غربلة أفكار المجتمع (2).
مشكلة شخصنة السياسة أو المنصب و أثره في نهضة البلد .
تكلمنا في الحلقة الماضية عن الفكر والتفكير ودوره في بناء الأمم، وقلنا أن عالم الأفكار الذي بداخلنا هو العالم الذي يجب أن نعالجه أولاً، لأنه يحتوي على أفكار حية و أفكار مدمرة، و بيّنا أن المعادلة الحقيقية التي لابد أن تكون واضحة أمامنا، هي عندما تتغير طريقة تفكير مجتمعنا فسوف يتغير العالم الذي يعيشه مجتمعنا.
و من الأفكارالمدمرة و القاتلة، و التي تنسف كل الجهود المبذولة في بناء الصومال ما نسميه ( شخصنة السلطة )، وخير دليل على هذا ما نرى في آونة الأخيرة ويعيشه الشعب الصومالي، من “شخصنة السلطة” بصورة واضحة، بحيث إختزل مستقبل الوطن في شخص أوأشخاص، وأبقيت مجالات المنافسة حول السلطة مغلقة بين نفس أقطاب “النادي” السياسي الذي تصدر الواجهة منذ إختيار الرئيس الحالي لغاية اللحظة، والذي انضوى في شكل شبكة مصالح أصبحت تضغط لتبقي على الوضع الراهن؛ لأن التغيير يعني أنها تلعب ضد مصالحها ! إن مستقبل هذا النمط من الحكم ليثير المخاوف، ليس من صدام محتمل بين النخب السياسية و الجماعة الحاكمة، ولكن من استقرار وطني هش؛ فنحن بصدد تكرار الاحتكار والإقصاء اللذين كانا من الأسباب التي أدت الى إنهيار الدولة منذ ربع القرن من الزمان ؟
و مما زاد الطين بلة أن المشكلة التي اتضحت الآن أن الشخصنة لم تتوقف عند السلطة، بل إن وعي بعض النخب السياسية ما زال يعيش مرحلة ” شخصنة السياسة “وأنهم من حيث لايدرون يساهمون في إفساد الحياة السياسية، فهل آن الأوان أن يفيق هؤالاء الساسة وان يدركوا أن مصلحة العليا مقدمة على المصلحة الشخصية ؟.
الى متى تكون شخصنة السلطة السياسية هي الآمرة والناهية في الحياة السياسية الصومالية، أو هي التي تبلور مختلف الخيارات المتعلقة “بإصلاح النظام السياسي” لوحدها على مقاسها وبالكيفية التي تريدها، والتي تضمن ألا يقاسمها أحد السلطة، ؟ الى متى يكون الشعب الصومالي مكبلاً بتحالفات مصلحية ؟ متى تكون العلاقة بين ساسة الصوماليين علاقة مبنية على التفاوض والمشاركة في تقاسم إدارة السلطة والاحتكام للإرادة الشعبية والمؤسسات الدستورية التي تبنيها دولة القانون ؟
إذا كان النواب لا يعرفون إلا رفع الأيدي عند سحب الثقة من رئيس الحكومة، والمؤسسات الرقابية لا تقوم لواجبها كما هو المطلوب، ومعظم مؤسسات الدولة لا تعرف أين تبدأ عملها وأين تنتهي، والساسة تكرس شخصنة مناصب الدولة ! فكيف يكون مستقبل هذا البلد ؟ إن استمرار هذا النمط يعني استمرار الشلل في إدارات الدولة ومؤسساتها والمجتمع ككل، فإلى متى نصل مرحلة النضج السياسي ونعي أن ممارسة عمل السياسة بحر لا ساحل له، و لا يجيد السباحة فيه إلا المهرة والمتقنون بإستعمال أدواتها المعقدة والمترامية الأطراف.
وإذا كانت ظاهرة شخصنة السلطة السياسية، تعد إحدى المعوقات لنهضة الصومال منذ قيام جمهورية الصومال حتى هذه اللحظة، فهل يمكن الآن أن نأمل مرونة في طريقة أداء النظام السياسي الحالي بما يحرره من القيود التي تعيق معالجته لمشاكل الصوماليين، أم أننا سنبقى في نفس الدوامة المغلقة التي عايشناها لغاية الآن والتي أنتجت نظاما سياسيا مشلولا يدور حول حلقة مفرغة ؟
أترك الاجابة في الأيام القادمة و ما تحمله من أخبار !