الحوار الوطني المقترح… الأهمية والنتائج المتوقعة وأبرز العقبات

في يوم الأحد الماضي، فاجأ الرئيس حسن شيخ محمود الجميع  في خطاب رئاسي وجهه عبر التلفزيون الرسمي للشعب الصومالي بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك،  بالدعوة إلى حوار وطني لطالما أصرت المعارضة على ضرورة انعقاده لمواجهة التحديات السياسية والأمنية الراهنة، تشارك فيه -كما قال الرئيس- القوى السياسية، والقيادات المجتمعية لبحث ومناقشة ملفين يعتبران من أعقد الملفات التي تعرقل مسيرة السلام والتنمية في الصومال، وهما،  الحرب على الارهاب الذي بات هذه الأيام يحتل على واجهة الأحداث في البلاد وخصوصا بعد أن تمكن مقاتلو حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة من إعادة السيطرة على  مناطق تم تحريرها العام الماضي على أيدي الجيش الصومالي،   وعملية إعادة بناء الدولة الصومالية على أسس ديمقراطي راسخ والتي لم تحقق حتى الآن رغم كل الجهود المحلية والاقليمية والدولية المبذولة في هذا الصدد إلى نتائج ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب.

 حظيت دعوة الرئيس حسن شيخ محمود، ردود أفعال واسعة النطاق، وترحيبا ملفتا للنظر من مختلف شرائح المجتمع،  وكافة الأطياف السياسية ، ورموز المعارضة، والقيادات المجتمعية، ولكنهم طالبوا في الوقت ذاته بإنعقاد المؤتمر في أسرع  وقت ممكن ودون مماطلة، نظرا للظروف السياسية والأمنية الملحة في البلاد، وأن يكون الحوار شاملا ومفتوحا لجميع القوى السياسية من الموالاة والمعارضة، لتكون مخرجاته ناجزة ، وذات مصداقية،  وتحظى بتوافق الجميع، بالإضافة إلى تقديم مزيد من التفاصيل حول أجندة المؤتمر ومحاوره،  وعدم وضع أية عراقل قد تحول دون مشاركة  أطراف سياسية لا يمكن الاستغناء عنها في الجهود الجارية لتذليل العقبات أمام عملية بناء الدولة الديمقراطية  أو مناقشة المواضيع المثيرة للجدل ذات الصلة.

يتفق الجميع على أهمية الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس حسن شيخ محمود سواء من حيث التوقيت والدلالة الرمزية، والمواضيع المتوقع طرحها ، ولا ينكر أحد بأنه جاء في الوقت المناسب، وأنه يمثل نافذة أمل للخروج من المأزق السياسي  الحالي الناجم عن مشروع الرئيس حسن شيخ بشأن التعديلات الدستورية، والانتخابات الرئاسية والتشريعة المقبلة التي لا يزال يصر  الرئيس على أن تكون شعبية مباشرة بالرغم من التحديات الراهنة، والمعارضة الواسعة لهذا المشروع. كما أنه يمثل فرصة لإيجاد حل لملف الحرب على الارهاب الذي أثقل كاهل الحكومة الصومالية خلال العاميين الماضين، وبدأ يستنزف مقدرات الدولة الضئيلة أصلا.

برهن الرئيس حسن شيخ محمود على أنه قائد منجّذ ومجرب، وشخصية برغماتية، وغير متشبثة بآرائها كما يراه البعض، وأنه ليس شخصية منفصلة عن الواقع ، بل هو مطلع على ما يجري في بلاده، ومعترف بحقيقة وخطورة التحديات الأمنية الماثلة أمامه ، وبالتالي يؤكد الرئيس في خطابه الأخير على أن الطريق الصحيح والوحيد لتجاوز تلك التحديات هو التكاتف والتعاضد وهذا لن يتحقق الا عبر التشاور والمشاركة الواسعة في القرارات المصيرية، وبناء على ذلك دعا  الرئيس إلى هذا المؤتمر  الذي أتوقع بأنه سيحقق نتائج في غاية الأهمية تبدد مخاوف الشعب الصومالي،  وتعيد الأمور إلى مجاريها الصحيحية، وتعطي دفعة قوية للعمية الأمنية الجارية للقضاء على تنظيم الشباب والتنظيمات المتطرفة الأخرى.

أتوقع أن يفرز الحوار الوطني في حال تم انعقاده ، وشاركت فيه جميع القوى السياسية بدون أقصاء أحد ومع نوايا صادقة إلى النتائج التالية:

  1. إعادة الثقة بين الحكومة المركزية والقوى السياسية الأخرى المعارضة التي انتابها الاهتزاز خلال العاميين الماضيين ، وخصوصا بعد أن صادق البرلمان على بعض تعديلات أجريت على بنود الدستور  الموقت
  2. الاتفاق على صيغة معنية لإجراء الإنتخابات المقبلة التي لم يتبق من موعد اجرائها سوى عام واحد قد تحفظ ماء وجه الحكومة المصرة على تنظيمها وفق نظام الإقتراع المباشر، وترضي في ذات الوقت القوى السياسية المعارضة  التي تؤكد على أن عاملي الوقت والظروف الأمنية الراهنة ليسا لصالح الرئيس والحكومة الحالية وأنهما لا يمسحان باجراء انتخابات مباشرة حرة ونزيهة وفي ظل أجواء توافقية
  3. اتخاذ موقف موحد ازاء الحرب على الارهاب،  والاتفاق على حملة شاملة للقضاء على الارهاب وتحقيق مشاركة واسعة تضم المعارضة في هذه الحملة وخصوصا فيما يتعلق بإقناع القبائل على المشاركة في الحرب على تنظيمي الشباب وداعش
  4.  تشكيل حكومة انقاذ وطنية تعمل من أجل تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه

في هذا السياق ، لكن لا بد من الإشارة إلى وجود عقبات كبرى تحول دون انجاح الحوار  الوطني وتحقيق هذه النتائج وحتى أن البعض يشكك في إمكانية انعقاده، وحضور جميع القوى الفاعلة في الساحة السياسية نظرا لتباعد المواقف، ويعتقدون أن دعوة الحوار لم تأت بقرار صومالي بحت وانما بسبب ضغوط من قبل المجتمع الدولي، ولكني لا أعتقد ذلك  ومن أبرز تلك العقبات:

  1.  غياب الثقة بين الحكومة المركزية وبعض القوى المعارضة ولاسيما بين الحكومة المركزية ورئيسي ولاية جوبالاند أحمد مذوبي ، وبونت لاند سعيد ديني . هذه الثقة المهتزة بلغت إلى مدى خطيرة يصعب ترميمها أو عادة بناءها وأن الأمر يحتاج إلى جهود مضنية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين وايجاد حلول للقضايا محل الخلاف.
  2.  صعوبة أن ينزل الرئيس حسن شيخ محمود من الشجرة التي اعتلاها؛ لأنه متمسك منذ ما يقارب 3 سنوات بضرورة إجراء الانتخابات على نظام الاقتراع المباشر وبالتالي من الصعب أن  ينحني الرئيس أمام ضغوط المعارضة ويتراجع عن قرارات أجازها البرلمان ويراها مطلب شعبي وحق قانوني. وفي المقابل لا يمكن لقوى المعارضة أن توافق على المشروع السياسي للرئيس الذي يرونه أن الهدف منه ايجاد المبررات اللازمة لتمديد فترة ولاية الحكومة الحالية. وبالتالي القضية لا يمكن أن تحل خلال جلسة أو جلستين من الحوار الوطني وانما تتطلب إلى مزيد من النقاشات لتذليلها والتوصل إلى اتفاق يحظى بقبول جميع الأطراف
  3.  سقف مطالب المعارضة العالي . بدأت المعارضة في الآونة الأخيرة إلى رفع سقف مطالبها المقتصرة في الوهلة الأولى على تصحيح قرارات الحكومة بشأن الانتخابات والتعديل الدستوري ، لكن اليوم مع اقتراب موعد انتهاء فترة ولاية الرئيس حسن شيخ محمود فإنها تطالب من الرئيس أن يضع الكرة في وسط المعلب ، والا يتفرد بتقرير مصير الانتخابات، وأن تكون كل القرارات المتعلقة بها  شأن جماعي يجب أن تشارك فيه جميع القوى السياسية
  4. تسييس ملف الحرب  على الارهاب.  هذا الملف لا يقبل التسييس وأن العملية الأمنية الجارية في الوقت الحالي تفتقد إلى عوامل كثير قد تساعد الحكومة والجيش على تحقيق انتصارات حاسمة ومن أبرزها  أربع نقاط رئيسية تتمثل في:
  5.  ايجاد رؤية عسكرية وطنية حقيقية تحظى برضى جميع المكونات السياسية الفاعلة، وجميع الحكومات الاقليمية الأعضاء في الحكومة الفيدرالية
  6. تعيين القيادات العسكرية على أساس الكفاءة وليس على أساس الولاء 
  7. كسب  ولاء القبائل الكبرى ودفع أبناءها إلى المشاركة في الحرب ضد تنظيم الشباب
  8. أن يكون الحرب على  حركة الشباب شاملا وأن ينطلق من جميع الجبهات مرة واحدة

 في الختام يجب على الجميع إعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة والإرتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه البلاد، وتقوده نحو مزيد من التفكك والوقوع في أيدي التنظمات المتشددة، وأن طيفا واسعا من الشعب الصومالي يعلق آمالا عريضة على حنكة وحكمة الرئيس حسن شيخ محمود وأنهم يثقون بقدراته على إنهاء الخلافات السياسية الراهنة عبر الحوار والاقناع.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى