لقد دقت عدة بعثات دولية ناقوس الخطر، ففي يناير/ جانفي من العام 1993، وبتكليف من هيومن رايتس ووتش، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الاتحاد الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والمركز الدولي لحقوق الأشخاص وتنمية الديمقراطية، وصلت بعثة دولية إلى رواندا. التقرير الذي أصدرته هذه البعثة تم إرسال نسخة منه للرئيس الفرنسي، وهو يتحدث عن وقوع مجازر بحق التوتسي، كانت السلطات تنفي وقوعها. وتوصلت بعثة التحقيق لاستنتاج أساسي، هو أن المجازر التي وقعت بين 1990 و1993 ليست ابنة الصدفة أو التلقائية، بدءاً من الإذاعة والمناشير إلى فرق الموت.
ويخلص التقرير إلى القول “فيما يتعلق بالدولة الرواندية، توصلت البعثة الدولية إلى الاستنتاج بأن انتهاكات حقوق الإنسان جسيمة ومنهجية وهي تستهدف بشكل متعمد عرقية محددة، إضافة إلى المعارضة السياسية بشكل عام.
لمواجهة هذه التطورات، تم توقيع اتفاقيات “أروشا” بين الحكومة و”الجبهة الوطنية الرواندية” في 4 أغسطس/ أوت من العام 1993. وهي تنص على إدماج قوات الجبهة في الجيش وإعطاء مناصب وزارية للمعارضة، لكن مجموعة الرئيس الرواندي المعروفة بــــ Hutu Power رفضت الاتفاقية، والحكومة الفرنسية استمرت من جهتها في التسليح والتدريب في بلد ينذر الوضع فيه بالإبادة الجماعية.
يذكر “باتريك دو سانت أكزيبيري” في كتابه “ما لا يصرح به” أن شحنات السلاح الفرنسي المقدمة للجيش الرواندي في الأعوام 1991، 1992، 1993 وفي أثناء الإبادة الجماعية العام 1994، وصلت إلى 6 شحنات من الأسلحة بقيمة 5454395 دولار أميركي. ووفق “جان بول غوتو”، مؤلف كتاب “الليلة الرواندية”، سمحت المساعدات الفرنسية بتحويل القوات المسلحة الرواندية من 5300 عنصر إلى قرابة 50 ألف، تكفلت فرنسا بتسليحهم وتدريبهم واحتياجاتهم. أيضاً وحسب “أندريه ميشيل أوسونغو”، مؤلف كتاب “عدالة في أروشا”، أن الحكومة الرواندية، صرفت بين أكتوبر 1990 وإبريل/ إفريل 1994 حوالي 100 مليون دولار أميركي لشراء أسلحة.
كما تجسد الدور الفرنسي أكثر في تطور الصراع الرواندي، خاصة قبل نهاية الحرب الباردة، فقبل أكتوبر من العام 1990 كانت فرنسا على علم بأن ثمة حرب في الطريق يتم التحضير والاستعداد لها، إلا أنها استمرت بدعم الحكومة الرواندية وقواتها في حالة اعتداء، فمع الهجوم الأول للجبهة الرواندية سارعت فرنسا لدعم الجيش الرواندي في 4 أكتوبر بحوالي 600 جندي، وذلك رداً على طلب “هابياريمانا” في إطار الاتفاق العسكري الموقع في العام 1975، إذ تمكنوا من خلق الهدوء في العاصمة وسميت العملية ب “نوروا” Noroit هذا إلى جانب عملية Chimere في 8 فبراير/ فيفري من العام 1993.
وقد تميز التدخل الفرنسي بانتشار عسكري كبير، فحسب الإحصائيات الرسمية، قدر أنه حوالى 1000 عسكري نشر في العام 1993. لقد استمرت فرنسا بدعم النظام الدكتاتوري وجعلته حليفاً لها في المنطقة، حيث تمثل أكثر تورط لها في الصراع، مسؤوليتها المباشرة في تكوين مرتكبي الإبادة الجامعية في العام 1994.
ثانياً: التورط الفرنسي في الإبادة الجماعية
مع بداية المرحلة الأولى لتبني “هابياريمانا” لحملته ضد عرقية التوتسي كانت فرنسا في نفس الوقت تتعامل مع النظام في تكوين مدنيين روانديين، شكلت بعدها مليشيا الأنترهاموي في بداية 1992-1993 والتي كونت بطابع نظامي فائق.
هذا التكوين شكل عاملاً تحضيرياً لعملية الإبادة الجماعية والمجازر، إذ قدر عدد عناصر هذه المليشيا حسب المؤرخ “لومارشو” Rene Lemarchand ب 30000 عضو وتزايدت نوعيتها مع ارتفاع درجة تكوينها، وازدياد عددها أكثر فأكثر، فعبرت عن تخطيط حقيقي للإبادة.
وهناك عدة أدلة أثبتت ذلك من خلال التحقيق البلجيكي الذي قام به “سينغي” Rene degni segui والذي أقر بوجود مؤشرين هما، توزيع الأسلحة وتدريب ميليشيات الأنترهاموي بين يناير/ جانفي 1993 ومارس 1994، إذ تم توزيع 581000 سلاح أبيض Machettes، وهو رقم كبير للقيام بمجزرة كهذه، وقد برز دور هذه المليشيا خاصة مع مجزرة بوجزيرة Bugasera التي خلفت 300 قتيل.