفجرت صراعات سياسية وقبلية بين تلك القوى وذلك في وقت مبكر جداً من عمر الدولة الوليدة، بحيث برزت على السطح خلافات عميقة حول كيفية إدارة الدولة وتقسيم السلطة.

وبإفتقار القوى الوطنية بمشروع سياسي وغياب هوية قومية جامعة لكل مكونات الشعب فإن النخبة السياسية لحل صراعها قبلت (مضرة) بتقاسم السلطة ـ فيما بينها ـ على أساس قبلي.

وقد تشكل أول برلمان عرفته البلاد ما بعد الإستقلال على أساس قبلي بحيث أسند لـ(33) مقعداً إلى قبيلة العفر بينما أسند لـ(30) مقعد إلى قبائل الصومالية ومقعدين للعرب.

وكذلك لم تختلف طبيعة تقاسم في المناصب الوزارية حيث أسند (8) حقائب وزارية إلى القبائل الصومالية و(7) حقائب للعفر وحقيبة للعرب.

وهذه التفاهمات لم تدم طويلا حيث تفجر أزمة سياسي عميق بين رئيس الجمهورية حسن جوليد أبتدون ورئيس الوزراء أحمد ديني أحمد نتيجة لتنازع الصلاحيات.

وفي ديسمبر عام 1977م، قدم رئيس الوزراء إستقالته وتضامن مع في الإستقالة أربعة وزراء من حكومته.

ومن جهة أخرى أحتدم الصراع بشدة بين التحالف (LPAI) الذي أجمعت فيه معظم الأحزاب السياسية في الداخل وبين الجبهة الوطنية لتحرير الساحل الصومالي (FLCS) المسلحة والتي كانت تتمركز في الصومال.

ومع أن الطرفان وقعا على إتفاقية سياسية لتقاسم السلطة في عام 1977م إلا أن معظ بنوذها لم طريقها إلى التنفيذ بإستثنا للبندين:

  1. إشراك الجبهة في التشكيلة الحكومية الجديدة بنصب وزير فقط.
  2. دمج عدد محدود من مقاتلي الجبهة في داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.

وذلك في حين لم تجد معظم مطالب الجبهة ـ وعلى رأسها  تقديم الدعم والراعية لأسر الشهداء والمعتقلين ـ بأي إهتمام يذكر من قبل الحكومة.

ومن جهة أخرى إستمرت القوى النافذه في الحكومة بمساعيها لإستحواد السلطة وإقصاء عناصر الجبهة لذلك ظلت الأزمة السياسية قائمة في البلاد.

في 4 مارس عام 1979م، دخلت الحركة السياسية الجيبوتية بمرحلة فاصلة من تاريخها، وذلك بعد قيام الحكومة بإلغاء التعددية السياسية وتجميد كافة الأنشطة الحزبية .

وقد إعتمدت الحكومة بإختيار نظام الحزب الواحد حيث أسست لحزب التجمع الشعبي من أجل التقدم (RPP) وبقيادة الرئيس الرحل حسن جوليد أبتدون.

وبموجب هذا القرار (الكارثي) تحول النظام السياسي إلى حكم شمولي بحيث أصبحت كل سلطات الدولة في يد الرئيس وذلك بإعتباره رئيساً للحزب الحاكم.

وفي 1981م  شكل السيد/ أحمد ديني أحمد حزب الشعب الجيبوتي (PPD) كحزب سياسي معارض لكن سرعان ما إعتبره الحكومة حزبا غير قانونياً.

وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي، تأسست جبهة إستعادة الحرية والديمقراطية (FRUD) بقيادة الزعيم السياسي الراحل أحمد ديني أحمد، وذلك بإعتبارها حركة مسلحة تهدف لتغيير النظام عبر الوسائل العسكرية.

وفي أكتوبر عام 1991م، بدأت الجبهة بأولى عمليتها العسكرية ضد الحكومة وذلك بهجوم كاسح ومفاجئ على المحافظات الشمالية الثلاثة، تمكنت من خلاله السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد.

بيد أن هذا النجاح العسكري لم يدم طويلاً وسراعان ما تحول الصراع بين الجبهة والحكومة إلى إحتراب قبلي من مكونات الشعب الجيبوتي.

  1. بداية نشأة الأحزاب السياسية :
  • المرحلة ما بين (1992 ـ 1994م):

وفي مطلع التسعينات، قامت الحكومة لإجراء بعض الإصلاحات السياسية لإحتواء الحرب الأهلية والأزمات المتصاعدة في البلاد.

وفي عام 1992م، شهدت البلاد على ميلاد عدد من الأحزاب الوطنية وذلك بعد إستفتاء شعبي على دستوري جديد يقر التعددية الحزبية (المقيدة).

ونصت المادة (6) من الدستور الجيبوتي الصادر في سبتمبر عام 1992م، حرية إنشاء الأحزاب السياسية بشرط إحترامها للدستور ومبادئ السيادة والديمقراطية.

إلا أن النشاط السياسي والحزبي في الساحة خلال هذه المرحلة إقتصر فقط على ثلاثة أحزاب سياسية هي:

  1. حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم (RPP) بقيادة الرئيس الراحل حسن جوليد أبتدون، وتأسس الحزب في 4 مارس عام 1979م، في مدنية دخل بجنوب البلاد.
  2. الحزب الوطني الديمقراطي (PND) برئاسة السيد/ آدم روبله عواله وتأسس في عام 1992م.
  3. حزب التجديد الديمقراطي (PRD) بقيادة السيد/ محمد جامع عيلابي.

وفي نهاية عام 1992م، شهدت البلاد لأول إنتخابات تشريعية تعددية شارك فيها الأحزاب الثلاثة، وفي عام 1993م، أجري أيضاً بأول أنتخابات رئاسية تعددية تنافس فيها مرشخو الأحزاب الثلاثة إضافة إلى عدد من المستقلين، وقد تميزت هذه الإنتخابات بقدر من الشفافية.

وتنافس في هذه الإنتخابات كل من:

  • السيد/ حسن جوليد أبتدون مرشح حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم الحاكم وقد حصل في الجولة الأولى بحوالي (50%) من الأصوات بينما فاز في الجولة الثانية حيث نال بقرابة (58%) من إجمالي الأصوات.  .
  • مرشح الحزب الوطني الديمقراطي السيد/ آدم روبله عواله، الذي نال بـحوالي (18%) من إجمالي الأصوات.
  • مرشح حزب التجديد الديمقراطي السيد/ محمد جامع عيلابه، حصل في الجولة الأولى بحوالي (25%) من إجمالي الأصوات وحوالي (42%) في الجولة الثانية.
  • المرشح المستقل السيد/ محمد موسى تورتور. نال بقرابة (5%) من الأصوات.
  • المرشح المستقل السيد/ أحمد محمد إبراهيم، نال بحوالي (2%) من الأصوات.
  1. المشهد السياسي بعد إنهاء للحرب الأهلية وتوقيع إتفاقية (أبعا):
  • الفترة ما بين (1994م ـ 1999م):

وفي منتصف عام 1994م، قامت الحكومة بدخول مفاوضات مباشرة مع (الجناح السياسي) لجبهة إستعادة الحرية والديمقراطية (FRUD) بقيادة السيد/ أجره كفله أحمد.

وقد إثمرت المفاوصات بتوقيع الجانبين على إتفاقية (أبعا) للسلام الشامل وذلك وفي 26 ديسمبر عام 1994م.

وتضمنت الإتفاقية لعديد من القضايا السياسية والإجتماعية والأمنية في البلاد كان من أبرزها:  

  • إقامة سلام عادل ودائم في البلاد وتحقيق مصالحة شاملة بين جميع مكونات الشعب الجيبوتي.
  • تكفل الحكومة العمل بدمج عناصر الجبهة في كافة مؤسسات الدولة.
  • واستيعاب وحدات من مقاتلي الجبهة ضمن المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد.
  • العفو عن مقاتلي الجبهة دون استثناء وتعهد الحكومة على سلامتهم وإعادة كل حقوقهم المدنية.
  • تحول الجبهة إلى حزب سياسي قانوني مقابل تخليها عن الصراع المسلحة ضد الحكومة.

وبموجب تلك الإتفاقية أصبحت الجبهة الحزب السياسي القانوني الرابع في البلاد وشاركت في جميع الحكومات التي تم تشكيلها منذ ذلك حتى الآن.

ومع أن هذه الإتفاقية (التايخية) نجحت بتحقيق المصالحة السياسية وإنهاء الحرب والصراع الدموي الذي إستمر في البلاد لمدة (4) سنوات إلا أنها ـ بحسب المراقبين ـ لم تجد حلولاً للأزمات السياسية المتفاقمة في البلاد,

وفي عام 1995م، بدأ صراع النفوذ بين قيادات حزب التجمع الشعبي الحاكم وذلك على خلفية خلافات تفجرت بين أعضاء المكتب التنفيذي حول من يخلف الرئيس حسن جوليد للسلطة.

وفي عام 1996م، حسم الصراع في داخل الحزب وبعد فصل ومحاكمة لعدد من القيادات البارزة في الحزب كان من بينهم:

  • وزير الخارجية الأسبق وأمين العام للحزب السيد/ مؤمن بهدون فارح.
  • وزير الدفاع الأسبق وعضو في المكتب التنفيذي السيد/ أحمد بولاله بريه.
  • مدير مكتب رئيس الجمهورية وعضو في المكتب التنفيذي السيد/ إسماعيل جيدي حريد.
  1. الأوضاع السياسية في ظل حكم الرئيس إسماعيل عمر جيله:
  • المرحلة الأولى ما بين (1999م ـ 2012م):

في عام 1999م، شهدت البلاد بإنتخابات رئاسية جرت بين مرشح الإئتلاف المعارضة السيد/ موسي أحمد إدريس ومرشح حزب التجمع الشعبي الحاكم السيد/ إسماعيل عمر جيله.

وأعلنت وزارة الداخلية ـ الجهة الوحيدة التي تشرف على الإنتخابات ـ بفوز مرشح الحزب الحاكم السيد/ إسماعيل عمر جيله، في الإنتخابات.

ورغم أن مرشح الإئتلاف المعارضة شكك حول مصداقية وصحة تلك النتائح مؤكداً بأن الإنتخابات تعرضت لعمليات تزوير واسعة .

إلا أنه بعد قرابة شهر من إعلان النتائج تعرض من خلالها لصغوط كبيرة من قبل الحكومة لم يجد بداً من موافقة على إعتراف النتائج.

وبعد تولي الرئيس جيله على السلطة شهدت البلاد تطور ملحوظ في بعض المجالات خاصة الإقتصادي والتنموي إلا أن ذلك لم ينعكس إيجاباً على التنمية السياسية والأوضاع الحزبية في البلاد.

بحيث لم تختلف الأوضاع السياسية عما كانت عليه سابقاً كما أن الحكومة لم تغير عن سياساتها ونهجها تجاه الأحزاب المعارضة وقياداتها.

وإنما بدأت تمارس بمزيد من الإجراءات الأمنية لتضييق على الحريات السياسية وحرية الرأي والتعبير ما خلق واقعاً سياسياً مزرياً جعل عملية التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة مجرد حلم يستحيل تحقيقه.

وهنا برزت قناعات متزايدة لدى كثير النخب السياسية بعدم الجدوى بإستمرار في العمل السياسي حيث قررت معظم الأحزاب المعارضة لمقاطعة جميع الإنتخابات التي أجريت في البلاد في الفترة ما بين (1999م ـ 2010م).

عبد الله الفاتح

باحث وكاتب صحفي. ماجستير في الإعلام بجامعة السودان للعلوم في الخرطوم (قيد الدراسة). حاصل على دبلوم عالي في الترجمة الصحفية في أكاديمية موزايك سنتر ـ أديس وبكالورياس في الإعلام بكلية الآداب في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم.
زر الذهاب إلى الأعلى