تُريد الولايات المتحدة الأمريكية محاصرة النفوذ الصيني في الكونغو الديمقراطية، بالتواجد العسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى، فبدأت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بتضخيم خطر “جيش الرب للمقاومة” الأوغندي، الذي يتواجد حالياً في جمهورية إفريقيا الوسطى، بعد خنقه في أوغندا وشمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولقد بثت أجهزة الإعلام الأمريكية فيديو حول “جيش الرب” لتهيئة الرأي العام الأمريكي لعملية نقل القوات الأمريكية إلى إفريقيا الوسطى لمواجهة التهديدات التي يشكلها جيش الرب للمدنيين.
وفي هذا الإطار، قامت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية العام 2011 بإرسال 100 خبير عسكري إلى أوغندا، لتقديم المشورة والمساعدة لقوات الاتحاد الأفريقي المؤلفة من خمسة آلاف فرد، من أجل المشاركة في البحث عن “جوزيف كوني” زعيم “جيش الرب” ومقاتليه الذين يعتقد أن معظمهم مختبئ في الأحراش التي تغطي حدود جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتؤكد الولايات المتحدة، أن القوات الأمريكية المرسلة إلى وسط إفريقيا لن تخوض قتالاً، ما لم تضطر للدفاع عن نفسها.
أيضاً، وفي نهاية شهر مارس من العام 2014، قامت الولايات المتحدة بإرسال أربع طائرات من طراز “أوسبري سي في-22” إلى أوغندا من جيبوتي بالإضافة إلى أربع طائرات لإعادة التزويد بالوقود و150 من أفراد الدعم، للانضمام إلى قوات العمليات الخاصة الأميركية والقوات الإفريقية الموجودة مُنذ نهاية العام 2011 في أوغندا، كل هذا لمقاتلة قوات جيش الرب، التي لا تشكل حالياً أكثر من 400 جندي، وهنا تبقى مسألة تشكيله خطراً يستوجب كل هذا الحشد من القوات أمراً مشكوكاً فيه؛ إذ لا يمكن قبول تضخيم المخاطر التي يشكلها جيش الرب وتحريف الحقائق بواسطة المؤيدين لتشريع زيادة التدخل العسكري الأمريكي في إفريقيا.
وكما يقول الباحث الأوغندي “لياندرو كوماكش” أن نجاح مبادرة الولايات المتحدة بخصوص “جيش الرب”، يتوقف على عاملين رئيسين، هما:
1/ الإرادة السياسية والعسكرية للشركاء من الأمم الإفريقية.
2/ مدى ما ستوفره الولايات المتحدة وشركاؤها من موارد وجهود تنسيقية دولية.
ولكن يبدو أن المجازر التي تتخذ منها الولايات المتحدة حججاً نبيلة لتبرير تدخلها في المنطقة ليست سوى غطاء لدوافع خفية تتعلق بالصراع على النفوذ بينها وبين الصين في شرق ووسط إفريقيا، ويظهر هذا الأمر من خلال الاهتمام الأميركي المفاجئ بمحاربة “جيش الرب”، بعد ربع قرن من الصمت واللامبالاة.
كما أن الولايات المتحدة متعمدة في عدم القضاء على “جيش الرب”، وذلك بعدم خوض المعارك ضده، والاكتفاء بالمشورة، يأتي هذا في ظل علم الولايات المتحدة بأن القوة الإفريقية المشتركة، تواجه عدة تحديات تعوق نجاح عملها، أهمها، انعدام الثقة بين الدول الأربع المكونة لها، وهي أوغندا، الكونغو الديمقراطية، جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. ويبدو أن الولايات المتحدة تهدف من خلال هذا السلوك، إلى خلق الظروف الملائمة لتواجد “أفريكوم” على الأرض الإفريقية وبطلب من قادة الدول الإفريقية أنفسهم، وذلك من خلال عدة سبل، منها، نشر الفوضى وتعزيز عدم الثقة بين بلدان المنطقة وبعضها البعض، ودعم الجماعات الإرهابية على غرار جيش الرب، من خلال عدم الجدية في القضاء عليه، بل وتوفير المناخ الملائم لعمله، كل هذا حتى تكون للولايات المتحدة الذرائع للتدخل في المناطق التي تحتوي على موارد معدنية ونفطية هائلة، من أجل قطع الطريق على الصين.
ولقد أدى زيادة وجود القوات الأمريكية في الدول التي تزعم أنها مناطق ساخنة لعمليات “جيش الرب”، إلى تهديد النشاط التجاري الصيني الضخم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تعتبر من أغنى الدول بالموارد في العالم، خاصتاً وأن معظم هجمات جيش الرب تدور في الجزء الشمالي الشرقي لإقليم بانغادي في جمهورية الكونغو الديمقراطية الذي يقع على مرمى قدم من الحدود الثلاثية التي تمتد مع جمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية جنوب السودان.
ولقد قدم الاتحاد الأوروبي مبلغ 12 مليون دولار نظير إشراك قواته في العمليات العسكرية ضد جيش الرب، معطياً بذلك إشارة بأن حرب الموارد القادمة ستكون في إفريقيا الوسطى. وُتعد السيطرة على الموارد الإستراتيجية في منطقة شرق الكونغو، السبب الرئيس وراء التنافس الدائر بين الولايات المتحدة والصين، بسبب النشاطات التجارية المتزايدة للأخيرة في مجالات التعدين والاتصالات، خاصتاً وأن صادرات الكونغو إلى الصين في الفترة بين عامي 2007-2008 تقدر بمبلغ 1,4 مليار دولار، غالبيتها من المواد الخام لمعدن الكوبالت والنحاس وأنواع متعددة من الأخشاب الصلبة لتنقيتها وتصنيعها، كما يمتلك رجال الأعمال الصينيون 90 في المائة من مصانع تنقية المعادن في جنوب شرق إقليم كاتنغا الكونغولي.
وبينما تستعر الحرب الاقتصادية بين القوى الصناعية الكبرى، يتزايد الوجود العسكري الغربي باضطراد في الكونغو كجزء من البرنامج التوسعي للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا. وعليه، فإن الزحف الغربي نحو إفريقيا له أكبر الأثر في زعزعة الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية للاستحواذ على المخزون الاستراتيجي من الكوبالت، والتانتليوم والذهب والماس.