القاهرة: صفاء عزب
في تصريح رسمي لكبير الاقتصاديين في البنك الدولي قال بيدرو سيردان-إنفانتيس: “في حين يواجه قطاع التعليم مصادرَ خطيرةً لعدم المساواة، بما في ذلك تفاوت الجودة والنتائج، شرعت كينيا في إصلاحاتٍ طموحة لمعالجة قضايا الجودة ونأمل أن تُفضي هذه الإصلاحات إلى نتائج أفضل لجميع الأطفال، وخاصةً الفتيات والأطفال الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة.”
على خلاف كثير من الدول النامية والإفريقية التي تعاني من ارتفاع نسبة الأمية، فإن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة في كينيا يبدو مرتفعًا مقارنةً بدول المنطقة حيث تصل نسبة من يجيدونها ما يقرب من 80% من السكان وذلك وفقا لما كتبه هولي نيلسن، بمركز التعليم في وسط اسكتلندا، ومركز التعليم في لندن.
هذا ويُعد التعليم في كينيا حقًا أساسيًا لكل مواطن كيني، وتسعى الحكومة الكينية جاهدة لتوفير فرص تعليمية عالية الجودة لجميع الطلاب. وعلى الرغم من إعطاء المسؤولين الكينيين الأولوية للتعليم، إلا أن التعليم العام الكيني يعاني نقصا في المرافق والمعلمين وغالبًا ما يكونون مدربين تدريباً سيئاً والفصول الدراسية المكتظة والنتائج السيئة. ويبلغ العجز في المعلمين أكثر من 90,000. وحتى أمر عام 2022 بتعيين 30,000 معلم جديد، تم توظيف ما يكفي فقط ليحل محل المتقاعدين أو الذين تركوا المهنة. ويمثل نقص البنية التحتية تحديًا لم تواجهه الحكومة على مر السنين، ولازال بعض المتعلمين يواصلون حضور الدروس تحت الأشجار!
يتكون النظام التعليمي الوطني الكيني من ثلاثة مراحل مقسمة ما بين ثماني سنوات من التعليم الابتدائي الإلزامي تبدأ من سن السادسة، وأربع سنوات في المرحلة الثانوية، وأربع سنوات في التعليم العالي. تُوفر الحكومة التعليم الابتدائي والثانوي مجانًا. ويشترط الالتحاق بالمرحلة الثانوية الحصول على شهادة التعليم الابتدائي الكينية بعد اجتياز امتحان وطني. قبل جائحة كورونا، بلغ معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية على مستوى البلاد ٩٣٪؛ ومع ذلك، فإن 63% فقط من الفتيان الكينيين و68% من الفتيات يكملن تعليمهن الابتدائي، و53% فقط يلتحقون بالمدارس الثانوية. وفي حين أن كينيا قد حققت التكافؤ بين الجنسين على مستوى المدارس الابتدائية، فإن القليل من الفتيات يكملن تعليمهن الثانوي بالكامل بسبب العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك حالات الحمل بين المراهقات والزواج المبكر والفقر ونقص الإرشاد.
النظام التعليمي الكيني تفصيليا
شهد النظام التعليمي في كينيا تطورا منذ عام 1985 باعتماد منهج تعليمي على غرار أوغندا يجمع بين التعليم الحكومي الرسمي والخاص يعتمد 8 سنوات من التعليم الابتدائي، و٤ سنوات من التعليم الثانوي، و٤ سنوات من التعليم الجامعي. واعتمدت كينيا التعليم الابتدائي المجاني عام ٢٠٠٣، وهي سياسة زادت من الحضور بنسبة تقارب 40% خلال أربع سنوات، من 5.9 مليون طالب في عام 2003 إلى 8.2 مليون طالب في عام 2007 وهي مرحلة في سن السادسة. وأصبح التعليم في المدارس الحكومية مجانيًا وشاملًا وإلزاميًا، بينما يُقسم التعليم الثانوي بين المدارس الحكومية، والمدارس الخاصة (التي لا تتلقى تمويلًا كاملًا من الحكومة)، والمدارس الخاصة التي تديرها منظمات وأفراد من القطاع الخاص (والتي غالبًا ما تعتمد على نظام التعليم البريطاني).
وتتمثل الجهات الحكومية والدولية الرئيسية الفاعلة في النظام التعليمي في كل من وزارة التعليم الكينية، ووزارة التعليم العالي والعلوم والتكنولوجيا الكينية، ومعهد كينيا للتعليم، والمجلس الوطني الكيني للامتحانات، ولجنة خدمات المعلمين، ومعهد إدارة التعليم الكيني، وبرنامج إليميكا (برنامج لإدارة التعلم يهدف إلى جمع الأفكار وراء التدريب عبر الإنترنت)، ومنظمة اليونيسف في كينيا، ومنظمة اليونسكو في كينيا.
ويوجد منهج دراسي موحد في جميع أنحاء البلاد، ويشمل اللغة الإنجليزية، واللغة السواحيلية، المحلية، والرياضيات، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، والتربية الدينية، والفنون الإبداعية، والتربية البدنية، ومهارات الحياة. وتُعقد الامتحانات في خمس مواد: اللغة السواحيلية، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم والزراعة، والدراسات الاجتماعية.
وتوجد في كينيا العديد من المدارس الدولية خاصة في المدن الكبرى وهي تعتمد على مناهج دراسية دولية وتقدم خدمات تعليمية عالية الجودة.
التعليم الثانوي:
يأتي التعليم الثانوي بعد مرحلة التعليم الإلزامي ومدته 4 سنوات تنقسم إلى مرحلتين، مدة كل منهما سنتان. في نهاية السنة الرابعة، يتقدم الطلاب لامتحانات تُديرها الهيئة الوطنية الكينية للتعليم الثانوي (KNEC)، والتي تُؤهلهم للحصول على شهادة كينيا للتعليم الثانوي (KCSE) ويُستخدم هذا الامتحان أيضًا للقبول في الجامعات والتدريب في مؤسسات التعليم العالي الأخرى في المجالين التقني والمهني.
يمكن لحاملي شهادة KCPE الذين لم يلتحقوا بالمدارس الثانوية الالتحاق بالمعاهد الفنية للشباب، والتي تُعدّ الطلاب لاختبارات التجارة الحكومية، ويلتحق أقل من 50% من طلاب المرحلة الابتدائية بالمدارس الثانوية.
توجد ثلاثة أنواع من المدارس الثانوية في كينيا: الحكومية، والخاصة، ومدارس “هارامبي”. يلتحق الطلاب الحاصلون على أفضل الدرجات في شهادة KCPE بالمدارس الحكومية الوطنية، بينما يميل الطلاب ذوو الدرجات الأقل إلى الالتحاق بمدارس على مستوى المقاطعات والمناطق. لا تتلقى مدارس “هارامبي” تمويلًا كاملًا من الحكومة، وتديرها المجتمعات المحلية. تميل هذه المدارس إلى أن تكون أقل انتقائية من المدارس الحكومية.
العديد من المدارس الخاصة ذات انتماءات دينية، وعادةً ما تُقدم مناهج ومؤهلات بريطانية، أو أمريكية في حالات نادرة. كما يُقدم العديد منها المنهج الكيني. تُقدم مراكز التعليم غير النظامي تعليمًا أساسيًا للأطفال غير القادرين على الالتحاق بالتعليم النظامي، وخاصة في المناطق الحضرية والريفية الفقيرة.
يُعيد الطلاب الذين يفشلون في الامتحانات السنة الدراسية النهائية أو يتابعون التعليم الفني والمهني، إما في المدارس الثانوية الفنية التي تمتد لأربع سنوات، أو في المدارس المهنية التي تمتد لثلاث إلى خمس سنوات. منذ عام ٢٠١٠، أصبح خريجو المدارس الثانوية الفنية مؤهلين للالتحاق بالجامعة.
في أول عامين من التعليم الثانوي، يدرس الطلاب ما يصل إلى 13 مادة دراسية. يُضيَّق هذا العدد إلى ثمانية مواد في العامين الأخيرين، مع ثلاثة مواد أساسية وإلزامية يدرسها جميع الطلاب: الإنجليزية، السواحيلية، والرياضيات. يجب على الطلاب أيضًا دراسة مادتين علميتين، ومادة إنسانية واحدة، أو إما مادة علمية تطبيقية واحدة، أو مادة تقنية واحدة. تعتمد المواد الدراسية المُقدَّمة على كل مدرسة وما يُمكنها تقديمه من موارد تعليمية ومعلمين. يُختبر الطلاب في أربع مجموعات دراسية لامتحان شهادة الثانوية العامة (KCSE) المواد الدراسية الثلاث في المجموعة الأولى (اللغة الإنجليزية، والسواحيلية، والرياضيات) إلزامية. الدرجة النهائية في امتحان KCSE هي متوسط الدرجات المحققة في أفضل ثمانية امتحانات مواد. في حال اجتياز الطالب لأكثر من ثماني مواد، يُحسب متوسط الدرجة بناءً على أفضل ثماني درجات. يُشترط الحصول على درجة نهائية (C+) للالتحاق بالجامعة، مع أن بعض الجامعات الحكومية تشترط درجات أعلى. أما القبول في البرامج التي تُؤهل للحصول على الشهادات والدبلومات في المعاهد التقنية، فيتطلب الحصول على متوسط (D+) أو (C-) على التوالي.
التعليم المهني:
في المرحلة الثانوية، يمكن للطلاب الالتحاق ببرامج حرفية وتجارية لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، مما يؤدي إلى التوظيف أو مواصلة التعليم.
في مرحلة ما بعد الثانوية، يمكن للطلاب الالتحاق ببرامج مهنية متقدمة في المعاهد والكليات والمعاهد الوطنية.
تقدم المعاهد الوطنية برامج شهادات ودبلومات ودبلومات عالية في مختلف المجالات التقنية. كما تقدم كليات التعليم العالي برامج شهادات لمدة عامين ودبلومات لمدة ثلاث سنوات. وتسهم كذلك معاهد التدريب التقني بتقديم تدريب على مستوى الحرف والدبلومات، وتقدم معاهد التكنولوجيا برامج تتراوح بين سنتين وأربع سنوات في مجموعة من المجالات التقنية.
قطاع التعليم العالي:
شهد قطاع التعليم العالي في كينيا توسعًا هائلاً في السنوات الأخيرة. فبينما لم يكن هناك سوى خمس جامعات حكومية في عام 2005، ظهر ما يزيد عن 22 جامعة، في ظل خطط لإنشاء ما يصل إلى 20 جامعة حكومية جديدة يقع العديد منها في مناطق محرومة من الخدمات، ولا يزال نقص المحاضرين يُعيق تطوير معايير الجودة، ويؤدي إلى ارتفاع مُستمر في نسبة الطلاب إلى أعضاء هيئة التدريس.
ويعود هذا النمو في قطاع الجامعات بشكل رئيسي إلى تطوير الكليات القائمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك 17 جامعة خاصة و14 كلية تابعة لجامعات حكومية وخاصة. كما حصلت 14 مؤسسة أخرى على تفويض مؤقت للعمل. وتتمتع جميع هذه المؤسسات بسلطة منح الشهادات الأكاديمية. وتوجد في كينيا جامعات مرموقة تحظى بسمعة جيدة على مستوى إفريقيا، مثل جامعة نيروبي، كما توجد جامعات كينية تحصل على تصنيفات جيدة على مستوى إفريقيا.
بالتزامن مع نمو عدد الجامعات، شهد عدد الطلاب المسجلين نموًا هائلاً. وتشير أرقام التسجيل لعام 2014 إلى أن عدد الطلاب المسجلين في الجامعات في جميع أنحاء كينيا بلغ 443,783 طالبًا، أي أكثر من ضعف عدد الطلاب المسجلين في عام 2012.
ولكن هذا العدد تزايد بوضوح حيث بلغ عدد طلاب الجامعات الكينيين 563 ألف طالب خلال العام الدراسي 2022-2023 . وكان هناك حوالي 215,000 طالب مسجلين في مؤسسات خاصة. في القطاع غير الجامعي، يدرس الطلاب في المعاهد التقنية والمهنية العامة والخاصة، والكليات (كليات المعلمين والطب)، وغيرها من مؤسسات التعليم والتدريب المهني والتقني (معاهد التدريب التقني، ومعاهد التكنولوجيا، والكليات التقنية والمهنية). عادةً ما تتراوح مدة البرامج المقدمة في هذه المؤسسات بين سنتين وثلاث سنوات، وتُمنح خلالها شهادات ودبلومات ودبلومات وطنية عليا.
وتتولى هيئة التعليم الجامعي ترخيص واعتماد ومراقبة معايير الجودة على مستوى الجامعة وتشرف هيئة التعليم والتدريب التقني والمهني، التابعة لوزارة التعليم، على المؤسسات والبرامج في المجال التقني والمهني وتصدر جميع الكشوفات الأكاديمية الرسمية باللغة الإنجليزية، وهي اللغة الرسمية. كما تصدر جميع الشهادات والدبلومات باللغة الإنجليزية أيضًا.
تحديات تعليمية في المناطق الفقيرة
وبنظرة تحليلية لوضع التعليم في كينيا نجد هناك تفاوتا كبيرا بين المتعلمين في المناطق الحضرية والمقتدرة اقتصاديا، وبين الذين يعيشون في المناطق الريفية والفقيرة. وتكشف الأرقام أنه من بين كل عشرة أطفال من الأسر الفقيرة يفشل تسعة في إكمال الصف الثامن، علما بأن عدد سكان العاصمة نيروبي 3 ملايين نسمة، يعيش نصفهم في ظروف الأحياء الفقيرة. كما تأثر حوالي 17 مليون طالب وأكثر من 320 ألف معلم بإغلاق 30 ألف مدرسة ابتدائية وثانوية بسبب انتشار وباء كورونا عام 2020. كما كشفت الجهود المبذولة لتوفير التعلم عن بعد عن فجوة رقمية كبيرة، حيث تم استبعاد أكثر من 50٪ من الطلاب، ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص الأجهزة الإلكترونية المناسبة، والوصول إلى الكهرباء والاتصال بالإنترنت.
كما حدث تراجع في مستوى الإنفاق الكيني على التعليم فبعد أن كان يشكل 5.19% من الناتج المحلي عام 2000 تراجعت نسبة الإنفاق إلى 4% عام 2022.
وترتفع كثافة الفصول في المناطق الفقيرة حيث يصل عدد الطلاب بالفصل الواحد إلى 100 طالب، وكثيرًا ما يتشارك خمسة طلاب في مقعد واحد. كما أن غياب التعليم الثانوي المجاني في الأحياء الفقيرة يعني استبعاد العديد من الشباب هناك من التعليم بعد سن الرابعة عشرة. ومن ثم ينشأ آلاف الشباب في كينيا من الأحياء الفقيرة دون أمل ودون الفرص والمهارات التي من شأنها أن تمكنهم، رغم كل الصعاب، من كسر دائرة الفقر واليأس.
وبناء على ما سبق يمكن تحديد أهم المشكلات المزمنة التي تواجه النظام التعليمي في كينيا وعلى رأسها نقص الموارد المالية والبنية التحتية وارتفاع كثافة الفصول الدراسية بشكل كبير وعدم حصول المناطق الفقيرة والريفية على حقها في التعليم بنفس القدر الذي تتمتع به المناطق الأفضل حالا، بجانب تسرب الطلاب من التعليم.
مبادرات تعليمية
في مواجهة هذه التحديات التي تواجه قطاع التعليم في كينيا توجد مشروعات ومبادرات للمساهمة في تطوير التعليم منها مشروع مؤسسة الأغاخان للخدمات التعليمية في كينيا وهي ذات طبيعة خاصة لاتقتصر على تقديم خدمات تعليمية فقط وإنما تقوم بأدوار مجتمعية كما توفر برامج تعليمية للممرضات والأطباء المتخصصين والمعلمين والصحفيين والمراسلين في كينيا.
كما يوجد برنامج مدارس 2030 والذي يهدف إلى إيجاد حلول تعليمية مبتكرة ومناسبة لظروف الكينيين وتساعد في تحسين نتائج التعلم لجميع الطلاب. وهو برنامج يبدأ من مرحلة الطفولة وصولا للشباب بهدف إعدادهم لسوق العمل.
وهناك مبادرات دولية تعاونت فيها كينيا مع منظمات دولية مثل البنك الدولي لتنفيذ مشروعات لتحسين جودة التعليم وتوسيع نطاقه. كما تتعاون كينيا مع دول مثل مصر في مجال تبادل الخبرات في تطوير التعليم العالي.
وختاما:
يُعتبر التعليم في كينيا متقدمًا نسبيًا مقارنة ببعض دول الجوار، و على الرغم من السعي لتطوير التعليم لكنه يعاني في ذات الوقت من تحديات كثيرة وتحاول الحكومة الكينية مواجهتها من خلال مشروعات ومبادرات تعليمية تتعاون فيها مع جهات خارجية لكنها محاولات غير كافية في ظل المشكلات الحالية.
وتحتاج كينيا إلى العمل على تحسين جودة تدريب المعلمين وزيادة المنح الدراسية والمساعدات المالية للطلاب إلى جانب الاهتمام بزيادة توجه الاستثمار نحو المشروعات التعليمية والبنى التحتية اللازمة للعملية التعليمية وتحسين مستواها وجودتها.
.