حصل ذات مرة أن حضرت نقاش كان يدور حول دور وزارة التعليم العالي في رفع مستوى التعليم الجامعي ، ومتابعة مخرجاته على كافة الأصعدة ، و لأن الموضوع بحد ذاته جاذب و مهم فأنه أشعل الحماس في نفوس الحاضرين المهتمين بشؤون التعليم العالي في الصومال ، و لذلك من الطبيعي أن تكون الجلسة حامية ، ولغة الحوار شديدة ، والأسئلة في مجملها محقة ، فطُرحت ماذا ولماذا و أين ، وبماذا ، ومتى على وزارة التربية و التعليم وبتحديد القسم التعليم العالي منها في ولاية بونت لاند ، ولم يتوقف الاخذ والرد بين الحاضرين إلا على صوت أحدهم يقول بأي حق ، وبأي سلطة تتدخل الوزارة في تعليم الجامعي ، فهي لم تمول الجامعات الموجودة ، ولم تبني لهم مباني ، ولم تضع لهم أهداف ، ولم تدفع للكادر الجامعي ، ولم تخطط لمستقبلهم ، ولم تجلب لهم مستلزمات التفوق الاكاديمي ، فهي بذلك ضيف شرف على الجامعات وحتى تخرج من الضيافة وتكون من أهل البيت لابد أن يكون لها اليد العليا وإلا فلتحافظ على أدب الضيافة ، ازعج الحاضرين بهذا الحديث لكنه نطق بالحقيقة المرة ، خذ هذا الكلام وكتب بجواره أسم وزارات التربية و التعليم في كافة الصومال ، وشاهد بنفسك دور الذي تلعبه الوزارات في العملية التعليمية ، فسوف تجد بانها محصورة في وضع الاهداف الكبرى ، وصياغة المناهج ، و كتابة سياسة الامتحانات ، ومراقبة سير الاختبارات ، و تمويل خمس بالمئة من المدارس ، والختم على الشهادات ، ومشاهدة العملية التعليمية من بعيد ، وإذا جمعنا وحسبنا دور وزارات التربية والتعليم في كافة الصومال من العملية التعليمية نجده لا يتجاوز عشرون بالمئة من المجهود التعليمي الكلي ، اما بقية المجهود فمقسوم بين الجهد الاهلي الخاص الذي يساوي ستون بالمئة ، وبين الهيئات الدولية التي تتكفل بالعشرين بالمئة الباقية ، وحتى العشرون بالمئة للوزارات لم تكن موجودة دائماً ، وإن وجدت فكانت موجودة بصورة متفاوتة بين المناطق الصومالية ، فاغلب الجهد التعليمي في الصومال وقع و يقع على كاهل الشعب الصومالي ، فبأي منطق ومبدا تستند عليه وزارات التعليم في الصومال حتى تعتلي الاعلام وتُعلن محاسبة جهداً لم تُشارك فيه إلا عشرون بالمئة منه ، و من الذي يعطيها الحق في أن تتنمر وتستقوى على مشاعر طالباُ لم تساهم في تكوينه إلا بقدر ضئيل ؟ وهل يستحق الجيل الناشئ الصومالي الحروب النفسية التي يتعرض لها ؟ وهل يتحمل الصومال معركة جديدة قبيحة تستهدف أجمل ما فيها و تؤرق جُل أبنائها ؟.
إن ورقة التعليم هي الورقة الوحيدة التي اجمع الصوماليون طيلة ثلاثين عاماً على ابعادها من حلبات الصراع ، وابقائها نقية قدر الامكان، وقد نجحوا الى حدا ما ، ويجب أن تبقى كذلك ولا تنجر للتأجيج العاطفي ، و لا للخطاب الاعلام العنصري ، ولا تُستخدم للمأرب السياسية المؤقتة ،و إذا كان في قوم رشيد يجب عليه إخماد الفتنة قبل أن تزيد .