مسيرة التعليم في الصومال بين الأمس واليوم ( الحلقة الرابعة)

فترة الحكومة العسكرية : 1969-1990م

في الحادي والعشرين من شهر أكتوبر 1969م قامت القوات المسلحة بانقلاب عسكري أطاح بالحكومة القائمة دون إراقة الدماء، وذلك بعد اغتيال رئيس الجمهورية السيد عبد الرشيد علي شرمأركي ، و يعتبر هذه الفترة  أحسن فترة  لمسيرة التعليم في الصومال مقارنة بالفترات الأخرى حتى الوقت الحاضر، حيث بلغ التعليم أوج تطوره  بجانب القطاعات الحيوية الأخرى للدولة .

لأنه لمّا تولّت حكومة الثورة مقاليد السلطة أولت اهتماما كبيرا للتعليم والتربية ، ومن أهمّ ما فعلت الثورة في هذه الفترة:

1- مصادرة جميع المدارس المملوكة للأجانب غير التعليم المصري العربي، إذا أن التعليم المصري وغيره من التعليم العربي ما كان أجنبيا باعتبار الثورة، وكانت الثورة تهدف لمصادرة هذه المدارس إلى جعل التعليم تعليما متجانسا في أنحاء الوطن{1}.

وبهذا تحقق هدف حكومة الثورة وأصبح التعليم تعليما متجانسا في ربوع الوطن من حيث المنهج واللغة والإدارة،وانتهت الفوضى في التعليم الذي كان في السابق يخضع لإدارات مختلفة التوجهات والفلسفات .

2-جعل اللغة الصومالية لغة الدراسة في جميع المراحل التعليمية.

3- توحيد المناهج التعليمية بصورة نهائية وطبعها وتوزيعها مجانا على جميع الطلاب.

4- حصر السلم التعليمي منذ بداية الثورة حتى 1975م بعشر سنوات تنقسم على حسب المراحل كما يلي :-

-المرحلة الابتدائية   3 سنوات

– المرحلة الإعدادية 3 سنوات

– المرحلة الثانوية  4 سنوات

وكانت تسمّى المرحلتين الإبتدائية والإعدادية بالمرحلة الأوليّة والتعليم فيها إلزامي يجب أن يمرّ بها كلّ طفل.

ولكن من 1980م إلى نهاية الثورة أصبح سلم التعليم أربع سنوات لكل مرحلة، وهي كالتالي:{2}

الابتدائي       4 سنوات

الإعدادي      4 سنوات

الثانوي         4 سنوات  .

تدريب المعلمين

وفي خضم اهتمام الحكومة العسكرية بتطوير التعليم نجحت في تحويل مركز تدريب المعلمين الوطني إلى كلية للتربية، ويقول محمد عبدالكريم وزملاؤه بأنه” تمّ تطوير مركز تدريب المعلمين الوطني الذي أنشئ في عام 1963م والذي سمّي بـ(لفولي)في وقت لاحق، وتمّ رفع مستوى برامجه التعليمية، فقد كان في السابق يتمّ فيه تدريب معلمي المدارس الإبتدائية والإعدادية، ولكنه ظلّ في هذا العهد يدرّب فيه معلموا الثانوية حتى تمّ تحويل المركز إلى كلية جامعية للتربية، وقد تخرجت أول دفعة من كلية التربية في يناير 1973م، وتفرغت كلية التربية فيما بعد بتخريج مدرسي المدارس الثانوية، وذلك بعد إنشاء معاهد لتدريب معلمي المراحل الأخرى“.{3}

المنشآت التعليمية :

ويعتبر زيادة المنشآت التعليمية في السبعينات معلما من معالم اهتمام الحكومة العسكرية بالتعليم  حيث ركزو على معالجة مشكلة نقص وقلة المدارس في المدن والقرى”ففي عام 1974م صدر قرار بالزامية التعليم، فنتجت عنه حاجة ماسة إلى بناء مدارس جديدة، فأعلنت حكومة الثورة حملة واسعة النطاق لبناء المدارس، وساهمت الجماهير فيها ماديا وعمليا لتنفيذ تلك البرامج. ولقد نجحت الحكومة في تلك الحملة؛ فقد كانت المدارس في محتلف مراحلها 1969-1970 حوالي 318 مدرسة، وقفز هذا الرقم في العام الدراسي 1975- 1976 إلى 883 مدرسة“.{4}

ولمّا نجحت خطّة الحكومة في بناء عدد كبير من المدارس في المدن والقرى، ظهر نقص في المعلمين المدربين، ولتقليل العجز في المدرسين، اتخذت حكومة الثورة عددا من الإجراءات من بينها :-{5}

– وضعت برامج لتدريب 3000 من خريجي المرحلة الإعدادية كمدرسين لمدة سنة، ويتوزعون بعدها للتدريس في المرحلة الإبتدائية،واستمرّت هذه الخطة حتى عام 1980م.

– استخدام خريجي المدارس الثانوية كمدرسين لمدّة عام واحد ضمن  برنامج الخدمة الوطنية قبل التحاقهم بالوظائف والجامعات.

محو الأموية

وبعد كتابة اللغة الصومالية 1973م،وتحديدا في عام 1974 نظّمت الحكومة حملة واسعة لمحو الأمية وتطوير الريف، والتي كان من ضمن برامجها تعليم القراءة والكتابة لجماهير الفلاحين والرعاة.”وقد كانت هذه الحملة مشروعا ضخما حشدت له الطاقات والامكانيات على مستوى الأمة، وأسند إلى الطلبة في المدارس الثانوية والإعدادية دور هام في تلك الحملة، وكانوا يشكّلون القوة الرئيسية المحركة لها، وليتسنّى للطلاب القيام بهذه المهمة العظيمة تقرر إغلاق المدارس سنة كاملة، وبلغ عدد الطلبة الذين تقرر اشتراكهم في الحملة إلى 15,681 طالبا وطالبة“.{6}

وكانت الحكومة قد خططت لهذه الحملة ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الشعب الصومالي، فأتخذت إجراءات فريدة من نوعها، ومنها:”أن فصول محو الأمية كانت تنظّم في كل مكان، حول الآبار وفي التجمعات الرعوية، وفي المزارع وتحت الأشجار ؛ ومعنى هذا أن الفصول كانت تكوّن أينما يتواجد المواطنون في الريف،ويلتحق بها السكان كل حسب أوقات فراغه،وبلغ عدد المستفيدين الذين أجادو القراءة والكتابة إلى 1,757,779 “{7}

وهذا الاهتمام بالتعليم من قبل حكومة الثورة لم يدم، ولم يستمرّ تطور التعليم، بل رجع إلى الوراء،وخاصة عندما تدهورت الأوضاع السياسية والمعيشية فى البلاد، وواجه النظام التربوى بمختلف مستوياته تدهورا شاملا فى جميع جوانب المنظومة التربوية، ”بدأت ملامح هذا التدهور تظهر بصورة واضحة فى العام الدراسى 1982-1983م، حيث بدأ الانخفاض  فى عدد المدارس والطلاب والمعلمين، وأصبح النظام التربوى ينزل من القمة التى وصلها بصورة تدريجية حتى وصل إلى أدنى مستوى له فى نهاية العقد الثانى من عمر الثورة، وقد ترك هذا التدهور بصماته الواضحة فى جميع المستويات للنظام التربوى فى البلاد“.{8}

وهذا التدهور للتعليم وتوقف عجلة تطوره – الذي استمرّ حتى نهاية الحكومة العسكرية عام 1991م – يمكن ارجاعه إلى الأسباب التالية :-

  1. انتشار التعليم في المدن والقرى ليس قائما بالدراسة والتخطيط الذي يضمن بقاء خدمة المدرسة التي أنشئت في موقع ما بل إنما كانت قائما بعاطفة الثورة.
  2. ضعف القيمة للعملة الصومالية وعجز الحكومة عن حل هذه المشكلة، فالمرتب الذي يتقاضاه المعلم في الشهر لا يغطي احتياجاته 5%، ولذا هجر الكثير من المدرسين من الوطن طلبا لمعيشة أفضل في الخارج.
  3. ضعف هيبة الحكومة في نفوس الشعب، وهذا مما أدى إلى خروج كثير من المدن والقرى النائية عن العاصمة عن سيطرة الحكومة.

المراجع

1-  وزارة الإعلام والإرشاد القومي، الصومال في ظل الثورة: خمسة أعوام من الازدهار والتقدم، مقديشو، 1974م، ص: 6

2-  دراسة لمنظمة العمل الدولي في نظام التعليمي للصومال في العام 1986م، ص: 3

3- محمد على عبد الكريم وآخرون: تاريخ التعليم في الصومال، ط1، مقديشو، وزارة التربية والتعليم، 1978م، ص: 126

4- ص: 133 من المصدر السابق

5-  ص: 127 المصدر السابق

6-  ص: 144 المصدر السابق

7-  ص: 145 المصدر السابق

8- محمد علمي توحو.التربية في عهد الثورة الصومالية( التطور والتدهور)، رسالة ماجستير غير منشورة، حامعة أم درمان الإسلامية. 2010م.

أ/ شافعي عبدالعزيز حاج طفى

ماجستير الإدارة والتخطيط التربوي جامعة النيلين - السودان ، يحضر الدكتوراة في التخطيط التربوي بجامعة بخت الرضا في السودان
زر الذهاب إلى الأعلى