يسير المشهد السياسي في الصومال في الآونة الأخيرة نحو منحى غير واضح الاتجاهات والمدارات، في ظل وجود مخاوف من أن يخرج عن نطاق السيطرة ويتكرر سيناريو عام 2022م.
مع اقتراب موعد الانتخابات لا تزال الحكومة متشبثة بمقارباتها ومقاساتها حول مستقبل العملية السياسة في البلاد في وقت تتشمر المعارضة سواعدها لتوحيد صفوفها وتنويع أدواتها السياسية لممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة لدفعها نحو التراجع عن قرارتها السابقة تجاه التعديلات الدستورية والانتخابات.
في هذه المقال التحليلي نسلط الضوء على الواقع السياسي الحالي في الصومال، ومآلات الصراع بين الحكومة والمعارضة ، كما نتطرق في المقال أيضا الجهات الخارجية المؤثرة في المشهد السياسي الصومالي.
المشهد السياسي في الصومال من منظور حكومي
أكد رئيس الوزراء حمزة بري في مقابلة صحفية قبل يومين أن إيجاد توافق سياسي شامل إزاء الانتخابات المقبلة، أمر لا يمكن تحقيقه وبالتالي فالحكومة ستمضي قدما في مشروعها السياسي حول الانتخابات والتعديلات الدستوررية ، ولن يتوقف بسبب رفض سياسيين هنا وهناك، وأن البرلمان والحكومة هما الممثلان للشعب الصومالي وهما المسؤولان عن تقرير مصير البلاد. وأضاف أن كل من لديهم ملاحظات فالحكومة مستعدة لاستماع آرائهم عبر القنوات الرسمية، وأن الرئيس حسن شيخ محمود دعا إلى مؤتمر وطني في هذا الصدد.
وبناء على هذه الرؤية ، فإن الأمور ماشية على الدرب المستقيم ولا مجال للتراجع عن التعديلات الدستورية ، والعودة إلى النموذج الانتخابي السابق.
ووفق رؤية الحكومة، اتخذت خلال الأيام الماضية خطوات استثنائية نحو انتخابات عام 2026 كي تبرهن أنها جادة في قراراتها رغم العقبات وبُنيات الطريق الماثلة أمامها، ومن أبرز تلك الخطوات:
- الأعلان عن تشكيل حزب سياسي في 13 مايو الجاري يقودها الرئيس حسن شيخ محمود، ويضم عددا كبيرا من الوزراء البارزين في الحكومة الفيدرالية والولايات الاقليمية وعلى رأسهم رئيس الوزراء حمزة بري.
- تكاد اللجنة الوطنية للانتخابات الإنتهاء من عملية تسجيل الأحزاب السياسية.
- بدء المرحلة الأولى من تسجيل سكان العاصمة مقديشو ، كما ستبدأ تسجيل سكان أقاليم هيرشبيلي وجلمدغ وجنوب غرب الصومال وخاتمو، ومناطق أخرى.
- حشد الدعم السياسي الدولي والاقليمي لدعم مشروع الانتخابات
- ضمان الموارد المالية واللوجستية الضرورية من مصادر محلية لإجراء الانتخابات في عموم البلاد وخلال الوقت المحدد لها
- وبالتزامن مع هذه الترتيبات تتلقى مقاتلي تنظيم الشباب ضربات وانتكاسات على أيدي مغاوير الجيش الصومالي، وبدأت عملياتهم داخل مقديشو والمدن الكبرى بالبلاد تراجع بشكل ملحوظ الأمر الذي يساعد على إجراء الانتخابات في أهم مقاطعات البلاد، وخروج المواطنين عن بكرة أبيهم في صفوف طويلة للإدلاء بأصواتهم، وأن أكبر انجاز في التاريح الصومالي الحديث بات أقرب من حبل الوريد.
قوى المعارضة ورؤيتها حول المشهد السياسي
لا ترى المعارضة هذه المشهد الوردي الذي عرضته الحكومة، ولديها رؤية مغايرة تماما، وأن الوضع في الصومال لا يعكس سوى أن الحكومة في مأزق سياسي حقيقي يقود البلاد نحو مصير مجهول ما لم تتكاتف الجهود لإنقاذه، وذلك للأسباب التالية:
- دائرة المعارضة تتسع: تعتقد المعارضة أن مع اقتراب موعد الانتخابات فدائرة المناورة تضيق أمام الرئيس حسن شيخ محمود وخصوصا بعد انعقاد مؤتمر كبير لها في العاصمة مقديشو الأسبوع الماضي، وأنه لم يتبق من مؤيديه سوى رؤساء مجلسي البرلمان، وثلاثة من رؤساء الولايات الاقليمية الذين تتقاذفهم أمواج السياسة المتلاطمة، وتكبلهم المصالح الشخصية، الأمر الذي يجبرهم على ترحيب ما تقدم إليهم الحكومة الفيدرالية بصدر رحب ، وباع طويل والهشاشة والبشاشة، لكن وراء الأكمة ما وراءها
- التوتر داخل البرلمان: توجد حالة من التململ والتوتر داخل مجلس الشعب التي قد تنفجر في أية لحظة، وتتعالي الأصوات المنتقدة بسلوب إدارة الرئيس حسن شيخ للبلاد بشكل مطرد.
- اخفاق الحكومة في العديد من الملفات: ملفات الحرب على الارهاب، ومكافحة الفساد، وتطوير العلاقات الخارجية لم تحقق النتائج المرجوة منها ، بل أفرزت واقعا جديدا باتت أمامه كل الاحتمالات مفتوحة.
- اهتزاز ثقة المجتمع الدولي: بدأ الدعم الدولي والاقليمي يتآكل بسبب قلة الانجازات المحرزة مقارنة بالدعم المالي الذي كانت تتلقاه الصومال خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن غياب التمويل لبعثة الاتحاد الإفريقي الجديد في الصومال خير دليل على خيبة أمل المجتمع الدولي.
- خيبة أمل الشعب : تقول المعارضة إن الشعب الصومالي مصاب بالإحباط، وتعضه ناب النوائب، ويعيش في وضع معيشي واقتصادي مزر لم يسبق له قرين خلال السنوات الأخيرة، ولم يعد قادرا على الصبر على مجامر الحكومة التي باتت توظف كامل طاقتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وتركت الملف المعيشي هزيلا في أيدي ثلة من التجار الجشعين المستفيذين من علاقتهم مع حكام مفاصل الدولة المتأنقيين في الرياش والمطعم.
الأسئلة المعقدة المفتوحة
لا تصدق الحكومة تشخيص المعارصة للأوضاع في البلاد ، وتعتبره جزءا من هنات المعارضة التي تحدث عادة مع حلول موعد الانتحابات، لكن في الوقت ذاته لا تقدم إجابات تشفي الغليل عن تساؤلات يطرحها قطاع عريض من الشعب والمهتمين بالقضية والمتمثلة في .
- كيف يتحقق توافق ما بشأن الانتخابات، مع غياب بونت لاند وجوبالاند؟
- بم تواجه الحكومة ضغوط المجتمع الدولي المتزايدة الداعم الرئيسي للصومال أمنيا واقتصاديا؟
- كيف يمكن للحكومة أن تلبي مطالب الشعب العادلة، الأمن، والاستقرار السياسي، والعدالة الاجتماعية في ذروة الاضطرابات السياسية في البلاد؟
- ماذا سيكون قرار الرئيس في حال إنتهاء فترة ولايته ولم يتم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية أو لم يتم الاتفاق علي خارطة طريق حولها ألا يدخل البلاد في فراغ دستوري أم سيطالب بالتمديد من البرلمان؟
- قد يوافق البرلمان وقد لا يوافق. والاحتمال الأول أكثر ترجيحا، وفي حال وافق على التمديد كيف سيكون رد الشعب ورد فعل قوى المعارضة؟
- وفي حال قررت المعارضة الرد بشكل عنيف هل ستقابل الحكومة بالحلول الأمنية ؟ ألا يدخل البلاد في منعطف خطير؟.
إلى أين تتجه الأزمة؟ …مسارات الحلول المتوقعة
المسار الاول: الجهود المحلية. دعا الرئيس حسن شيخ محمود إلى مؤتمر حوار وطني في 15 من الشهر الجاري في العاصمة مقديشو لدعم الجهود الجارية للقضاء على الارهاب، ولإجراء الانتخابات في موعدها، وأن المجتمع الدولي مارس ومازال ضغطا من أجل عقد هذا الحوار. وفي حال عقد هذا المؤتمر وحضره جميع الأطراف السياسية ذات العلاقة بما فيها رئيس ولاية بونت لاند سعيد ديني، ورئيس ولاية جوبالاند أحمد مذوبي فإن هناك فرصة كبيرة لتحقيق التوافق أو على الأقل لتهدئة المشهد ولو مؤقتا. بيد أن انعقاد هذا المؤتمر يلفه غموض كبير. وذكر لي مصدر مطلع بأن بأن المؤتمر سيشارك فيه فقط طيف واسع مع المجتمع الصومالي في الداخل والخارج بما فيهم بعض قوى المعارضة المعتدلة ، ولا يشارك فيه يعض رؤساء الولايات الاقليمية، وكذلك شخصيات المعارضين البارزين.
يواجه الرئيس في هذا الشأن أربعة تحديات كبرى:
١- قضية جوبالاند: من الصعب أن يتراجع الرئيس حسن شيخ محمود عن قراراته السابقة بشأن جوبالاند ويدعو رئيس الولاية أحمد مذوبي للمشاركة في الحوار الوطني. وأما إذا غاب أحمد مدوبي لا شك فإن هذا الأمر سيقلل فرص نجاح الحوار، وقد يمكن أيضا أن يتسبب غيابه غياب أطراف أخرى قد ترى حضوره ضروريا لانجاح المؤتمر
٢- قضية بونت لاند: فيما يبدو هناك خلاف شخصي بين الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس ولاية بونت لاند سعيد ديني وأن الأخير يتبنى معادلات سياسية معقدة، ويتطلع إلى تدويل القضية ولا يمكن وفق مصادر مقربة منه أن يشارك في مؤتمر يرأسه الرئيس حسن شيخ محمود
٣ – ملف التعديلات الدستورية والانتخابات.
هذا الملف يعد من أعقد الملفات وأن الحكومة الفيدرالية قطعت شوطا كبيرا في هذا المرمى، وأن المعارضة ترفض هذه الخطوات جملة وتفصيلا وليست مستعدة لخوض انتخابات تمت على أساس معايير معدة سلفا ولا تفزر إلا نتيجة واحدة كما هو معروف في انتخابات بعض دول عالم الثالث وبالتالي من الصعوبة بمكان الاتفاق على صيغة معينة دون تدخل من المجتمع الدولي
٤- المعارضة ورؤساء بعض الولايات الاقليمية: لا يمكن للرئيس حسن شيخ محمود أن يقبل في أي حال من الأحوال جمع قوى المعارضة البارزين وجميع رؤساء الولايات الاقليمية في مؤتمر واحد ويعتبرها فخا خطيرا إذا وقع فيها لن يخرج منها سالما.
ثانيا: المسار الاقليمي والدولي
الحكومة والمعارضة يتبنيان رؤيتين مختلفتين وخصوصا بعد لقاء كمبالا الأخير حول مستقبل القوات الافريقية في الصومال الذي شارك فيه الرئيس حسن شيخ محمود وعدد من رؤساء الدول العاملة قواتها ضمن قوة بعثة الاتحاد الافريقي، وذكرت مصادر مطلعة أن الأطراف المشاركة في هذا المؤتمر طرحت على الحكومة الصومالية ضرورة ايجاد حل للخلافات السياسية في الصومال في أسرع وقت ممكن لئلا يكون ذلك مبررا لتأخر الحصول على التمويل اللازم لقوات الاتحاد الإفريقي. وأضافت المصادر أن الزعماء حددوا لغاية شهر يوليو للتوصل إلي اتفاق، وكلفوا الرئيس الأوغندي يووري موزسفيني بمتابعة هذا الملف . وهذا يعني على الحكومة الفيدرالية أن تتقدم بخطوات ملموسمة لحل القضايا السياسية العالقة قبل هذه الفترة. بيد أنها تغرد بعيدا عن هذا السرب، وتشدد على أن زمن الإملاءات الخارجية قد انتهى وأن الصومال دولة مستقلة وعضو في مجلس الأمن ولن تقبل أي قرار يمس سيادتها وكرامة شعبها، وأنها هي الممثلة الشرعية للشعب الصومالي ولن ينطلي عليها ما لا يخدم لمصالحه العليا دون الاشارة إلى معالجتها لمطالب رؤساء الولايات بضرورة إيجاد وساطة خارجية بسبب انعدام الثقة مع الحكومة الفيدرالية وقطع العلاقات معها.
في الختام
مما ينخرط في سلك هذا الموضوع أن الحكومة الفيدرالية ما لم تبادر اليوم إلى مراجعة سياساتها بشأن الانتخابات والتعديل الدستوري من أجل الحصول على توافقات وتفاهمات تفضي في نهاية المطاف إلى انتخابات تقودها الحكومة بنفسها دون تدخل محلي أوخارجي، فإن البديل قد يكون واحدا من سيناريوهين إثنين:
السيناريو الأول: أن تنجح الحكومة في لي ذراع المعارضة بالقوة أو عبر الوسائل الناعمة وتفتيت تحالفاتهم والقيام بتمديد فترة ولاية الرئيس والبرلمان
السيناريو الثاني : أن يكون البلاد على شفا فوضى عارمة مما يستدعي إلى تدخل خارجي يفرض على الرئيس حسن شيخ محمود إلغاء قراراته السابقة وتعيين رئيس وزراء جديد يقود المفاوضات مع الفرقاء السياسيين ومن ثم الاتفاق على صيغة توافقية لتنظيم الانتخابات المقبلة.