تابع بخدمة أهل الصومال في مجال الحديث وعلومه
في الحلقة الماضية تناولنا خدمة أهل الصومال في الحديث وعلومه على هامش حديثنا عن علامة الشيخ محمد بن عبد الله الملقب بمحدث الحجاز، وخلال ذلك قمنا بسرد بعض الذين خدموا في هذا المنحى قديماً وحديثاً، واستكمالاً من ذلك نشير هنا إلى ذلك المجهود الكبير الذي قام به شيخنا الفاضل العلامة الدكتور أحمد حاج محمد عثمان حيث قام بتحقيق : (كتاب التعيين في شرح الأربعين) . والمؤلف قام بإخراج كتاب التعيين في منتهى الروعة والإتقان ، حيث حقق نصوصه مع تعليق في بعض الأحيان. وكتاب التعيين وضعه العلامة المتقن نجم الدين سليمان بن عبد القوى الطوفي الحنبلي المتوفي سنة ست عشرة وسبعمائة ، وكتابه من أوائل شروح الأربعين النووية، وقد أتم الطوفي شرحه الذي وصل مئات الصفحات في ستة عشر يوماً، مع مافيه من مباحث شائكة حيث بدأ في ثلاثة عشر ربيع الثاني سنة ثلاث عشرة وسبعمائة ، وفرغ منه في ثمانية وعشرين منه، وهذا يكشف عن مقدرة صاحبه في التأليف وسرعة الإنجاز ومكانته معرفة على الأحاديث لفظاً ومعنى، واقتناص الفوائد منها، واستنباط الفوائد الأصولية، والفرعية ، ووظف القواعد الأصولية فيها. والحقيقة أن عمل المحقق لم يكن مجرد إخراج النصّ على صورته التي أرادها العلامة الطوفيّ فقط ، وإنّما كان يقوم أحياناً بتعليق علي النصوص والتنبيه على الهنات والقصور، كما ترجم المحقق لصاحب الكتاب ونسبته إلى التشيع، وآثاره. ويقع هذا الكتاب في 364صفحة [1]. ولفضيلة الدكتور العلامة أحمد حاج محمد عثمان المشهور بأحمد إمام إسهامات أخرى في مجال الحديث وعلومه مثل عمله الجبار في كتاب ” صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الاسقاط والسقط” علماً أن فضيلة الدكتور يركز على تحقيق وإخراج الكتاب كما أراد به مؤلفه الشيخ المحدث المفقيه تفي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري الشافعي المعروف بابن الصلاح ( 577-743هـ). ورغم أن عمل الشيخ أحمد كان له علاقة بالتحقيق إلا أنه لم يهمل عملية إخراج الكتاب إخراجا علميا وقدم لعمله دراسة نفيسة تتعلق بمقدمة طويلة مفيدة وذكر فيها الأسباب التي أدت إلى الاعتناء وإعادة النشر مذكراً ما وقع المحقق السابق للكتاب وهو فضيلة الدكتور موفق بن عبد الله العراقي من تصحيف وتحريف وما إلى ذلك، وعرض بعض نماذج واضحة من ذلك حيث قدمها حوالي عشر صفحات. وعموم الدراسة التي قدمها فضيلة الدكتور أحمد إمام والتي جاءت في مقدمة عمله التحقيقي والتخريجي تصل إلى أربعين صفحة. أما الكتاب ككل يقع في 222 صفحة. واختتم عمله بعمل الفهارس للكتاب كفهرس الآيات والأحاديث والأشعار والأعلام التي ضبطها المؤلف الدكتور أحمد، وكذا الكلمات التي ضبطها ومصادر الاعتناء ، وأخيراً فهرس الموضوعات.
ومن أعمال العلامة الشيخ الدكتور في مجال الحديث وعلومه أيضاً عمله في تحقيق ودراسة كتاب ” التوضيح لشرح الجامع الصحيح لإبن الملقن ” من أول باب قوله تعالى: ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) إلى باب كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه ، وكذلك عمله في تحقيق وتخريج كتاب ” الأدب المفرد للإمام البخاري” .
ومن بين الذين أبدعوا في مجال الحديث وعلومه تحقيقاً ودراسة فضيلة الدكتور المجتهد الشيخ حسن نور حسن العلي الأبغالي من خلال جهده العلمي: ” تعليق الإمام بدر الدين الزركشى على مقدمة ابن الصلاح “هذا الكتاب ما زال مخطوطا غير مطبوع ، وكان أصله رسالة علمية نال صاحبه درجة الدكتوراه في قسم الدعوة من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.
واستمر الباحثون الصوماليون في عملية تحقيق وتخريج لتراثنا الإسلامي بحيث لم تهدأ الأنشطية البحثية والعلمية لأهل العلم قديما وحديثا، وهذا فضيلة الدكتور أبو عبد الرحمن عبد الله أحمد عرالي المرسدي حيث أبدع في تحقيق ” كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجز العسقلاني” وقام فضيلته تحقيق وتعليق وتخريج الأثار وإعلام الصحابة الورادة في الكتاب. وهذه الدراسةعبارة عن رسالة علمية نفيسة أبدع فيها الكاتب، وتضمنت تحقيق جزء من كتاب الإصابة في تمييز الصحابة للعلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله من بداية حرف الثاء إلى نهاية حرف الحاء ، ويتكون البحث من مقدمة وبابين وخاتمة وكشوفات علمية عبارة عن فهارس مهمة.وتحتوي المقدمة على أهمية الموضوع وسبب اختيار الباحث والمصاعب التي واجهت خلال رحلته العلمية.الباب الأول ينقسم إلى فصلين عبارة عن حياة المؤلف وعصره ورحلته العلمية وكل ما له صلة بالحافظ، وهي دراسة وافية تناول فيها المؤلف عدة نواحي الحياة. أما الفصل الثاني عبارة عن دراسة قام بها المؤلف حول كتاب الإصابة في تمييز الصحابة بما فيها النص المحقق من أول حرف الثاء إلى آخر حرف الحاء، ودراسة نسخ الكتاب المعتمد عليها، وأهمية الكتاب وقيمته العلمية، وقد قام الباحث بتحقيق علمي وكل ما له علاقة بعلم التحقيق وقواعده في البحث العلمي. وقد عزى المؤلف الأيات القرآنية إلى مواضعها في القرآن الكريم، كما خرّج الأحاديث من مصادرها، وترجم الأعلام سيما تلك التي وردت النصوص المحققة، كما وثّق النصوص وأقوال العلماء ـ وشرح الباحث الألفاظ الغريبة والغامضة ، وعرف الأماكن والبلدان، علما أن هذه الدراسة العلمية الأكاديمية تشمل 1258 ترجمة في حروفها الثلاثة من كتاب الإصابة الذي يعتبره أهل العلم بأنه موسوعة علمية في معرفة الصحابة ومنزلتهم التي أنزلها لهم إياها وفضلهم بها وما قاموا به من نصرة الإسلام بالنفس والمال والولد.ونال المؤلف من خلال هذا البحث درجة الماجستير في الكتاب والسنة من كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى بمكة المكرمة في المملكة العربية السعودية، ويقع الكتاب 990 صفحة في مجلدين. ولفضيلة الدكتور عبد الله أحمد عرالي إنجاز آخر عبارة عن بحث قيم في خدمة الحديث وعلومه من خلال دراسته العلمية والتي سماها ” تخريج أحاديث كتاب ذكر أخبار أصبهان للحافظ أبي نعيم الأصبهاني عن شيوخه غير أبي الشيخ ابن حبان من أول حرف الغين إلى نهاية الكتاب ” علماً أنّ فضيلته نال من خلال هذا البحث العلمي درجة الدكتوراه في الحديث وعلومه من قسم الكتاب والسنة التابع بكلية الدعوة وأصول الدين التابع بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
ومن نجوم أهل الصومال المعاصرين الذين لهم جهود في الحديث وعلومه الداعي فضيلة الشيخ أبي عبد الباري محمود محمد عبد الصمد الشبلي الويتيني الصومالي وله أكثر من كتاب ورسالة في المجال المذكور مثل: كتاب: ( مطابقة الإقتراحات العصرية لما أخبر به سيّد البرية) للشيخ أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني ، وقام الشيخ محمود محمد عبد الصمد الشبلى بتحقيق هذا الكتاب ودراسته دراسة علمية ، مع تبيين الشيخ الشبلي الحقائق وغير الحقائق التي وردت في الكتاب . وقد عرض المحقق كل ما توصل إليه من النتائج في الكتاب . وعموماً أن الكتاب في حدود 500 صفحة . ومن ناحية أخرى خاض أهل العلم في الصومال أيضاً في وضع كتب تتناول علم الحديث وما يطلق عليه مصطلح الحديث، إذ لم يكن هؤلاء ينتجون فقط الحديث ورواياته. ومن هؤلاء الذين ألفوا في علم الحديث ونقد الأسانيد ، الشيخ علمي طحلو جعل المذكور آنفاً حيث ألف كتاباً سمّاه: (نقد الرواة عند المحدثين في القرون الثلاثة الأولى) وقام المؤلف بدراسة وافية في تتبع مراحل نقد الرواية ومناهجها. وهذا الكتاب يصل إلى 600 صفحة . والمؤلف له أيضاً إسهامات أخرى في هذا المجال مثل كتاب سماه: (وظيفة النقد عند المحدثين) [2]. وكذلك كتاب : ( إتجاهات المحدثين في رواية الحديث الضعيف) [3] . وهي دراسات قام بها فضيلته ليسهم في إثراء هذا المجال المهم عند المحدثين قديماً وحديثاً. ومن ذلك أيضاً كتاب: (الثمار اليانعة في أحكام الشاهد والمتابعة) للشيخأبي عبد الباري محمود محمد عبد الصمد الشبلي المشار إليه فيما سبق. وهذا الكتاب تحدث المؤلف فيه عن الحديث وما يعرف بعلم مصطلح الحديث ، لاسيما في أقسامه وأبواب المتابعة والشواهد، و الكتاب يقع في 150 صفحة .
وأهل العلم في الصومال اتبعوا أيضاً منهجاً معيناً يخدمون به الأحاديث وعلومها ورواتها ، وكانت الدراسة حول رواة الحديث ، و حفاظه ، تُعدّ إسهاماً جديداً وخدمة فريدة لإظهار خبرة هؤلاء العلماء وعلومهم في هذا الشأن من خلال دراستهم وتتبع على آثارهم . ومن هذه الدراسات ما قام به الشيخ مُحمُد محمود مُحمُد الذي اعتنى بدراسة الحافظ عبد الغني المقدشي وجهوده في السنة النبوية . والكتاب ضخم وتناول جهود الحافظ عبد الغني المقدشي وآثاره وآراءه واجتهادته في الحديث وعلومه، والشيخ محمد سمي كتابه: (الحافظ عبد الغني المقدسي وجهوده في السنّة النبوية )، والكتاب ضخم وما زال مخطوطاً . ومن ذلك أيضاً ما قام به فضيلة الدكتور الشيخ أحمد حاج عبد الرحمن محمد اليلكسي- رحمه الله – من دراسة نفيسة جديدة من نوعها ، فريدة في عرضها وترتيبها، حيث وضع كتاباً سمّاه : الحافظ مغلطاي وجهوده في علم الحديث) ، والمؤلف ذكر في البداية ترجمة الحافظ مغلطاي وعصره وبيئته، والحالة السياسية والعلمية التي عاصرها،وتأثر بها وتأثير فيها. وكتب المؤلف ترجمة الحافظ مغلطاي باسهام وتدقيق، حتى إنه ذكر نسبه ومولده ونشأته ورحلاته العلمية والمناصب التي تقلدها ، مع ذكر آثاره ومصنفاته ومذهبه وعقيدته والثناء عليه ووفاته .والشيخ أحمد ناقش كثيراً آثار مغلطاي في علوم الحديث .
وتحت هذا الصنف المنهجي العلمي المشار إليه الذي يخدم الحديث وعلومه يأتي أيضاً ما قام به الأستاذ عبد الرشيد حوادلي عبدي الجارسي– نسبة إلى جارسى في كينيا حالياً – في كتابه “الموزانة بين منهجي الأمام عبد الرحمن بن المهدي ويحي بن معين (دراسة حديثية مقارنة)” ، وتضمنت الرسالة ترجمة لكل من الأمامين عبد الرحمن بن المهدي ويحي بن معين وسرد لحياتهم العامة والعلمية، مع الموازنة بين منهج الأمامين في الجرح والتعديل، كما قدمت الرسالة توصيات إلى طلبة العلم الشرعي بالعناية بدارسة وتطبيق السنة النبوية المطهرة، مع الإهتمام بدراسة تراجم العلماء ومحاربة الإتهامات الباطلة التي يكيلها المستشرقون إلى العلماء الأفذاذ. وعلى كل حال فقد ناقش الباحث بعض مباحث يتعلق بجوانب الجرح والتعديل ومناهج الأئمة الجرح. الجدير بالذكر أن هذه الدراسة عبارة عن رسالة علمية تقدم بها الباحث عبد الرشيد بجامعة أم درمان الإسلامية لنيل درجة الماجستير في علوم الحديث الشريف من كلية أصول الدين قسم السنة وعلوم الحديث. وللشيخ عبد الرشيد حوادلي عبدي بحث آخر حول المجال نفسه وهو كتابه ” سؤالات السنة النبوية المشرفة، دراسة موضوعية توثيقية نقدية” وهذا البحث عبارة عن رسالة علمية من جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان لنيل درجة الدكتوراه، واتبع الباحث في تبويبه وترتيبه الرسالة منهج الفقهاء في ترتيب الأبواب. ومن خلال البحث أوصى المؤلف بالعناية بدارسة وتطبيق السنة النبوية المطهرة، ونشرها في المجتمع لأنها المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، كما أن المؤلف قام برد شبهات المستشرقين حول السنة النبوية .
[1] – طبع بمؤسسة الريان ، بيروت عام 1419هـ
[2]– جزء من هذا الكتاب نشر في مجلة المرابطون التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بفرعها في موريتانيا في عددها (4ع ) في عام 1416هـ .
[3]– وهي دراسة حديثة تتعلق بعلم الحديث ، وقد نشر في مجلة “المرابطون” الصادرة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بموريتانيا في عددها الثاني في عام 1414هـ