هذه الأيام توضع اللمسات الأخيرة على مخطط دولي واقليمي لتفكيك الصومال وتقسيمه الي كنتونات قبلية متصارعة لا تربط بينها سوى وشائج القربى والدم والدين لينتهي بذلك حلم الصومال الكبير الذي ناضل الصوماليون من أجله وسالت دماء زكية بسببه وأزهقت أرواح طيبة في سبيل تحقيقه.
اليوم وضع البلد مزري ومؤلم ، دماء تسيل، ومقدرات تدمر، وأقاليم تعاني، وخلافات تمزق وتشتت، وصراعات قبلية في إقليمي شبيلى السفلى وهيران، وفوضى هدامة منتشرة ومتفشية، وفساد مستشري طال البحر واليابس، وضعفت قدرة الدولة على رفض الإذعان لأية سلطة من الخارج.
والحديث عن الصومال الموحد- ناهيك عن الصومال الكبير- بات اليوم ضربا من الخيال، وصار كل من يجرؤ على مطالبته أو الدفاع عنه معتوه فاقد العقل والوعي وخصوصا بعد أن نجح مهندسو سناريو تدمير الصومال في انشاء دويلات شبه مستقلة على أنقاض ما كان يعرف سابقا بجمهورية الصومال الديمقراطية وفق مخطط محكم مرّ على ثلاث مراحل قبل أن يصل الي محطته الأخيرة، فبدأ بدعم الجبهات المسلحة لإسقاط النظام المركزي بقيادة المرحوم سياد بري عام ١٩٩١، واذكاء نار الفتن بين القبائل، ثم تأييد توجهات بعض المناطق الصومالية للانفصال الي ان وصل اليوم في مرحلة يدق المسمار الأخير على نعش الصومال الموحد.
اليوم، لم يعد هناك بلد أسمه الصومال وانما هناك أشلاء لما تبقى من جمهورية الصومال وتلك هي الحقيقة شاء من شاء وأبى من أبى والأسوء من ذلك أن مخطط الأعداء لم يصل بعد الي محطته الأخيرة وأن السنوات المقبلة حبلى بمفاجئات صادمة، وربما بعد ٥٠ سنة لن يكون هناك حكومات اقليمية كما يعتقد البعض، فانها ستنصهر في دول الجوار وتصبح ضمن اقاليم إثيوبيا وكينيا. وهذا ليس من باب التهويل أو ” نظرية المؤامرة” انما هي قراءة واقعية لمجريات الأحداث في البلاد، وان مناطق أوغادين وإنفدي خير شاهد على ذلك.
إثيوبيا وكينيا يحتفلان اليوم بأعظم انجاز في تاريخهما الحديث، بعد أن تحقق جزء كبير من حلمهما الذي يتمثل في اضعاف الصومال تمهيدا لمحوه من الخريطة، وذلك بعد أن تمكنا من تقسيم الصومال الي خمسة كيانات قبلية – صومالاند ، بونتلاند، جوبالاند، اقليم جنوب غرب الصومال، اقليم وسط الصومال الذي سيعلن قريبا- لا يمكن أن تتوافق على نظام فدرالي مستقر، لأن الظلم الذي تعرضوه ابان حكم سياد بري أعمت قطاع عريض من سكان تلك المناطق عن الحقائق ونزعت منهم الروحة الوطنية والشعور الداخلي الذي يجعل المواطن يعمل بحماس وإخلاص للإرتقاء بوطنه والدفاع عنه.
كما ان النزعات بين القبائل الصومالية وصلت اليوم الي نطقة لا عودة حيث ترتفع هذه الأيام أصوات الانفصالين أو المنادين الي قطع الصلة مع النظام المركزي في مقديشو على حساب دعاة الوحدة، بل بلغ الأمر لحد لا يرى فيه البعض خيار الانفصال أو الوحدة مع إثيوبيا أو كينيا أمرا مشينا ومستهجنا مادام انهم لا يكونون جزاء من جمهورية تكون عاصمتها مقديشو.
فدعوات الانفصال والتفكك لا تأتي بالمناسبة من السياسين فقط أو الطامحين الي السلطة ومن أغوتهم هوى السياسة، ولم يعد الأمر محصورا في توجهات تيارات خاصة وانما فكرة تقسيم البلاد الي دويلات قبلية يتبناها أساتذة كبار، ودكاترة لا تخفي كفرها بالوحدة، بل بعض منظريها يحاضرون في أرقى الجامعات في أمريكا وأوروبا. وهذا الأمر انعكس سلبا على تفكير ووعي شرائح كبيرة من المجتمع الصومالي وبالتالي أدى الي اضعاف دور الوحدوين وتغييب أصواتهم عن المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد، حيث أصبح اليوم كل من يدعو الي خيار الوحدة أو خيار النظام المركزي شخصا شاذا يسير عكس الاتجاه، بل هو متهم من قبل البعض بأنه أسير شعارات قديمة عفا عنها الزمن ولا تمت للواقع بصلة.
لا شك أن الصومالين يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية ضياع بلدهم وجعل وحدتهم في مهب الريح، لأنهم هم الذين منحوا أعداءهم هذه الفرصة الثمينة من خلال الاقتتال الداخلي وتبني البعض سياسية الاقصاء وعدم الترك للخصم خيارا آخر سوى اللجوء الي وسائل غير تقليدية باهظة الثمن والتحالف مع الشيطان وعلى حساب الوطن.
وكخطوة تمهيدية يجب على القيام بأمرين للدفاع عن استقلال البلاد ووحدة أرضه.
الأمر الأول يجب أن تقوم الحكومة المركزية- وذلك أضعف الايمان- بطمأنة شعبها وأن تبرهن له وللعالم ان الوحدة هي الخيار الأفضل وما سواها باطل وذلك عبر اتخاذ خطوتين جريئتين.
الخطوة الأولى، محاربة الفساد ومنازلة الأفراد- فهم معروفون وسيماهم في وجوههم- التي لا تزال تصر بعد أكثر من٢٠ عاما على ابقاء البلاد رهينة لسياساتها التدميرية.
الخطوة الثانية: تقسيم الثروة والسلطة بشفافية وتوزيعها على المواطنين بالتساوي واعطاء الشرائح المهمشة التي كانت تنتهك أعراضها وممتلكاتها منذ الاستقلال والي اليوم حقوقهم كاملة.
أما الأمر الثاني يجب أن يقوم المثقفون وكل من يعتبر وحدة الصومال خطا أحمرا باعلان حملة لتوعية الناس ورفع مستوى وعي المواطن تجاه خطورة المساس بوحدة الصومال وشرائها بعرض من الدنيا، لأن واقعنا الحالي ينذر بما هو أسوأ وأشنع و يمهد لما هو أخطر، والبلد الآن على شفا جرف هار.