ظاهرة الفساد في المجتمع الصومالى( الجزء الأول)

download 

يعد الفساد ظاهرة مركبة وذات أبعاد متعددة ومتداخلة فمنها ما يتعلق بالشخص ذاته، ومنها ما يتعلق ببنية الفساد في المجتمع ومنها مايتعلق بمجموعة من الأفراد لها مصالح تسعى إلى تحقيقها، كما تتنوع أشكال الفساد بين الفساد الاقتصادى والفساد السياسى والفساد الإداري والفساد الاجتماعي

والفساد بكافة صوره وأشكاله، يشكل أكبر عائق أمام تطور المجتمع وعلى جميع المستويات نظرًا إلى تأثيره السلبي في إضعاف القانون والنظم واللوائح الإدارية، ناهيك عن دوره المؤثر في ترهل وفساد المؤسسات بكافة أنواعها وأحجامها، الحكومية أو الخاصة، ويعتبر بأنه أكبر معوق للتنمية وهو المسئول الأول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا يرتبط الفساد بفترة تاريخية معينة أو بقطر معين إلا أنه يأخذ أشكالاً متغيرة بتغير الفترات التاريخية ومتنوعة بتنوع الأمم، كما أنه يرتبط بالتغيرات التي تحدث في بناء القوى السياسية والاجتماعية والإدارية .

    ويأتي الفساد على أشكال عدة ويتراوح ما بين الأمور البسيطة إلى الأعمال الكبيرة، فهو ينطوي على سوء استخدام أدوات السياسات العامة ووسائل تنفيذها.

   وتعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة مركبة تختلط فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لذا تتعدد الأسباب الكامنة وراء بروزها وتفشيها في المجتمعات على الرغم من وجود شبه إجماع على كون هذه الظاهرة سلوك إنسان سلبي تحركه المصلحة الذاتية، وتختلف البلدان اختلافًا كبيرًا في تغلغل الفساد فيها ومستواه، وقد تكون بعض الدوائر الحكومية والمستويات الحكومية الدنيا داخل البلدان فرادى، شديدة الفساد، في حين قد لا يكون البعض الآخر كذلك.

    والمجتمع الصومالي كواحد من دول العالم الثالث فإنه لا يخلو من هذه الظاهرة بل يحتل المراكز الأولى في العالم من حيث الفساد حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية لسنوات 2007، 2008، 2009، 2010،2011،2012،2013 طوال تلك السنوات حصلت الصومال مؤشر (1.1) وبذلك تتصدر الصومال قائمة أكثر دول العالم فسادًا(موقع المنظمة www Transporency.org .)، ويعتبر ذلك مؤشراً ودلالة قوية على أن السياسة السائدة في البلاد لا تخدم المصلحة العامة، وأن السلطة السياسية القائمة في البلاد تزداد إبتعادا عن مصلحة الدولة والمجتمع، حيث تحولت المناصب من كونها مناصب تستهدف المصلحة العامة إلى مناصب لتحقيق الثروة والمكسب غير الشرعي ، من خلال إستغلال النفوذ والرشاوى والعملات.

إن الدولة في الصومال تحولت من دولة مؤسسات بسبب الفساد إلى دولة أشخاص، فهي تمتلك السلطة دون أن تتحمل المسئولية عن سياساتها، كونها قد تحللت من شروط ومتطلبات العقد الاجتماعي ، وبصريح العبارة قالي أحد النواب في البرلمان الحالي( أن الفساد في الصومال أصبح كسياسة متعمدة، وأصبح فساد الفرد شرطاً ضمنيا لتولي المناصب القيادية العليا في البلاد، ومن كان خارج هذا النسيج سيجد نفسه محاصرا في بيئة وعلاقات فاسدة تضعه أمام الأمرين، إما الإندماج الكامل فيها، أو المواجهة ليجد نفسه منبوذا) 

وهذا دليل  على أن الصومال تتعايش حالة إستثنائية من الفساد والإخفاق الوطني قومياً وإنسانياً، يتضافر سوء الحكم مع إستشراء الفساد في مناحي الحياة كافة حتى قاربت كل مدونات السلوك الرشيد أن تخلي السبيل تماما لتنويعات مريعة على لحن الفساد المزعج، ولعل نواحى الفساد- كما أشرنا- هو تسلسل الفساد إلى المؤسسات التي تفترض أن تكون في مقدمة الحرب عليه، ومثل الفضاء، السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، وكذلك الأمن والجيش.

وبذلك تكون الصومال تمر بمأزق كبير على صعيد الحكم الرشيد، فحواه الأساس فشل أنظمة الحكم السابقة، ونظام الحالى عن الوفاء بطموحات الشعب الصومالي المشروع في الأمن والعزة والحرامة والعدل ، ويكتمل إستحكام المأزق  من حيث أن النظام الحاكم لايعد بإصلاح عميق وجذري حتي يتحرر من الفساد.

العوامل المغذية للفساد في الصومال

      1- تركيز السلطة بيد صناع القرار و هم عملياً غير مسؤولين من الشعب

      2- غياب الديمقراطية أو عجزها

      3- العجز المعلوماتي: ويشمل:

      أ- انعدام الشفافية في الحكومية (حرية الملعومات) في صنع القرار

      ب-احتقار او إهمال ممارسات حرية الكلام أو الصحافة

      ج-ضعف المساءلة وإنعدام الإدارة المالية الملائمة

      4-الفرص و المحفزات وتشمل:

      أ-عدم إستخدام معيار الكفاءة في التوظيف

      ب-انخفاض رواتب الموظفين الحكوميين، وعدم صرفها أحيانا لعدة أشهر.

      5-الظروف الإجتماعية وتشمل:

      أ-النخب الأنانية المنغلقة و شبكات المعارف.

      ب-كون السكان غير مهتمين وعدم قابلية الرأي العام على إنتقاء الخيارات السياسية.

      6- العجز القانوني ويشمل:

      أ-ضعف سلطة القانون

      ب-ضعف المهن القانونية

      ج-عدم وجود إنتخابات حرة  

      د-حملات إنتخابية مكلفة يتجاوز الإنفاق فيها المصادر الإعتيادية للتمويل السياسي.

      هـ-غياب الرقابة الكافية للحد من الرشى أو الإنفاق في الحملات الانتخابية.

مؤشرات الفساد في الصومال :

أن مؤشرات الفساد في الصومال واضحة المعالم وتتمثل في:-

1-  شيوع ظاهرة الغنى الفاحش والمفاجئ في المجتمع.

2-  شيوع ظاهرة الرشوة لدرجة تصل فيها من جملة المستمسكات المطلوبة في أية معاملة، حيث أصبح بإمكان أي شخص الدخول إلى أي موقع حساس مقابل عشرة دولار فقط بدون تفتيش أمني. بإمكانك أن تقتل وتخرج دون محاكمة.

3-  المحسوبية والولاء لذوي القربى في شَغلِ الوظائف والمناصب بدلاً من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية والنزاهة، ودون وضع الرجل المناسب في المكان المناسب 

4-   غياب مبدأ تكافؤ الفرص في شغل الوظائف.

5-  ضعف الرقابة(( أجهزة وأداءً ودوراً))أو ظهورها بشكل شكلي مع إهمال نتائجها.

6-  الاستغلال السيئ للوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية على حساب المصالح الموضوعية.

7-  الخروج المقصود عن القواعد والنظم العامة لتحقيق منافع خاصة.

8-  بيع الممتلكات العامة لتحقيق منافع ومكاسب خاصة.

9-  انعدام الشراكة بين المواطنين والدولة وفق آلية المواطنة والديمقراطية الأمر الذي يجعل سياسة الدولة غير ممثلة لأمال وتطلعات الشعب وهذا يؤدي إلى خَلقِ نوعٍ من عدم الارتياح لدى المواطنين.

10-انتشار ظاهرة الابتزاز التي يقوم بها كبار وصغار الأمنيين وحتى الجنود ممثلة في التهديد وإلصاق تهمة الإرهاب والإنتماء لحركة الشباب المجاهدين، ما لم يدفع الشخص أي مبلغ مالي ولو كان دولارا واحدا.

11-تدني الرقابة الحكومية، وضعف القانون، وغياب التشريعات، وسيادة مبدأ الفردية بما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي بما يلغي مبدأ العدالة، وتكافؤ الفرص، والجدارة، والكفاءة، والنزاهة في شغل الوظائف العامة.

أشكال الفساد داخل المجتمع الصومالي:

الشكل النموذجي والصارخ للفساد داخل المجتمع الصومالي المعاصر، يتم عادة باختلاس المال العام إما بشكل مباشر أو بطرق غير مباشرة، ويعتبر هذا الشكل الأكثر خطورة خاصة أنه انتشر في السلم الأعلى من الهرم العام، لان الحديث هنا يتم عن أشخاص متنفذون ، يتطلعون الى مبالغ كبيرة ولديهم الوسائل على إخفاء عمليات الاختلاس، ومما يزيد الخطورة ، أن انتشار الفساد ضمن ذلك المستوى يجعل الاختراق العمودي للمستويات الأدنى أمرا ممكنا نتيجة ضعف عنصر الردع وسيادة مظاهر التقليد، خاصة وان هذا النوع ينتشر ضمن المستوى الذي يفترض به أن يكون القدوة والذي يوفر كذلك الحماية عن طريق التشريع وانفاذ القانون، وخطورة تفشي الوباء ضمن هذا المستوى، تماثل خطورة إصابة قشرة الثمرة التي يفترض أن توفر الحماية لما في داخلها.

غير أن الفساد في الصومال لا يقتصر على هذا الشكل فقط على الرغم من خطورته، وهناك اشكال عديدة أخرى منها الفساد بشكله البسيط والمباشر والمتمثل بالرشوة ، ويتم عادة بالحصول على منافع مادية مباشرة أو غير مباشرة نتيجة لاستغلال الوظيفة، وخطورة هذا الشكل من الفساد لا تقتصر على النواحي الاقتصادية فقط بل أن ضررها الاجتماعي ربما هو الأكثر خطورة، لان تفشي ظاهرة الرشوة ، يعني إصابة معظم مستويات الإدارة ليس العليا فقط بل إمكانية الامتداد لكل موقع ، الأمر الذي يسمح في تفشي ما يطلق عليه ثقافة الفساد ، وهي التي تعني تعود المجتمع على هذه الحالة والتصرف على أساس أن ممارستها هي أمر عادي ومقبول بل واكثر من ذلك ، تعني عجز القانون على التصدي للحالة بسبب شموليتها .

إضافة لهذه المظهرين الخطرين فان ثمة خمسة أشكال أخرى تصنف ضمن حالات الفساد وتشمل:

  • المحاباة والتمييز بين الموظفين بسبب الإنتماء القبلي أو الإنتماء احزاب دينية، الإخوان، دم جديد، إعتصام، صوفي ، أو الصداقة أو القرابة ، ومن الواضح أن هذا الشكل يعتبر اقل خطورة، لانه لا يستهدف الجشع الذاتي بقدر ما يمكن تفسيره لدى القائم به على انه “خدمة ” لقطاع أو مجموعة معينة ، غير أن خطورة هذا الشكل تكمن إضافةً الى الإجحاف الاقتصادي بحق مجموعات أخرى من السكان ، الى تحويل المجتمع الى مجموعات من ذوي المصالح التي تتصارع فيما بينها للحصول على اكبر نصيب من الغنيمة.
  • سوء الإدارة والفوضى والإهمال ، ويمكن اعتبار هذا الشكل بانه فسادا غير مقصود لا تتوفر به سوء النية ، أو قصد الفساد ، وانما يصنف ضمن أشكال الفساد ، باعتبار أن نتائجه لا تختلف كثيرا عن نتائج الفساد من حيث إلحاق الضرر الاقتصادي والاجتماعي بالمواطنين .
  • التأثير على القضاء وأجهزة الرقابة وبضمن ذلك التلاعب في الإجراءات القضائية والقانونية ، وخطورة هذا النوع من الفساد تكمن في التأثير المعنوي له والناتج عن تحويل جهاز يستهدف ضمن ما يستهدفه مكافحة الفساد الى وسيلة لحماية واخفاء والتستر على من يقوم به .
  • إجهاض الديمقراطية داخل المجتمع عن طريق تزييف الانتخابات، ويعتبر هذا الشكل مظهر نموذجيا للفساد السياسي بمفهومه الواسع ، وينتشر هذا الشكل في الصومال بصورة كبيرة، حيث لا يمكنك الحصول علي أي منصب سيادي بدون دفع الرشا، وخير دليل على ذلك أن البرلمان الحالي المكون من 275 عضوا، جميعهم دفعو رشوة مقابل حصول على هذا المنصب. 

 

ترقبوا الجزء الثاني الذي سنعرض فيه خارطة الفساد في المجتمع الصومال 

info@mogadishucenter.com

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى