اختفت الحركات الإسلامية في الصومال كجماعات سياسية منظمة عن الساحة السياسية منذ عام 2007 ، عقب دخول القوات الإثيوبية التي كانت تدعم الحكومة الصومالية إلى العاصمة مقديشو ، وانصهرت شخصياتها البارزة في القوى السياسية المدنية الأخرى بإستثناء تنظيم أهل السنة والجماعة الذي كان نشطا سياسيا وعسكريا في العاصمة مقديشو والاقاليم الوسطى والجنوبية ، وكاد في فترة من الفترات أن يصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية الصومالية بعد تمكنه من هزيمة حركة الشباب في منطقة جلمدغ، ودوره الكبير في طرد مقاتلي الحركة من مقديشو ، وفرض نفسه بقوة في الساحة العسكرية والسياسية، لكنه اختفى عن الساحة إثر خلافات مع الحكومة المركزية في عهد الرئيس محمد عبد الله فرماجو، ومغادرة قياداته البارزة إلى خارج البلاد في منفى اختياري.
في الوقت الحالي، ظهر التنظيم في الواجهة، وعادت قياداته من المنفى، ويحاول ترتيب نفسه عبر إعادة تشكيل إدارته السياسية والعسكرية، وتحشيد قاعدته الشعبية من خلال تنظيم اجتماعات ومهرجانات جماهيرية في طول البلاد وعرضه ، وأعلن التنظيم قبل أيام عن تشكيل حزب سياسي يشارك في الإنتخابات المقبلة، في خطوة رآها البعض بالمفاجئة، وعاملا جديدا قد يربك المشهد، ويخلط أوراق الشخصيات السياسية المهيمنة على الساحة السياسية الصومالية منذ سنوات، لأن التنظيم يتمتع بقاعدة شعبية لافتة، و يحظى تأييدا كبيرا لدى طيف واسع من المجتمع الصومالي، وخصوصا لدى الحركات الصوفية المتنشرة في مختلف المناطق الصومالية، ولديه شخصيات سياسية بارزة ومعروفة في الساحة السياسية مؤيدة له داخل الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية، والقوى السياسية المعارضة، وبالتالي يتوقع أن يكون خلال الأيام المقبلة واجهة سياسية جديدة تمثل الطبقة الوسطى، والطبقات الأكثر فقرا من المجتمع الصومالي، وخيارا جديدا قد يكون بديلا عن الشخصيات السياسية التي تهيمن المشهد، ويحقق مفاجآت في الانتخابات المزمع جراؤها في البلاد العام المقبل.
الدوافع ودلالات التوقيت
أن يظهر هذا التنظيم في هذا التوقيت لم يكن أمرا متوقعا خصوصا بعد أن فقد سيطرته الأمنية والسياسية على منطقة جلمدغ، وإعلان اندماجه بإدارة جلمدغ عام 2019 بضغط من الحكومة الفيدرالية في مقديشو آنذاك، وأن عودته في هذا الوقت إلى المشهد السياسي يمكن تفسيرها بثلاثة أسباب رئيسية:
- الجهود الجارية للقضاء على حركة الشباب: كان تنظيم أهل السنة والجماعة من المجموعات المسلحة التي حارب ضد تنظيم الشباب وحقق انتصارات مهمة في هذا الإطار وبالتالي يرى البعض أن الحكومة المركزية تقف وراء ظهور تنظيم أهل السنة والجماعة في المشهد السياسي من جديد ، وأنها تريد استعانتها في الحرب على حركة الشباب. كما أنها تسعى إلى ضم تنظيم أهل السنة والجماعة في صفوفها والحصول على دعمه في المواجهة المقبلة مع القوى السياسية المعارضة قبل وأثناء الانتخابات المقبلة
- يرى البعض الآخر أن عودة التنظيم إلى المشهد السياسي جاء اسستباقا لتحركات سياسية يخططها شخصيات بارزة من الطرق الصوفية في الصومال ضمن تحالف عريض سيتشكل قريبا يسعى إلى لعب دور رئيسي في السباق الرئاسي المقبل
- يمكن أن يستخدم تنظيم أهل السنة والجماعة كورقة ضغط أمام رئيس ولاية جمدغ الحالي أحمد قور قور
الحظوظ والفرص
وفق المعطيات على الأرض أن تنظيم أهل السنة بشكله الحالي يفتقر إلى مقومات النجاح، ومن الصعب أن يحقق فوزا في الانتخابات المقبلة وذلك للأسباب التالية:
- أن القيادة التقليدية لتنظيم أهل السنة والجماعة تفتقر إلى الكاريزما، ولاترغب في تقديم شخصيات سياسية تتمتع بالكاريزما، قادرة على قلب الموازين ، وتحقيق مفاجآت في الانتخابات المقبلة إلى الواجهة ، وإذا أقدمت على هذه الخطوة ستزيد فرصها في المشهد السياسي وفي الانتخابات المقبلة
- وجود تيارات صوفية منافسة يتوقع أن تظهر في الساحة السياسية خلال الشهور المقبلة
- غياب الدعم المالي الكبير الضروري للخوض في الانتخابات المقبلة التي يتوقع أن تكون مشابهة للانتخابات الماضية التي أجريت على أساس المحاصصة القبلية
- دورها الضعيف في الحكومات الإقليمية الأعضاء في الحكومة الفيدرالية، وعلاقاتها غير الجيدة مع رؤساء تلك الولايات والتي تمتلك عادة اليد العليا في انتخابات أعضاء البرلمان الفيدرالي الذين سيتخيون الرئيس.
مهما يكن الأمر ، فإن عودة التنظيم إلى المشهد السياسي الصومالي سيزيد سخونة الأوضاع السياسية في البلاد وخصوصا في ظل وجود قوى سياسية مؤثرة تحاول دفعه إلى إدلاء دلوه في المشهد، والمشاركة في لي عنق قوى آخرى صاعدة.