بقلم عبدالله محمد حسن
يحتفل العديد من الشعوب الإفريقية – ومن ضمنهم الشعب الصومالي – سنويًا بما يُسمى “عيد الاستقلال”، حيث تُقام المهرجانات وتُرفع الأعلام وتُلقى الخُطب الحماسية، في مشهد يوحي أن الاستعمار قد انتهى وأن السيادة الوطنية باتت كاملة.
لكن الواقع الذي يعيشون فيه سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، يكشف عن شيء مختلف تمامًا. فهل خرج الاستعمار فعلًا من إفريقيا؟ أم أنه غيّر وجهه فقط وبقي يتحكم في الشعوب عبر أدوات جديدة؟ وهل هذه الاحتفالات تعبير عن استقلال حقيقي، أم مجرد طقوس لتغطية التبعية المستمرة؟
أولًا: الاستعمار الكلاسيكي والاستقلال الرمزي
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت موجات التحرر الوطني في إفريقيا، ورفعت الدول الإفريقية أعلامها مكان أعلام المستعمر. حصلت على “الاستقلال القانوني”، وأصبح لها حكومات وبرلمانات ودساتير. لكن ذلك الاستقلال كان في غالبه رمزيًا أكثر ماكان فعليًا، حيث انسحب الجندي الأوروبي، لكنه ترك وراءه بنية كاملة من التبعية في كل شيء تقريبا.
ثانيًا: الاستعمار الجديد (النيوليبرالي)
الاستعمار لم يغادر من إفريقيا، بل غيّر شكله إلى ما يُعرف اليوم بـ”الاستعمار الجديد” (Neocolonialism). ويتجلى هذا في: الهيمنة الاقتصادية: الشركات الغربية ما زالت تسيطر على الموارد (النفط، الذهب، اليورانيوم، وغيرها) في بلاد مثل غرب ووسط إفريقيا.
وقواعدهم العسكرية موجودة في دول إفريقيا كالقواعد الأمريكية والفرنسية في جيبوتي والنيجر وغيرها ونحن كصوماليين للأسف باتت قوات الدول الفقيرة – الضعيفة الهشة مثل أوعندا وكينيا وإثيوبيا – مسؤلة عن أمن بلدنا وإستقراره، أليس من المهانة أن تزعم دول أجنبية – مسيحية إفريقية فقيرة ضعيفة هشة مهمتها الوحيدة عدم إستقرار بلدنا – أنهم هم من يجلبون السلام والإستقرار للبلد، ومع ذالك نحتفل بالاستقلال.
كيف نجح الاستعمار الغربي الجديد تحكم القرارات السياسية والاقتصادية للدول الإفريقية؟
رغم أن إفريقيا حصلت على استقلالها السياسي من القوى الاستعمارية الأوروبية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أن ما يُعرف بـ”الاستعمار الجديد” ظهر بشكل أكثر خفاءً وفعالية.
لم يعد المستعمر يحمل السلاح ويحتل الأرض، بل أصبح يُقرض ويُقيد ويُحاصر عبر الديون والمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وهكذا وجدت كثير من الدول الإفريقية نفسها تحت سلطة اقتصادية أقسى من الاستعمار العسكري
مع نهاية الحقبة الاستعمارية، كانت معظم الدول الإفريقية حديثة العهد بالحكم الذاتي، تفتقر إلى بنى تحتية، ونظم اقتصادية فعالة. ووجدت هذه الدول نفسها مجبرة على الاقتراض لبناء الطرق، التعليم، الصحة وغيرها. وهنا تدخلت المؤسسات الغربية بـ”حزم المساعدات”، التي كانت في حقيقتها فخاً منظماً.
فاستخدم المستعمر الغربي أدواته الاستعمارية المالية، معظم الدول الإفريقية الآن تدفع أكثر من نصف ميزانياتها لسد هذه الديون (فوائد + أقساط) . أجبروهم بأن يقللو الإنفاق على التعليم والصحة، وخصخصة الشركات الوطنية، وتحرير السوق بما يسمح للشركات الأجنبية بالهيمنة. وصار الدولار العملة المهيمنة للسوق ومعظم القروض تُمنح بعملات أجنبية، مما يجعل الدول ضحية تقلبات سعر الصرف، مثلا نحن في الصومال حاليا العملة المحلية الشن الصومالي شبه منعدم، معظم الناس يستخدمون الدولار بالبيع والشراء ، الخطة الإستعمارية تغيرت من إستعمار يفرض سيطرته بالسلاح والقوة إلى إستعمار يأسرك ويخنقك بالديون حتى تكون كلبا له يأمرك وينهاك ، ويفرض سيطرته عليك.
ثالثًا: النخب التابعة والإحتفالات المضلِّلة
كثير من النخب السياسية في إفريقيا اليوم لا تمثل تطلعات شعوبها، بل تمثل مصالح خارجية، وتمتهن إعادة إنتاج الاستعمار بوجوه محلية. ولذلك، فإن الاحتفال بالاستقلال جزء كبير منه وسيلة تضليل جماهيري لتغطية الفشل والتبعية، وترويج لوهم “السيادة الوطنية”.
رابعًا: الاستقلال الحقيقي… لم يبدأ بعد ، الاستقلال لا يعني فقط رفع العلم، بل يعني: امتلاك القرار السياسي بحرية، السيطرة على الموارد الوطنية، إدارة الاقتصاد لمصلحة الشعب ، التخلص من التبعية الثقافية والفكرية، بناء مشروع نهضوي ذاتي .
وهذه الشروط لم تتحقق بعد في معظم دول القارة، بل إن بعض الدول باتت أكثر تبعية مما كانت عليه بعد “الاستقلال”.
وأخيرا
إن عيد الاستقلال في دول إفريقيا يجب أن يكون لحظة تأمل لا لحظة احتفال. تأمل في ما تحقق وما لم يتحقق، ومحاسبة للأنظمة التي ما زالت تُدين بولائها للخارج. آن الأوان لتجاوز مرحلة “الاستقلال الشكلي” والانتقال إلى تحرر حقيقي يُنهي كل أشكال الاستعمار – سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا أو ثقافيًا. فإفريقيا لا تزال تحت الاحتلال، ولكن هذه المرة بثوب جديد… وأدوات أكثر نعومة