المقدمة
العلاقة بين الصومال ومصر ليست وليدة اليوم أو صناعة الأحداث التي تضمحل بزوال الحدث وانما هي علاقة مبادئ وقيم ضاربة جذورها في عمق التاريخ، «لما بين البلدين من وحدة الجنس ووحدة الثقافة والمدنية الحامية بالإضافة إلى عوامل أخرى كانت كوسائل ربط وتدعيم بين الأمة المصرية والأمة الصومالية في العصور القديمة ، بل على طول التاريخ حتى يوم الدين ، وذلك هو وجود كل من الصومال ومصر على الطريق الملاحي التجاري العظيم وهو طريق البحر الأحمر … فمصر تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر – والصومال تتحكم في المدخل الجنوبي١».هذه العلاقة التي نشأت منذ ذلك التاريخ ستكون باقية الي يوم الدين، فاتحة كل يوم آفاقا جديدة من التطور والتقدم تعكس على متانة العلاقة وجذورها التارخية المليئة بالمحبة والمشاعر الطيبة.
في العصور القديمة كانت بلاد الصومال الوجهة التجارية المفضلة لدى المصريين ، وكانت السفن التجارية المصرية لا تفارق السواحل الصومالية تنقل منها البخور والعطور والمواشي والذهب والأشجار الثمينة «حتى غدا الصومال بلدا يغذي باستمرار خيال الشعب المصري٢» في حين كان ملوك مصر القديمة ترسل بعثات متتالية الي الصومال بغية تمتين أوصر الصداقة بين البلدين والشعبين ولتكون أكثر حميمة واستراتيجية. ومن أهم تلك البعثات، بعثة ملكة حتشبسوت خامسة فراعنة الأسرة الثامنة عشر التي لا تزال آثار ها تحتفظ في سجلات تاريخ البلدين.
وفي عصر الدولة الحديثة، ازدادت العلاقة الثنائية الأخوية بين الصومال ومصر تمسكا ورسوخا في ظل القيادات الرشيدة التي مرت بالبلدين وتوطدت أكثر فأكثر حين وقف المصريون والزعيم الراحل جمال عبد الناصر الي جانب الصوماليين في حربهم ضد الاستعمار والجهل. وكانت مصر من أوئل الدول التي اعترفت باستقلال الصومال عام ١٩٦٠، ولا يزال الصوماليون يذكرون بكل تقدير اسم الشهيد المصري كمال الدين صلاح مندوب الأمم المتحدة لدي الصومال الذي دفع حياته عام ١٩٥٧ثمناً لجهوده نحو حصول الصومال علي الاستقلال والحفاظ علي وحدته.
وعلى قدر الذي وقف المصريون الي جانب الصومال في نضاله ضد الاستعمار البريطاني والإيطالي كانوا أيضا سباقين في دعمه خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال في مختلف المجالات لا سيما في مجال التعليم، حيث تواجدت المدارس المصرية والأساتذة المصريين في العاصمة الصومالية مقديشو، ولعبت البعثات الأزهرية والمعلمين التابعين للأزهر الشريف دور ا كبيرا في نشر العلم وتعاليم الإسلام الصحيح في ربوع الصومال وهذا هو سر الإحترام والود الذي يكنونه علماء الصومال للأزهر الشريف. كما لعبت البعثات المصرية دورا رائدا في بناء الكوادر التعليمية وتعريب الصومالين في اطار حملة واسعة يمكن للمتابع ان يقرأ من خلال جهود الحكومات المصرية في دعم الصومال في جميع مجالات الحياة كي يعزّز موقعه الطبيعي ويكون جزاء أصليا من الوطن العربي.
وتأكيدا للدور المصري والعلاقة الأخوية بين البلدين، قام محمد سياد بري الرئيس الصومالي الأسبق عام ١٩٧١ بزيارة تاريخية إلى مصر، فاستقبله الرئيس المصري الراحل أنور السادات بحفاوة غامرة من المحبة والإخاء في منتجعه بمدينة الأسكندرية مؤكدا على عمق وصلابة العلاقات بين مصر والصومال٣. وهذه الزيارة التاريخية فتحت آفاقا واسعة للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، حيث جرى بعدها توقيع اتفاقيات مهمة شملت جميع المجالات ولاسيما مجالي الإقتصاد والتعليم ومن أهم هذه الإتفاقيات، إتفاق نقل جوي عام ١٩٧٤ وإتفاق تجاري عام ١٩٧٨ واتفاق التعاون بين معهد الدبلوماسية المصرية ومعهد الدبلوماسية في الصومال عام ١٩٨٩.(٤) وكذلك نتيجة الجهد العظيم الذي بذلته القيادة المصرية، تم قبول الصومال عضواً في جامعة الدول العربية عام ١٩٧٤. (٥)
الدور المصري أثناء الحرب الأهلية
خلال الحرب الأهلية لم ينس المصريون إخوانهم في الصومال ووقفوا الي جانبهم، بل كانت مصر من الدول المعدودة التي بذلت جهدا كبيرا لمنع اندلاع الحرب الأهلية. وشهدت القاهرة والسفارة المصرية في مقديشو، لقاءات واجتماعات بين المسؤولين في نظام محمد سياد بري والجبهات المعارضة، للحيلولة دون اندلاع الحرب الأهلية وانهاء الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة بالطرق السلمية٦، وأبرز ميثال في ذلك المبادرة المصرية الإيطالية عام ١٩٨٩ (٧) لكن نتيجة لتدخلات قوية من قبل بعض دول الجوار لم تكلل تلك الجهود بالنجاح ودخل الصومال في اتون حرب أهلية راح ضحيته الآف المواطنين الأبرياء.
وبعد اندلاع الحرب في الصومال لم تتوقف جهود مصر لوقف نزيف الدم وحماية وحدة تراب دولة الصومال وتماسك مجتمعها، بل كانت حاضرة بقوة في جميع الجهود الدولية للمّ شمل الصومالين، ورفضت تقسيم الصومال والإعتراف بانفضال اقليم الشمال «صومالاند»٨. كما نظمت مصر عددا من المؤتمرات المصالحة للأنهاء الاقتتال الداخلي في مقديشو واحلال السلام في ربوع الصومال شارك فيها معظم الفصائل المتناحرة. ومن بين تلك المؤتمرات، مؤتمر المصالحة في القاهرة الذي استمر في الفترة بين ١٢ نوفمبر ١٩٩٧ – ٢٢ ديسمبر ١٩٩٧ وتم التوصل فيه الي قررات كانت في غاية الأهمية لإنهاء الحرب الدائرة آنذاك في مقديشو، أطلقت عليها «اعلان القاهرة»٩.
وفي المجال الإنساني، لعبت مصر دورا فعالا في عملية أعادة الأمل التي قادتها الولايات المتحدة عام ١٩٩٢ لدعم الصومال، وقررت ارسال أكثر من ٧٠٠ جندي الي مقديشو ضمن القوات الدولية لانقاذ المنكوبين جراء المجاعة عام ١٩٩٢، وبحكم علاقات مصر القديمة مع الصومال ومكانتها لدى الصوماليين تمركزت هذه القوات في المواقع الحساسة بالعاصمة مقديشو واسند اليها مهمة تأمين وحماية المطار والميناء وبعض أهم التقاطعات في المدينة، كما قامت هذه القوات بدور محوري في عمليات الإغاثة وتوزيع المعونات على القرى والتجمعات القريبة من مناطق تمركزها واقامة مستشفيات ميدانية لمعالجة المرضى الذين بلغ عددهم أنذاك ما بين ٣٠٠- ٤٠٠ حالية يوميا(١٠).
لم تقتصر جهود القوة المصرية التي كانت ضمن القوات الدولية ( يونيصوم) على مجال الإغاثة وانما شاركت أيضا في اعادة بناء القوات الصومالية، حيث دربت القوة المصرية ما بين ١٥٠٠- ٢٠٠٠ فرد من قوات الشرطة الصومالية أي حولي ٢٠٪ من قوة الشرطة التي كان يجري إعدادها آنذاك وزودتها ما كانت تحتاجها من أسلحة وعتاد وأجهزة اتصالات قبل ان تنسحب القوة االمصرية مع باقي القوات الدولية من الصومال عام ١٩٩٥.(١١)
وفي فترة الحرب الأهلية وصل الي الأراضي المصرية آلاف الصوماليين الذين نزحوا من ويلات الحرب، فأستقبلتهم مصر ومدت لهم يد العون، ولم تنشأ لهم مخميات كما تفعل بعض الدول لكن سمحت لهم الإندماج مع الشعب المصري ومنحت الحكومة لهم تعليما مجانا أو أمرت ان يتم معاملتهم كمعاملة المصريين والأجئين السوريين في المدارس والجامعات . وهذه المعاملة الأخوية هي التي أدت ان يتخرج من الجامعات المصرية آلاف من الشباب الصوماليين في كل عام الذين يتقلدون اليوم بعض منهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والحكومات الأقليمية في الصومال فيما البعض الآخر يحاضرون في الجامعات الصومالية وبعض الجامعات في دول الجوار.
الدور المصري بعد إنتهاء الحرب الأهلية
وسط التحولات التي يشهدها الصومال في الآونة الأخيرة وتحسن الأوضاع الأمنية في العاصمة مقديشو، بدأت مصر تستعيد دورها الرائد في الشأن الصومالي بشكل مباشر وخصوصا فيما يتعلق بدعم الصومالين والمساهمة في اعادة بناء مؤسساتهم الوطنية التي إنهارت أثناء فترة الحرب الأهلية سواء من حيث التدريب فى مجال الأمن ودعم المؤسسات التعليمية داخل وخارج مقديشو، وتوفير عدد من الخدمات الصحية بالإضافة الي دعم دور الأزهر الشريف لنشر الإسلام الوسطى ومكافحة الأفكار المتطرفة، وتتواجد حاليا داخل الصومال خبراء من الصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا، وبعثات تعليمية من الأزهر الشريف، وأخرى من وزارة التربية والتعليم تبلغ عددها حوالي 90 مصرياً يساهمون في الجهود الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الجارية لإعادة احياء المؤسسات الحكومية ولاسيما قطاعي التعليم والثقافة١٢.
يتركز دور مصر الحالي على ثلاثة محاور أساسية:
١- المحور السياسي: وفي ضوء التقدم المحرز على صعيد تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال، زار محمد كامل عمرو، وزير الخارجية المصري الأسبق مقديشو واعلن من هناك إعادة افتتاح سفارة مصر في مقديشو عام ٢٠١٣ وتعين السفير محمود عوف، كأول سفير مصري للصومال يتخذ من مقديشو مقرا له بعد ٢٤عامًا من عمله في نيروبي، وذلك للتأكيد على أن مصر شريك أساسي للحكومة الصومالية في مواجهة كافة التحديات التي تواجه الشعب الصومالي، وإبراز دعمها المتواصل لجهود القيادة الصومالية الهادفة لإرساء الأمن وتحقيق الاستقرار.
وفي هذا الإطار، جرت لقاءات في أعلى المستويات بين المسؤولين المصرين والصوماليين سواء في القاهرة أو على هامش المؤتمرات الدولية بهدف تعزير عمق العلاقات بين البلدين وبحث سبل تقديم مصر جميع اشكال الدعم للصومال. وفي ٠٩-٠٦-٢٠١٤ قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بزيارة للقاهرة للحضور في حفل تصيب الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي واجرى خلالها لقاءا مع الرئيس السيسي تناول بحث تقوية أوصر العلاقة الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها، ودعم الصومال في حربه ضد الإرهاب وبناء مؤسساته الأمنية. ونتيجة لهذا اللقاء ، بقيت الإتصالات بين القيادتين منذ ذلك الحين ساخنة وتبحث القيادة المصرية بشكل دائم، بتوجيه من الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي مع نظرائها الصوماليين، آخر التطورات على الساحة الصومالية وسبل دعم جهود الحكومة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
٢- المحور التعليمي: منذ استقلال الصومال عام ١٩٦٠ كانت مصر ولاتزال من أكثر الدول الداعمة للصومال في مجال التعليم ووقّع البلدين اتفاقيات تعاونية في مجالي التعليم والثقافة من بينها اتفاق التعاون الثقافي عام ١٩٦١ وبرنامج تنفيذي ثقافي علمي بين عامي ٢٠٠٥- ٢٠٠٧ . (١٣)
وفي هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الصومال اطلقت مصر مبادرات ومشاريع عملاقة تهدف إلى دعم قطاع التعليم في الصومال من بينها، مشروع المساعدات العينية للطلبة من ذوي الدخل المحدود في مدارس الحكومية المصرية، وتغطية مصاريف الطلبة المسجلين في برنامج البعثات الجامعية خارج الدولة، ومبادرات تحسين الظروف المادية للطلبه المحتاجين وتمكينهم من مضاعفة جهدهم وزيادة تحصيلهم العلمي.
وفي هذا السياق كانت المفاجأة السارة، عندما وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي الشهر الماضي على زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة لطلاب الصومالين بالجامعات المصرية لتصبح ٢٠٠ منحة جامعية سنوياً،ومعاملة الطلاب الصوماليين الدارسين في مختلف الجامعات المصرية معاملة الطلاب المصريين والسوريين. وطبقاً للبرنامج الثقافي بين البلدين، يحصل الصوماليون حالياً على ٥٠ منحة جامعية سنوياً إلى جانب ٤٠ منحة أخرى يتم تقديمها من خلال التعاون بين وزارة الخارجية المصرية وسفارة دولة الصومال بالقاهرة١٤.
وبتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحت رعاية مشيخة الأزهر والإمام الدكتور أحمد الطيب، قام في ١٧ -١١-٢٠١٣ وفد أزهري ضم مستشار شيخ الأزهر، الدكتور محمود عزب ود. محيي الدين عميد كلية العلوم الإسلامية ود. أحمد عامر المراقب المالي للرابطة العالمية لخريجى الأزهر الي مقديشو، لمعرفة الوضع التعليمي في الصومال والتمهيد لعودة البعثة الأزهرية الي مقديشو ويتوقع في الأيام القليلة المقبلة بحسب مصادر في السفارة المصرية بمقديشو ان تعود البعثة الأزهزية الي مقديشو وتبدأ نشاطاتها التعليمي بشكل رسمي وخصوصا في مجال تدريب الكوادر التعليمية١٥.
٣- المحور العسكري: بدأت الحكومة المصرية منذ فترة بلعب دور فعال في الجهود الدولية التي تبذل لإعادة بناء المؤسسات الأمنية الصومالية المنهارة وذلك في اطار خطة مصرية طويلة الأمد لتدريب الشرطة والجيش وتوفير ما تحتاجهما من أجهزة وعتاد. ويقوم الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا الذي انشأ عام ١٩٨٠ بدعوة الجانب الصومالي للمشاركة في الدورات التدريبية التي ينظمها بصفة دورية في مجال الشرطة. في اطار الاستراتيجية المصرية لدعم المؤسسات الأمنية الصومالية وصل مؤخرا الي العاصمة مقديشو أولى مراحل مساعدات عسكرية من دولة مصر الشقيقة تشمل معدات عسكرية وأجهزة للجيش الصومالي.
مستقبل الدور المصري في ظل الإهتمام الدولي والإقليمي بالصومال
بحكم موقع الصومال الأستراتيجي، تتزايد في الآونة الأخيرة الأهتمام الدولي والاقليمي بالصومال، حيث دخلت على الخط دول كبرى لا تربطها علاقات تاريخية مع الصومال للاستثمار في هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية والبشرية. ويمكن للمتابع بالشان الصومالي رؤية التنافس الدول الكبري في النفاذ الي الصومال بشكل واضح. وأبرز ملامح تنامي هذا الإهتمام يتجسد على صعيدين:
أولا: الصعيد السياسي والعسكري: منذ منتصف عام ٢٠٠٧ عندما استولت المحاكم الشرعية على معظم مناطق الصومال ، أبدت دول كثيرة وخصوصا الدول الكبري إهتمامها لما يجري في هذا البلد الإستراتيجي والغني بالنفظ والغاز والثروات الطبيعية الأخرى، معلنة عن فتح صحفة جديدة معالصومال، واستعدادها للمساهة في الجهودة الدولية لإعادة الاعمار وبناء مؤسسات الدولة والحرب ضد الإرهاب ولكن كل ذلك ليس شيكا على بياض.
ومن أهم هذه الدول التي دخلت الخط بقوة وابدت استعدادها لدعم الصومال سياسيا وعسكريا، ثلاث دول أقليمية ( إيثوبيا وكينيا وأوغند) وبريطانيا والولايات المتحدة.
١- الدول الثلاثة (إيثوبيا وكينيا وأوغند). تتواجد قوات كبيرة من تلك الدول في الأراضي الصومالية ولا تخفي رغبتها في استخدام الصومال كورقة لتثبيت هيمنتها الاقليمية وحماية مصالحها في العالم، وخير شاهد على ذلك عندما هددت أوغندا نوفمبر عام ٢٠١٢ بالانسحاب من الصومال للضغط على المجتمع الدولي من أجل سحب اتهامات دولية لها بدعم متمردين شرق الكونجو، في حين لا تزال ايثوبيا وكينيا تسخدمان وجودهما العسكرية في الصومال ونفوذهما في ادارات بعض المناطق، للتأثير في مواقف الحكومة المركزية تجاه التطورات الحاصلة في المنطقة. فالحكومة الكينية بات أمرها مكشوفا حيث ظلت تسيئ استخدام نفوذها الكبير في اقليم جوبا جنوب الصومال وتستغله أحيانا للضغط على الحكومة المركزية حتى تمرر مشروعاتها في الصومال والمنطفة.
أما إثيوبيا بالرغم من العدواة القديمة، تتمتع اليوم بعلاقات قوية مع إدارتي بونت لاند وصومالاند ولها قنصليات في جروي وهرجيسا، كما يتوقع ان تهيمن الإدارة الأقليمية المعلن في بيدوة قريبا وذلك بحكم تواجد جنودها في المدينة ولا يمكن ان نستبعد رغبتها في استخدام هذا النفوذ بهدف حماية مصالحها الاقليمية والدولية.
٢- بريطانيا والولايات المتحدة: تعتبر بريطانيا من أهم الدول التي دخلت الخط قريبا، وقادت تحركا دوليا لدعم الصومال. منذ عامين، بدأت بريطانيا بالإضطلاع بدور كبير في تحريك ملف الصومال، وإعادته الي الواجهة. فقد نظمت خلال عامين متتالين مؤتمرين دوليين حول مساعدة الصومال، كان الأول في شهر فبراير عام ٢٠١٢، والثاني مايو ٢٠١٣ ، وعد المشاركون في المؤتمر الأخير أكثر من٩٠ مليون دولار لإعادة بناء مؤسستي الأمن والعدالة.لكن فيما يبدو ينصب اهتمام بريطانيا على الجانب الإقتصادي وتريد الحصول على نصيب الأسد من عقود النفط والغاز في الصومال.
أما الولايات المتحدة: فقد إعترافت العام الماضي الحكومة الصومالية، لأول مرة منذ عام ١٩٩١م على خلاف الحكومات السابقة وأعلنت نيتها في اعادة فتح سفارتها بمقديشو في حين استقبل سفير الصومال في واشنطن، عمر عبدالرشيد شرماكي بحفاوة كبيرة من قبل الرئيس الامريكي باراك أوباما. وجاء هذا التطور في العلاقة السياسية بين الصومال والولايات المتحدة في ظل اعلان الأخيرة بان لديها تواجد عسكري في مقديشو لدعم بناء المؤسسات الأمنية الصومالية والقوات الأفريقية لحظ السلام ومساعدتهما في الحرب ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ثانيا: الصعيد الاقتصادي: لسنوات طويلة، لطالما رأى العالم الصومال، برغم غناه بالموارد الطبيعية، دولة تعاني على الدوام من الحرب والمجاعة، والفقر ، ودولة باتت سواحلها البحرية مرتعا للقراصنة الذين يختطفون السفن المارة في ساحل المحيط الهندي، الا أن السنوات الأخيرة حين تغير المشهد السياسي والأمني في الصومال بدأت نظرة العالم تجاه الصومال تتغير ولاح في الأفق تنافسا دوليا وسباقا نحو الاستثمار في الصومال والاستحواذ والسيطرة على عقود اعادة الاعمار. ويتجلى هذا الاهتمام في تحركات ثلاث دول كبري: الصين، تركيا، بريطانيا.
١- الصين : في ظل تحسن الأوضاع الأمنية وعودة الاستقرار السياسي نسبيا وتشكيل حكومة صومالية تحظى باعتراف دولي وتمتع بشخصية قانونية كاملة في مجالات عقد الاتفاقيات والمعاهدات مع الدول والمنظمات الدولية عكس الحكومات السابقة، بدأت الصين بالاهتمام بالصومال والبحث عن موطأ قدم لها في الساحة الصومالية حيث تمت لقاءات وزيارات قام بها مسؤولون في البلدين تم تتويجها في الزيارة الأخيرة التي جاء بها تشانغ مينغ ، نائب وزير الخارجية الصينية الي مقديشو للمشاركة في اعادة افتتاح السفارة الصنينة في الصومال متعهدا بفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين الصومال والصين. كما جرى خلال الشهور الماضية توقيع اتفاقيات عديدة بين البلدين شملت مجالات الصحة، والثقافة، وبناء شبكات الطرق. فقد تعهدت الصين في إطار المرحلة الأولى من هذه الإتفاقيات على ترميم استاد مقديشو الدولي، والمسرح الوطني، ومستشفى بنادر، وهوالمستشفى الوحيد لأمراض الأطفال والنساء بإلإضافة الي إعادة بناء طريق (جالعيوـ برعو) وهو طريق حيوي، يربط جنوب الصومال بشماله (صومالاند).
لا يقتصر دور الصين في مساعدة الصومال بتنفيذ مشروعات تنموية، بل تشارك أيضا في توفير دعم مالي ومادي للقوات الأفريقية في الصومال كما بدأت الصين في السنوات الأخيرة بإستقبال الطلاب الصوماليين في جامعاتها. ويدرس حاليا عشرات منهم في الجامعات الصينية العريقة، وفي تخصصات مجالات العلوم التطبيقية، وهذه سياسة ثقافية تستخدمها الصين في التأثير على الدول الأفريقية وكسب شعوبها.
٢- تركيا: تعد تركيا من أهم الدول التي لها وجود قوي في الصومال، وكانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي السابق، رجب طيب أردوغان وعائلته ووزرائه لمقديشو عام ٢٠١١ بداية الدور التركي الذي لم يقتصر على تقديم إغاثات عاجلة للمتضرّرين من المجاعة في الصومال، بل اهتم في مجال الاستثمار، حيث تدير الشركات التركية حاليا المطار والميناء أهم المصدرين للدخل الحكومي، والطيران التركية تعد الجسر الجوي المباشر الوحيد الذي يربط الصومال بأوروبا والولايات المتحدة . أضف الي ذلك، تزايد أعداد المدارس والمستشفيات التركية في الصومال والتي لها طابع اقتصادي. كما تساهم تركيا في عدة مجالات أخرى، منها: تدريب الجيش والشرطة وبعض موظفي الحكومة .
٣- بريطانيا: لا تخفي بريطانيا اهتمامها بالنفط والغاز الصومالي. وجرت مباحثات على أعلى المستويات بين مسؤولين بريطانيين ونظرائهم الصوماليين بشأن استغلال احتياطيات النفط المكتشفة في مناطق شمال شرق الصومال. وللتأكيد على هذا الإهتام قامت بريطانيا بتظيم مؤتمرات دولية في لندن حول اعادة اعمار الصومال واخرى عن فرص الاستثمار في مجال النفط والغاز في الفترة ما بين عام ٢٠١٢- ٢٠١٤. كما أسس رجال أعمال بريطانيون شركة «صوما للنفظ والغاز» عام ٢٠١٣ التي نظمت حى الآن مؤتمرين حول النفط والغاز الصومالي في لندن (٧-١٠-٢٠١٣ و ٢٠-١٠-٢٠١٤) ووقعت شهر أغسطس الماضي ( ٢٠١٤) اتفاقية مع الحكومة الصومالية في مقديشو للبدء في استكشاف النفط في مناطق شمال شرق الصومال.
أهمية الدور المصري في الصومال
كما أشرنا آنفا ان الصومال بلد استراتيجي، وأرض خام، وشعب شاب، تخطفه القارة العجوز، وتتسارع الأمم إلى خيراته وثرواته الطبيعية سوى الأشقاء العرب، وهم أولى بها، تربطهم وشائج القربى، وصلة الدم، وعروة لا تنفصم بالجفاء. ليس من المبالغ القول أن الصومال يمثل رغم الحرب والمجاعة، سلة غذائية استراتيجية للدول العربية كافة، ومنطقة صالحة للاستثمار، تعيش فيها قوة بشرية، قادرة على المساهمة في إعادة الحضارة العربية العريقة. هل هذا الشعب يستحق أن يترك في ايدي دولا لا تربط معهم علاقات تاريخية ودول اقليمية لا تريد أن ترى الصومال قويا ومستقلا بقراراته وحماية مصالحه في المنطقة والعالم ؟ وهل من المعقول ان يكون دور الدول العربية الشقيقة وعلى رأسهم مصر في الصومال هامشيا وعلى حساب دول اقليمية باتت تحاول تهديد المصالح المصرية – مصر أقوى من أن تهدد مصالحها- في الإقليم. الآ يمثل الصومال العمق الاستراتجي لمصر وسندها القوي في المحافظة على أمنها المائي الذي هو جزء اساسي من أمنها القومي، وأمنها البحري الذي له علاقة مباشرة بالصومال وذلك بسبب وجود كل من الصومال ومصر على الطريق الملاحي التجاري العالمي الذي هو طريق البحر الأحمر. فمصر تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر – والصومال تتحكم في المدخل الجنوبي .
ولهذا يبدو انه من الأهمية بمكان بالنسبة للصومال في هذه المرحلة المفصلية من تاريخه، وفي ظل إهتمام العالم به الآخذ في الارتفاع ان ترفع مصر سقف دورها في الصومال وأعتقد أن القراءة الواقعية لما يحدث في الصومال وجواره الأفريقي لا سيما ما يرتبط بملف مياه النيل يكفي ان تكون مصر في قلب الحدث والصومال أحوج ما يكون الي هذا الدور، لأنه يخلق توازنا في الوجود الأجنبي ويعزز مواقف الحكومة الصومالية أمام أي مخطط لاستضعاف بلادها وفرض احتلال واقعي أو وصاية عليه من قبل محيطه الإفريقي أو الدولي.
وعلى الصعيد الإقتصادي يمكن لمصر في ظل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ان تستحوذ وتسيطر على مشروعات اعادة الإعمار والاستغلال من الثروات الطبيعية التي حباها الله للصومال وذلك بسبب طبيعة العلاقة بين الشعبين والود الكبير الذي يكنه الصوماليون لمصر شعبا وحكومة. ومن أبرز المجالات التي يمكن ان تسثمر مصر ،مجال التعليم وصناع الانسان، ومجال الطيران، والزراعة، والثروة الحيوانية وهذه المجالات كلها خامة ولم يتم استثمارها بشكل جيد منذ أكثر من ٢٠ عاما .
حفظ الله مصر من سوء وأبقاها ذخرا لإخوانها في العالم ..
المراجع
١- كتاب تاريخ الصومال قديما وحديثا لـ الأستاذ (حمدي السيد سالم) الخبير العربي بوزارة الاستعلامات الصومالية 
٢- نفس المصدر http://www.tpu-shield.com/p/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84_%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A7_%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8
٣-  الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv6vVfF_PI 
٤- موقع جامعة الدول العربية http://www.lasportal.org/ 
٥- موقع كيد ميديا الصومالي http://www.keydmedia.net/editorial/article/top_secret_-_sulux_manifesto_iyo_dagaaladii_sokeeye_ee_somalia_daawo_v/ 
٦- موسوعة مقاتل من الصحراء .moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/HarbSomal/sec07.doc_cvt.htm 
٧- نفس المصر http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 
٨- الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 
٩- موسوعة مقاتل من الصحراء http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 
١٠- نفس المصدر http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/karn-Afric/sec07.doc_cvt.htm 
١١- الهيئة العامة للإستعملات المصرية http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 
١٢- نفس المصدر http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 
١٣- نفس المصدر http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=2479#.VGv9KFfF_PI 
١٤- مركز مقديشو للدراسات والبحوث http://mogadishucenter.com/?p=1723 
١٥- نفس المصدر http://mogadishucenter.com/?p=5732