اعلان اثيوبيا التنفيذ الكامل لاتفاقية السلام مع اريتريا .. الأهمية والتحديات

منذ تسلم رئيس الوزراء الاثيوبي الجديد آبي أحمد رئاسة الوزراء في اثيوبيا منذ عدة أشهر ، ومبادرات الاصلاح تتوالى في هذه الدولة المركزية في القرن الافريقي ،  وافريقيا بشكل عام،  لكن لعل الحدث الابرز من بين هذه المبادرات هو اعلان  الحكومة الإثيوبية عن موافقتها على “التنفيذ الكامل” لاتفاقية السلام مع إريتريا، داعية أسمرة إلى إجراء مماثل دون أي شروط مسبقة.

موافقة اثيوبيا على الاتفاقية بشكل كامل يعني نظريا وربما عمليا حسب تطبيق الاتفاق انهاء ما يزيد على 20 عاما من الخلاف والقطيعة التي وقعت بين بلدين شقيقين ومتجاورين ومتداخلين عرقيا وقبليا , ولعل المستفيد الابرز من عودة العلاقات وانهاء خلافاتهما الشعبين في كلا الدولتين حيث تربطهما علاقات النسب والمصاهرة والعمل والمصالح المشتركة.

بعد اعلان اتفاقية الجزائر ونتائج ترسيم الحدود عام 2002 التي اعطت منطقة بادمي الى اريتريا رفضت اثيوبيا بداية هذه الاتفاقية ثم اعلنت موافقتها عليها بشرط التفاوض حول هذه البلدة لكن اريتريا تمسكت بموقفها الرافض لأي تفاوض جديد وأن قرار لجنة التحكيم قرار ملزم ونهائي يستوجب التنفيذ الفوري.

إزاء تمسك كل دولة بموقفها من قرار ترسيم الحدود دخل البلدان في مرحلة جمود دبلوماسي وقطعت العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وجميع مظاهر التعاون بين الدولتين منذ عام 1998 ، وعانى الشعبين لا سيما في المناطق الحدودية من آثار هذا الخلاف ، ولعل الخاسر الاكبر هو دولة وشعب اريتريا حيث عانت من عزلة اعلامية ودبلوماسية اقليمية وافريقية ودولية ، كما عانت اقتصاديا نتيجة توقف اثيوبيا عن الاعتماد على الموانئ الاريترية في الاستيراد والتصدير مما اصاب موانئها بالشلل , وعلى سبيل المثال لم يعد يصل ميناء مصوع الا سفينة واحدة كل ثلاثة اسابيع ، مما اثر على التنمية في هذا البلد اضافة الى استعدادها الدائم وتجنيد شبابها لفترات طويلة استعدادا لأي حرب جديدة محتملة ، وهو ما جعل الكثير من شبابها يفضلون الهجرة للهروب من الخدمة العسكرية.

ومع حالة – اللاحرب واللاسلم – بين الدولتين تغول الحزب الحاكم ورئيسه في اريتريا واتخذ من النزاع الحدودي واحتمال حرب جديدة فزاعة بيد النظام لتعطيل الانتخابات ومجلس الشعب والمؤسسات السياسية , كما قام النظام هناك بالكثير من الانتهاكات لحقوق الانسان على وقع هذه القطيعة.
ومن جانب اثيوبيا فقد أثرت حالة القطيعة هذه في حرمانها من الاستفادة من موانئها الطبيعية التي تعتمد عليها منذ فترة طويلة لا سيما مينائي عصب ومصوع القريبين منها واضطرارها الى الاعتماد على موانئ ابعد في جيبوتي والسودان مما يرفع تكلفة الاستيراد والتصدير اضافة الى معاناة المناطق الحدودية فيها من التهميش كونها مناطق حرب محتملة.
وبالعودة الى تاريخ الصراع فانه بدأ عام 1998حيث بدأت اريتريا الحرب بهدف استعادة بلدات حدودية تعتبرها ضمن حدودها ، ولم تتخلى اثيوبيا عنها بعد استقلال اريتريا عنها عام 1993,لكن هذا الهجوم جوبه برد قاس من اثيوبيا معتمدة في ذلك على كثافة جيشها مما نتج عنه بعد عامين من الحرب تغيرات طفيفة لصالح اثيوبيا , بعد ان قتل مابين 100 الف الى 150 الف من الطرفين في حرب وصفت بانها الاشرس في التاريخ الحديث في افريقيا , ووصفها متابعون بالحرب المجنونة ، وزاد من مآسيها تقاعس المجتمع الدولي وعدم التدخل لانهاء الحرب.

اجمالا فإن التوصل الى اتفاق نهائي بشان النزاع الاريتري الاثيوبي له اثار ايجابية كبيرة لصالح البلدين ولصالح منطقة القرن الافريقي وافريقيا بشكل عام , كما ان هناك تحديات لعل ابرزها سكان بادمي الذي يربو عددهم على 18 الف شخص من قومية التيجراي والذين يرفضون ان يكونوا جزءا من اريتريا , كما أن بعض القوى المتنفذة والمتشددة في كلا الدولتين قد تضغط في سبيل عدم تنفيذ الاتفاق , لكن يمكن ان نوجز الاثار الايجابية المتوقعة على كل دولة فيما يلي:

اريتريا

– انهاء العزلة الاقليمية والافريقية والدولية التي تعاني منها نظرا لثقل اثيوبيا اقليميا وافريقيا ودوليا.

– الاستفادة من نمو الاقتصاد الاثيوبي  وربط الاقتصاد الاثيوبي به من خلال التبادل التجاري والسياحي بين البلدين.

– تنشيط الموانئ الاريترية وزيادة دخلها بما ينعكس على تحسين دخل الدولة ومشاريع التنمية.
– خفض النفقات العسكرية ، وانهاء حالة التجنيد الاجباري للشباب ليساهم في تحويلها الى برامج التنمية وانهاء حالة التذمر في اوساط فئات كبيرة من الشعب.

ومن هنا فيمكن القول أن حل جميع الخلافات مع اثيوبيا يعتبر بمثابة استكمال لاستقلال اريتريا بشكل غير منقوص،  والانطلاق نحو توسيع علاقاتها اقليميا ودوليا ، والخروج من حالة العزلة الاقليمية والدولية منذ عام 1998.

اثيوبيا

– الاستفادة مرة أخرى من الموانئ الاريترية في عمليات الاستيراد والتصدير , والخروج من الاعتماد الكلي على موانئ جيبوتي في التصدير والاستيراد.

– تخفيض الانفاق العسكري والاستفادة منه في برامج التنمية لا سيما المناطق الحدودية
– التخلص من الحركات المسلحة التي تتخذ من اريتريا مقرا لها لمهاجمة اثيوبيا.
وهناك منافع أخرى لدول الاقليم حيث من المتوقع بعد انهاء حالة العداء الاثيوبية الاريترية عودة اريتريا الى منظمة الايجاد الاقليمية ، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع الصومال وجيبوتي ، وانهاء الخلاف الحدودي مع جيبوتي , كما يتوقع عودة اريتريا الى الاجتماعات السنوية لمنظمة الوحدة الافريقية وبالتالي اسدال الستار على واحدة من أعنف الصراعات في منطقة القرن الافريقي في العصر الحديث.

سعيد معيض

الكاتب – الصحفي السعودي ومختص في شؤون القرن الإفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى