انتشرت قبل أيام على نطاق واسع في الساحة الصومالية شائعة بوفاة الرئيس حسن محمود، الأمر الذي اثار ضجة اعلامية وسياسية غير مسبوقة كادت أن تهز أركان الحكومة . بدأت الشائعة بخبر تناقلته المواقع الإخبارية الصومالية مفاده أن سفر الرئيس من مقدشو جاء اثر اصابته وعكة صحية أدت الي نقله مباشرة بعد وصوله لتركيا الي مستشفي في مدينة أنتاليا. وبعد شيوع هذا الخبر سرعان ما جاء خبر آخر يحمل بوفاة الرئيس وانتقاله الي جوار ربّه.
رغم نفي الحكومة بصحة الخبر الا أن الطريقة التي ادارتها بهذه الشائعة اتسمت بالارتباك وعدم المهنية للأسباب التالية:
1.– غياب التنسيق بين مسؤولي الأجهزة المختلفة للحكومة
فقد أعطيت الشائعة أكبر من حجمها وتم نفيها علي لسان كل من وزيري الأمن القومي والإعلام، والناطق باسم رئيس الجمهورية اضافة الي الرئيس نفسه. وهذا دليل علي الإنعدام التام للتنسيق بين الأجهزة المختلفة للحكومة الذي يعتبر مهمة ضرورية لكل مؤسسة سواء أكانت حكومية أو غير حكومية تريد إنجاز المهام المطلوبة منها لأن التنسيق يلعب دورا هاما في تذليل العقبات، وتمكين المؤسسة من تنفيذ الأعمال المنوطة بها بأقصي جودة ممكنة في ظل الوسائل المتاحة.
في قضية شائعة وفاة الرئيس كان مطلوبا من الجهات المختصة عقد اجتماع عاجل – اذا ارتأت جهة ما في الحكومة أن الشائعة تمثل تهديدا سياسيا أو أمنيا علي الوطن- لمناقشة هوية الجهة التي تقف وراءها واهدافها، ولتحديد درجة خطورتها، فضلا عن تقييم كيفية تفاعل المجتمع الصومالي في الداخل والخارج مع الشائعة للاتفاق علي الطريقة المثلي للتعامل بها والجهة الحكومة المناسبة للرد علي الشائعة.
لو تعاملت الحكومة بهذه الصورة لرأينا تولي مسؤول واحد في الحكومة مهمة الرد علي الشائعة ويدلي بتصريح قوي من حيث المحتوي والتقديم ليبدد الشكوك التي اصابته قطاع عريض من الشعب، لكن ما حدث – في نظري- هو أن أكثر من مسؤول في الحكومة خول نفسه الرد علي الشائعة بدون الإتصال بالجهات الأخرى، انطلاقا من اعتقادة بأن المنصب الذي يشغله يعطيه الصلاحية للقيام بهذه المهمة. ادلي وزير الأمن القومي تصريحا بهذا الشأن اعتقادا منه بأن الشائعة تمس بالأمن الداخلي وانه المعني بالرد عليها دون التشاور مع الجهات الأخرى، كذلك وزير الإعلام، لأنه كان يري – في ظني- أنه الشخص المنوط بالتحدث باسم الحكومة، ووضع الناطق الرسمي باسم الرئيس لم يكن مختلفا عن سابقيه، فلجأ الي الوسيلة الأسهل له بعد سماعه الشائعة، وأنخرط بكتابة التغريدات في صفحته علي الإنترنت دون الرجوع الي المسؤولين الآخرين المعنيين بالقضية، لأنه كانت لديه قناعة راسخة بأن الشخصية المحورية للشائعة هو الرئيس وأنه الناطق الرسمي باسمه، فكانت النتيجة كارثية، واضطر الرئيس التدخل شخصيا لإقناع الصوماليين بأنه حي عبر أثير الاذاعة والتلفزيون الحكوميين.
2.ضعف رد مسؤولي الحكومة من حيث المحتوي
أظهرت الشائعة ضعف مستشاري الرئيس وعدم كفاءتهم في التعامل مع مثل هذه المواقف، خاصة المستشار والناطق الرسمي باسم الرئيس عبد الرحمن يريسو. فإن كل التصريحات التي نشرها في صفحته علي شبكة التواصل الإجتماعي فيسبوك في تلك الفترة لم تكن موفقة وساهمت في انتشار الشائعة بدلا من اخمادها..
قال المستشار عبدالرحمن يريسو في إحدى تغريداتة باللغة الإنجليزية: رئيس الجمهورية بخير، ولم يعاني أبدا من أي مشاكل صحية، فمن غير الممكن بالنسبة لنا الرد علي أخبار تضليلية متعمدة لا اساس لها من الصحة. وقال في تغريدة أخرى باللغة الصومالية: من الموسف جدا أن هناك جهات تتعمد باختلاق أخبار كاذبة، ولا نستطيع الرد علي خبر لا أساس له..
هناك ملاحظتين من هذه التغريدات، أولاها:أن التغريدة الأولي المكتوبة باللغة الإنجليزية الموجهة- ربما – لغير الناطقين بالصومالية هي أكثر تفصيلا عن الثانية المكتوبة باللغة الصومالية لأنها كانت توضح أن صحة الرئيس جيدة، بينما الثانية لم تتطرق الي صحة الرئيس، ويمكن الإستنتاج منها أن المستشار عبدالرحمن يريسو يهتم بالأجانب أكثر من الصوماليين. ثانيا: السيد عبد الرحمن يريسو حاول نفي الشائعة ولكن استخدم بعبارات غير واضحة تضفي مزيدا من الشكوك حول صحة الرئيس، يقول:هناك جهات تنشر اخبارا كاذبة، ويضيف: لا نستطيع الرد علي أحبار كاذبة. من المعقول جدا أنه واثق بعدم صدقية الخبر الذي اشيع حول صحة الرئيس ولكن الجمهور الذي يخاطبه لا يعتقد ذلك، بل أن الغالبية العظمي منه صدق بصحة الرواية التي تناقلتها المواقع الأخبارية الصومالية، بدليل لولا أنه متيقن أن الصوماليين صدقوا الشائعة لما اتعب نفسه بنفيها. لذلك، كان من المفروض أن يقدم للجماهير التي تتابع تغريداته أو تقرأها عن وسائل أخرى معلومات مقنعة تزيح عنهم الشكوك ليصدقوا أن الرئيس علي قيد الحياة.
من الغريب جدا أن الناطق الرسمي للرئاسة الذي من أولي مهامه اقناع الشعب مواقف وقرارات الرئيس والدفاع عنه أن يقول: من غيرالممكن نفي خبر لا أساس له- فهذه كارثة- فالخبر الصحيح وغير الصحيح يحتاجان الي تعليق ورد، لأن صحة الخبر أو عدمه ليست حقيقة ملموسة متفقة عليها بسبب حاجز المنطقة الجغرافية التي يقع فيها الخبر، ولأن الأخبار تطبخ خلف الأبواب المغلقة،فعلى المسؤول الحكومي اقناع شعبه أن خبرا ما صحيح أو كاذب لاسيما اذا كان هذا الشخص، الناطق الرسمي باسم الرئيس.
السؤال هنا، كيف كان الوضع لو قدم المستشار يريسو للشعب بمعلومات اكثر تفصيلا من حيث المضمون عن ما ورد في تغريداته. من المؤكد أن تصريحات المستشار مهما علا شأنها أو طاب محتواها لما استطاعت ايقاف الشائعة بشكل نهائي لكنها حتما كانت قادرة على اقناع طيف واسع من الشعب، أن كل ما قيل عن صحة الرئيس عارية عن الصحة. وهذه الشريحة بدورها قادرة على تأثير الشرائح أخرى من المجتمع. لكن للأسف الشديد، اللغة التي استخدمها المستشار الإعلامي للرئيس زادت الطين بلة الي أن كاد الجميع التصديق بما تناقلته المواقع الإخبارية الصومالية.
3.طريقة تعامل الحكومة مع الشائعة تحفز على تكرارها
شهدت السنوات الماضية الساحة الإعلامية الصومالية تزايدا ملحوظا لعدد من وسائل الإعلام المختلفة، خاصة المواقع الإخبارية المكتوبة باللغة الصومالية والتي يمتلكها صوماليو المهجر. فإن الغالبة العظمي من هذه المواقع ليست لها مراسلين معتمدين في داخل الصومال لتغطية الأحداث اليومية، مما يعني غياب عنصر المنافسة بين تلك المواقع علي السبق الإعلامي، وانحصار التنافس في البراعة في اختلاق الأخبار أو طريقة كتابة العناوين لجذب القراء والفوز باعلانات شركة الجوجل التي يعتمد عائدها المالي علي عدد القراء.
من المرجح أن شائعة وفاة الرئيس كانت جزءا من هذا التنافس لكسب القراء وما قد يدره من فوائد مالية، وفي اعتقادي بدأت بحصول أحد المواقع الأخبارية الصومالية معلومة دخول الرئيس حسن محمود أحد المستشفيات التركية لإجراء الفحوصات من مصدر مقرب من الرئيس-وهو الجزء الصحيح من الشائعة، وقام بعدها بتلاعب الخبر وتحويله الي أن الحالة الصحية للرئيس متدهورة جدا لاستمالة اكثر عدد ممكن من القراء، ونقلت المواقع الأخرى الخبر عن هذا الموقع مع الزيادة والنقصان الي أن جاءت صاحب موقع أخباري آخر فكرة رفع درجة خطورة الحالة الصحية للرئيس ونشر وفاتة فقط لحصول قراء اكثر عددا من المواقع الأخرى، مما يعني في نهاية المطاف أن كسب اكبر عدد من القراء واثارة فضولهم بناء علي معلومة صحيحة جزئيا هو السبب الحقيقي وراء شائعة وفاة الرئيس.
بناء علي ما سبق، فان طريقة تجاوب الحكومة مع الشائعة حتما اذهلت من كان يقف ورائها واعطتهم قيمة معنوية كبيرة لم يتوقعوها، ومن حقهم الاحتفال بالإنجاز العظيم الذي حققوه من فراغ، ولا نشك أنه قد يشجعهم على تكرار التجربة بغرض واحد وهو،الضحك علي الحكومة والاستمتاع بمشاهدة مسؤوليها وهم ضعفاء يتخبطون ويطلقون العنان بتصريحات متناقضة.
الجهة الثانية المحتملة التي تقف وراء هذه الشائعة هي معارضي الحكومة الصومالية، وأن الطريقة الضعيفة التي ادارتها الحكومة بالشائعة موضع النقاش تعطي هذا التيار فرصة ثمينة للتعرف عن قرب مكامن ضعف الحكومة لتوظف لصالحها في المستقبل خاصة حركة الشباب المجاهدين.