بقلم: عبدالله محمد حسن
مقدمة
شهد الشعب الصومالي خلال العقود الماضية موجات متعاقبة من الصراعات، الحروب الأهلية، والانهيارات الاقتصادية التي تركت البلاد في حالة من التراجع المستمر، وألقت بظلالها على كل مكونات الدولة والمجتمع. وبينما يكافح شعبنا الصومالي لإستعادة دولتهم، جاء إعلان الرئيس حسن شيخ محمود يوم أمس 23 يونيو 2025عن “المشروع الاقتصادي 2060” كخطوة طموحة لإعادة رسم مستقبل الصومال الجديد بعيداً عن دائرة الفشل والتبعية .
هذه الرؤية التي تمتد حتى عام 2060 ليست مجرد خطة تنموية اقتصادية، بل هي إعلان عن نية وطنية لتغيير مصير بلدنا الحبيب بأكمله. بعيدا عن تشكيك نوايا الرئيس وحكومته يتبادر في ذهني تساؤلات : هل تمتلك الصومال فعلاً الإمكانيات التي ستأهلها لتحقيق هذه الرؤية؟ ما هي العقبات الحقيقية التي يمكن أن تعرقل المشروع؟ وما الذي يجب فعله لضمان النجاح؟
في هذا المقال سأحاول تقديم قراءة تحليلية عميقة لهذا المشروع، وأتناول فرص نجاح هذا المشروع والتحديات الكبرى التي تواجهه، مع استعراض الأدوات والإستراتيجيات التي قد تمهد له الطريق .
أولاً: ما هو هذا المشروع ؟
المشروع الاقتصادي 2060 هو خطة تنموية شاملة بعيدة المدى أعلن عنها الرئيس حسن شيخ محمود لتكون بمثابة خارطة طريق اقتصادية وسياسية تهدف إلى تحويل الصومال الى قوة اقتصادية ضخمة ، إقليمياً ودولياً بحلول عام 2060
ثانياً: ما هي مقومات نجاح المشروع؟
لكي ينجح هذا المشروع الاقتصادي ، هناك خمسة مرتكزات أساسية لا يمكن تجاهلها
1. الأمن أولاً: لا اقتصاد بدون أمن. يتمثل التحدي الأمني الأكبر أمام المشروع في استمرار التهديدات الإرهابية، من حركة الشباب. فبدون إنهاء الاضطرابات الأمنية، سـتظل الصومال بيئة طاردة للاستثمار ومعطلة للتنمية. نجاح المشروع يتوقف على مدى قدرة الحكومة على بناء جيش وطني قوي، وتفعيل أجهزة أمنية قادرة على حماية المواطنين والمؤسسات .
2. بناء مؤسسات فعالة: النظم الإدارية في الصومال لا تزال هشة، يجب أن توفر الدولة مؤسسات حكومية قوية، شفافة، ومبنية على الكفاءة وليس على الولاءات القبلية. لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر وسط الفساد وسوء الإدارة.
3. الاستفادة من الموقع الجغرافي: الصومال تتمتع بساحل طويل على المحيط الهندي وبحر العرب، وهو موقع إستراتيجي يمكن أن يجعل بلدنا مركزاً تجارياً إقليمياً هاماً. وتطوير الموانئ والمطارات سيسمح للصومال بأن تكون بوابة للتجارة بين إفريقيا وآسيا.
4. استثمار الثروات الطبيعية والزراعية
تمتلك بلادنا مساحات زراعية خصبة غير مستغلة، وتمتلك موارد بحرية هائلة، بالإضافة إلى احتمالية وجود ثروات نفطية وغازية لم يتم استكشافها بالكامل بعد. التركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة وصيد الأسماك يمكن أن يشكل العمود الفقري للاقتصاد في المستقبل .
5. التعليم وبناء الكفاءات
لا يمكن لأي دولة أن تنهض بدون رأس مال بشري متعلم ومدرب. ونحن بحاجة إلى استثمارات ضخمة في التعليم الأساسي والجامعي، بالإضافة إلى التعليم المهني والتقني لتلبية حاجات السوق المستقبلية .
ثالثاً: ما هي التحديات التي تهدد المشروع؟
رغم أهمية المشروع، إلا أن هناك عقبات معقدة يمكن أن تعيق تحقيقه :
1. استمرار النزاعات القبلية: ما زالت هذه النزاغات تشكل أحد أبرز عوامل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلد. آلان قضية بونتلاند وجوبالاند قائمة، وغدا قد تظهرقضية نزاع جديد بوجه جديد .
2. هشاشة النظام القضائي: غياب دور مؤسسات العدالة وانتشار الرشوة تعيق بناء الثقة بين المواطن والحكومة .
3. الفساد المالي والإداري: وهو من أكبر أسباب فشل الخطط الاقتصادية في العديد من الدول الإفريقية .
4. الاعتماد على الدعم الخارجي: غالبية ميزانيات الصومال ما زالت تعتمد على المساعدات، وهو أمر غير مستدام على المدى البعيد .
5. هجرة العقول: استمرار نزيف الكفاءات الصومالية إلى الخارج ، فقدنا أهم مواردها البشرية وما زلنا نفقد .
رابعاً: ما الذي تحتاجه الصومال لكي تنجح في تنفيذ المشروع؟
يمكن تلخيص متطلبات النجاح في النقاط التالية :
1. تبني سياسة “صفر تسامح” مع الفساد
2. تشجيع عودة الكفاءات الصومالية في المهجر للمساهمة في بناء الدولة، لأن المثقفين والمهندسين والأطباء وأصحاب الكفاءات العالية غائبة عن البلد، وغيرنا هو من يستفيد من قدراتهم ونحن أحق من أن نستفيد منهم كي يساهمو في بناء البلد وازدهاره .
3. إعطاء الأولوية لمشاريع تنموية ذات أثر سريع على حياة المواطنين لأنه الشعب الصومالي ليس لديه معظم الخدمات الأساسية من الدولة والبنية التحتية مدمرة .
4. وضع نظام تقييم دوري لكل مرحلة من مراحل المشروع لضمان الاستمرارية وتحقيق الأهداف المرحلية .
خامساً: هل يمكن فعلاً أن ينجح المشروع؟
النجاح ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب التزاماً سياسياً صادقاً على مدار عقود، وليس مجرد وعود رئاسية تنتهي بانتهاء فترة حكم معينة. كما تعودنا سابقا، كل حكومة تبدأ مشروعها الخاص من جديد، والصواب هو أن نبني على إنجازاتنا السابقة بإنجازاتنا الجديدة .
لو استطاعت الدولة : تثبيت الأمن، بناء مؤسسات حقيقية، وتحقيق إصلاح إداري شامل، واستغلال الموارد بشكل عادل وشفاف، فإن الصومال قادر على أن تتحول إلى قوة اقتصادية ضخمة بحلول عام 2060، وربما قبل ذلك .
لكن في حال غياب هذه الأسس، فإن المشروع قد يتحول إلى مجرد شعار سياسي كسابقاته .
وأخيرا ،
المشروع الاقتصادي الصومالي 2060 هو فرصة تاريخية لإنقاذ البلاد من دائرة الفقر والصراع، ولكنه أيضًا اختبار صعب لقدرة الصوماليين على تجاوز خلافاتهم، والعمل من أجل مستقبل مشترك.