الشيخ  عبدي أبيكر غافلي : مسيرة حياته وكفاحه ضد الاستعمار الإيطالي(4)

معركة طناني ( فبراير1907) :

كما ذكر الدكتور لي كاسانيلي  في كتابه (  The Shaping of Somali Society: Reconstructing the History of a Pastoral People, 1600-1900) فإن المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي في منطقة  مركه  كانت الأشد ضراوة والأطول مدى في بنادير،  وهذا لم يكن أمرا مفاجئًا في ضوء التاريخ السابق لعشيرة بيمال؛ لأن نضالها المستمر ضد العديد من الأعداء قد أعطاها تماسكًا وتنظيمًا عسكريًا أكثر تشددًا من معظم العشائر الصومالية الأخرى[1].

وبالتالي تعتبر معركة طناني التي وقعت في  9- 10 فبراير عام 1907 رمز  هذه المقاومة، وأن الاستعمار الإيطالي كان يرمي من خلال هذه المعركة إلى فتح ممر آمن نحو  الأراضي الزراعية في اقليم شبيلي السفلى والقضاء على ثورة  القبائل التي كان يقودها الشيخ عبدي أبيكر غافلي وتفرض حصارا محكما على مدينة مركه الساحلية حاضرة منطقة شبيلي السفلى التي فيها الأراضي الزراعية. وقاد معركة طناني من قبل الاستعمار الايطالي النقيب فيتالي، قائد فيلق عرف بـ”أسود بنادير” – وهو من نخبة العسكريين الذين تم تجنيدهم في شبه الجزيرة العربية واستخدمهم  الاستعمار لقمع الثوار ، والاضطرابات في الصومال في الفترة ما بين فبراير ومارس 1907، وذلك عندما تولى توماسو كارليتي، وهو مسؤول ذو أفكار كاثوليكية وطنية ومؤيد لنظريات الإمبريالية الدفاعية في القرن الأفريقي قيادة المستعمرة الإيطالية ( الصومال).[2]،.

تزامنت معركة طناني مع وصول أولى البنادق النوعية التي جاءت من منطقة نغال معقل السيد محمد عبد الله حسن وتدّرب المقاومين بأنواع جديدة من حروب الكر والفر على أيدي أشخاص جاؤوا من المناطق الشمالية. وتمكن الشيخ  عبدي أبيكر غافلي من تحشيد ما لا يقل  عن 3000 مقاتل الذين تحركوا  بقيادته من قرية طاي صومني على  بعد حوالي 15 كم من قرية طناني [3] ، وكانوا مسلحلين بالسيوف،  والنبال،  والفؤوس ، وعدد قليل جدا من البنادق التي حصلوا عليها من السيد عبد الله حسن، ونزلوا بالقرب من قاعدة القوات الإيطالية . كان الجو مظلما دامسا وتخفى الثوار بالتلال الرملية، وأرسلوا طلائع تتفقد أوضاع قاعدة قوات الإستعمار،  واستطاع هؤلاء الطلائع من الوصول إلى مكان لا يبعد القاعدة سوى 100 متر مستغلين من الأجواء المظلمة، وهيجان العواصف الشديدة، وأصوات أمواج البحر المتلاطمة ، لكن تمكن حراس القاعدة العسكرية الإيطالية في تلك الليلة  من رؤية تحركات ثوار القبائل وبادروا بإطلاق النار عليهم، فانسحب الثوار من المكان وتراجعوا إلى مراكزهم وأن القوات الإيطالية لم تلاحقهم. وفي منتصف الليل، في الساعة الثالثة صباحا وفي 10 من شهر فبراير عام 1907 ، شن ثوار القبائل بقيادة الشيخ عبدي إبيكر غافلي هجوما واسعا على القاعدة العسكرية ، وكان يشارك في هذه المعركة أبناء  قبائل بيمال وهينتري ووعذان، وتلاحم الجندان  وشهدت معركة حامية الوطيس غير متكافئة حيث كانت أعداد قوات الإستعمار  حوالي   500 جندي وقيل أكثر من ذلك مدججين بأحدث الأسلحة من البنادق والمدافع[4] تدعمهم سفن حربية في سواحل قرية طناني  لكن قوات الثوار أبلوا في تلك المعركة بلاء منقطع النظير وقاتلوا ببسالة وتمكن بعضهم من دخول القاعدة التي كانت محاطة بسور خشبي وأسلاك شائكة،  وأجبر العدو أن يقاتل بحراب البنادق والخناجر خوفا من نيران صديقة بسبب تلاحم الجانبين واستباكهما بالأيدي   وكادا الثوار  أن يحتلوا القاعدة، لكن بسبب قلة الخبرة وتحصينات العدو الذي كان يطلق قنابل ضوئية لإضاءة السماء ، ويقصف الثور خارج القاعدة بالمدافع هزم الثوار في المعركة، وقتل أعداد كبيرة منهم وأصيب الشيخ عبدي أبيكر غافلى بجروح متوسط كانت آثاره بادية على جسمه حتى وفاته، كما قتل عدد كبير من بطون سعد ، وسليمان ، وعدد من مهادواق من عشائر بيمال.

 كان تأثير العلاقة بين السيد وقبيلة بيمال ظهر بشكل جلي في معركة طناني  وطريقة قتال الثوار حيث بدأ البيماليون مهاجمة قاعدة قوات الإستعمار في طناني  بهجمات متتالية ولحد وجه لوجه كما كان يقاتل ثوار محمد عبد حسن وقيل أنه قتل في هذه المعركة 350 من عشيرة بيمال وعسكري إيطالي وجرح آخر برتية ملازم ثاني و 24 من جنود المستعمر الإيطالي.

كاتب إيطالي إسمه أف غراسي يوضح ويقول إن ثوار بيمال كانو يزيحون الاسلاك الشائكة بيديهم ويدخلون المعركة بانتظام وكانت قوة أخرى تقوم بالتفاف العدو. ويضيف أن المعركة كانت عنيفة وأن الثوار عرضوا خطة جديدة  مغايرة ، وكان البيماليون مسلحين ببعض السلام وبالرماح والبنال وثبتوا  في المعركة لكن بعد 45 دقيقة اجبروا على  التراجع.

تلقى الثوار في هذه المعركة هزيمة كبيرة كما ذكرنا، لكن لم تكن حاسمة ولم تقدر القوات الإيطالية على إلقاء القبض على الشيخ عبدي أبيكر غافلي ولا أحد من قيادات الثوار ، وانتقل الشيخ  وأعوانه بينهم يحي عبد الرحمن مندوب أوغاس بيمال، وحاج علي يوسف الذي كان لديه تأثير كبير على الشيخ غافلى لأنه كان تاجرا وغنيا  وفقد في معركة طناني ولدين، ومعلم مرسل  من عشيرة شيخال وهو رجل لديه مقاتلون من بطن سليمان- بيمال ويسكن ما بين غندرشي وجلب- مركه ، إلى القرى الواقعة بالقرب من نهر شبيلي وبدأ من جديد بتنظيم صفوف قوات الثوار وتجهيز مزيد من الشباب للقتال ضد الإستعمار ، وكذلك بدأ بإرسال مئات من رجاله ومعهم عدد من الإبل إلى مناطق الشمال وإلى السيد محمد عبد الله حسن لشراء الأسلحة[5] .


[1]  Lee V. Cassanelli, 1982, p.22    

[2]  مقال بعنون 1908: حرب بنادير الخاطفة. حملة الرائد دي جورجيو المنشور في موقع إيطاليا الاستعمارية تاريخ المستعمرات الإيطالية الوثائق – إخراج ألبرتو ألبوتزي

[3]

[4]  Taariikhdii hore ee Merka  iyo Halgankii Biyomaal, Afgooye , Lafoole iyo Merka  C/llaahi Xassan Saciid. Muqdisho, 1981

[5] Taariikhdii hore ee Merka  iyo Halgankii Biyomaal, Afgooye , Lafoole  Iyo Merka   المرجع السابق

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى