المسلسلات الصومالية المعاصرة والمواضيع التي تعالجها .. قراءة نقدية تحليلية

تبث مجموعة قنوات “بلي ميديا” الإعلامية، حلقات الجزء الأول لمسلسل “محتوم/ Ma huraan” منذ ال ٥/مارس_ آذار الجاري/٢٠٢٥م.

ووفقا للمقدمة الإعلانية لهذا المسلسل وللحلقات الثلاثة الأولى التي بثت حتى الآن، فإن أحداثه تدور حول التحرش الجنسي وابتزاز العاملات واستغلال الموظفات، آثار الهجرة غير الشرعية إلى الخارج وانعكاساتها السلبية _النفسية والبدنية_ على المهاجرين، وذويهم في الداخل، فضلا عن معاناة المقيمين في الداخل، من انعدام للأمن وانتشار للبطالة، وتدهور للأوضاع الصحية، وما ينتج عن ذلك من ظروف حياتية قاسية.

ويأتي هذا المسلسل بعد بث مجموعة قنوات “أصل” الإعلامية، عبر تطبيق “مريح/نسيي Nasiye” _أحد الروافد الإعلامية لقنوات “أصل”_ الجزء الأول من مسلسل “الخلية/الشبكة SHABAKADDA”، من إنتاج شركة “مسرح” للأفلام.

ووفقا لما تم عرضه حتى الآن من حلقات الجزء الأول، فإن أحداث مسلسل “شبكدا”، تدور حول عدة ظواهر اجتماعية يعايشها سكان العاصمة “مقديشو”، مثل: وجود عصابات تعمل على سرقة الأعضاء البشرية والاتجار بها ولها نفوذ في المؤسسات الحكومية، أو لديها من يتعاون معها داخل هذه المؤسسات، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطرق سلبية ولأغراض سيئة مثل الإساءة إلى المؤثرين والتشهير بهم لأغراض سياسية و تنافسية على الرتب والمناصب، التنافس بين الزملاء في أماكن العمل لدرجة الإيعاز بالمسؤولين وعرقلة النجباء من أداء أعمالهم، وما إلى ذلك.

وبما أن الفن وسيلة من وسائل التعبير وأداة من أدوات التواصل بين الشعوب والأفراد، فإن الفن في الصومال له دور بارز في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، بل إن الأدب الصومالي الذي يعد جزءا من أشكال الفنون الصومالية، يلعب دورا كبيرا في التعبير عن الواقع الصومالي وتوعية المجتمع.

ومنذ أن انتشرت الفضائيات الصومالية في العقد الماضي ، ظهرت أعمال درامية وأدبية على شكل أفلام قصيرة ومسلسلات مطولة، بتأليف وتمثيل صومالي، الأمر الذي يعد بحد ذاته منقبة لهذه المسلسلات التي زاحمت الأفلام والمسلسلات الأجنبية المترجمة والمدبلجة، التي قد لا تتوافق بعض محتواها ومشاهدها مع ثقافة المجتمع الصومالي المحافظ وتقاليده الدينية والاجتماعية.

إن المتابع لهذه المسلسلات، يلاحظ أنها قد حققت للمشاهد الصومالي، المتعة والتسلية، إلى جانب معرفة الكثير مما يدور حوله من التجاوزات والانتهاكات بقالب النصح والمساعدة والتضامن.

غير أن هذه المسلسلات، تبدو لقطاع من المجتمع، بأنها عبارة عن غزو ثقافي جديد على ثوابت الأمة الصومالية وتقاليدها الاجتماعية المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف.

وخير مثال لذلك، الضجة التي أحدثت العام الماضي، عندما بثت قنوات بلي ميديا الإعلامية، المقدمة الإعلانية لمسلسل “طالب/أردي ARDAY”، الذي اعتبرته بعض المؤسسات التعليمية، اعتداء عليها وعلى عملها، حيث يصورها المسلسل كمنبع للفساد الأخلاقي والديني، وبؤرة لانتشار المخدرات وتعاطيها، واتخاذ الأصحاب من الجنس الآخر، فضلا عن ممارسة العنف لطلابها خارج المؤسسة وداخلها.

طالبت هذه المؤسسات حينها بمنع عرض هذا المسلسل “المسيء إليها وإلى طلابها” _حسب تعبيراتها_عبر مؤتمرات وبيانات صحفية في العاصمة “مقديشو”، غير أن الجهات المعنية بالقضية لم تتجاوب مع هذه المطالب، وبالتالي تم عرض الجزء الأول من هذا المسلسل الذي لم يجانب الواقع في معظم مشاهده، بينما سجلت لدى البعض مبالغات في عرضه للقضايا السلبية الواقعية.

وعموما، فإن هذه المسلسلات بحد ذاتها، تعتبر نقطة إيجابية، في تطوير الحوار الوطني وتعكيس القضايا الوطنية والاجتماعية، لكن ذلك لا يمنع من انتقادها نقدا بناء، بالابتعاد في عرضها وتقديمها عن كل ما يخدش بثقافة المجتمع الصومالي ويتعارض مع ثوابته الدينية، إلى جانب الابتعاد أيضا، عن أي محاولة لتعزيز ظواهر سلبية نادرة في المجتمع والمبالغة فيها، وتصويرها على أنها أمر طبيعي وواقع معاش.

زر الذهاب إلى الأعلى