تتسم العلاقات بين المملكة العربية السعودية والصومال بطبيعة خاصة تسودها المودة والمحبة وروح التعاون والتضامن حول القضايا محل الاهتمام المشترك. وهي علاقات وطيدة منذ فترات بعيدة حتى ما قبل تحرر الصومال عن الاحتلال الإيطالي عام 1960. شهدت ملامح من المواقف السعودية الداعمة لدولة الصومال منها مشاركة المملكة في مؤتمرات المصالحة بين الأطراف الصومالية المتنازعة والتي استضافت أحدها في جدة عام 2007 وأعادت فتح سفارتها في العاصمة الصومالية عام 2021. كما كانت هناك زيارات عدة للرئيس الصومالي للسعودية لمناقشة القضايا المهمة المشتركة، سبقتها زيارة تاريخية للملك فيصل إلى الصومال عام 1962. ويعد التجاور الصومالي السعودي الجغرافي في منطقة لا تخلو من الصراعات والاضطرابات الجيوسياسية التي لها انعكاساتها المباشرة على حركة التجارة البحرية والأمن الإقليمي له أثره الكبير في توطيد العلاقة. كما يعد الموقع الجغرافي المهم للصومال والمؤثر في حركة التجارة ونقل البضائع عبر الممرات المائية، حافزا كبيرا لدى المملكة للاهتمام الكبير بتعزيز علاقتها به، وفي هذا الإطار يجمع بين البلدين الإفريقي والأسيوي العضوية المشتركة في مجلس الدول العربية والإفريقية التي تطل على البحر الأحمر وخليج عدن.
وتأتي العلاقات الاقتصادية تتويجا مهما للعلاقات السياسية الطيبة بين البلدين وهي علاقات ترتبط كثيرا بالأمن الملاحي لمنطقة البحر الأحمر الحيوية والتي تنعكس بشكل مؤثر على حركة التجارة شاملة الصادرات والواردات التي ترد عبر المعابر والممرات المائية في تلك المنطقة المهمة جدا باعتبارها رابطا بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
وتشهد العلاقات الاقتصادية بين الصومال والمملكة العربية السعودية تطورا كبيرا عبر محطات متنوعة شملت تعاونا في مجالات مثل الطاقة والتبادل التجاري والمساعدات الإنسانية والتنموية، إلى جانب أنشطة سياسية لها انعكاساتها الاقتصادية منها القمة السعودية الإفريقية. كما صدر بيان مشترك عام 2024 في ختام زيارة الرئيس شيخ محمود للمملكة السعودية تم التأكيد فيه على الحرص على استمرار العمل المشترك لتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. كما لعبت المملكة دورا مهما في مساعدة الصومال على تسوية ديونه المستحقة بما فيها ديونه لصندوق التنمية السعودي من خلال إعادة هيكلة هذه الديون. وهو أمر لاشك يعطي دفعة قوية للاقتصاد الصومالي. كما تدخلت السعودية لدعم الصومال في صندوق أوبك للتنمية حيث يدين الصومال له بمبلغ 36 مليون دولار قبل أن تقدم الحكومة السعودية قرضا مرحليا للصندوق.
ملامح العلاقات الاقتصادية الصومالية السعودية
للوقوف على اتجاهات العلاقة الاقتصادية بين الصومال والمملكة وملامحها يمكن الاعتماد على بعض المؤشرات التي تعطي ملامح لتقييم الوضع الحالي وإمكانية التنبؤ بالمستقبل وهي تشمل حجم الاستثمارات والتبادل التجاري الثنائي والتعاون في مجال الطاقة وحجم المساعدات المقدمة. ويمكن تناولها بشكل أكثر تفصيلا كالتالي:
- الاستثمارات السعودية
على الرغم من الظروف الصعبة التي مر بها الصومال خلال فترات الصراع السياسي الداخلي، إلا أنه يسعى بشكل كبير لجذب الاستثمارات العربية وخاصة السعودية في مجالات كالزراعة والثروة الحيوانية والسمكية وغيرها من القطاعات الاقتصادية الصومالية التي تشكل فرصا واعدة لمن يدخل فيها ومنها قطاعات الموانئ والخدمات اللوجيستية والنقل وتطوير سلاسل التبريد المرتبطة بالاقتصاد الأزرق. وكان وفد من الصندوق السعودي للتنمية قد وصل مؤخرا إلى مقديشو برئاسة السيد سلطان المرشد الرئيس التنفيذي للصندوق بناء على دعوة رسمية من وزير المالية الصومالي السيد بيحيى عفه. وتمت مناقشة الفرص الاستثمارية الواعدة في الصومال والمشروعات ذات الأولوية التي تحتاج لاستثمارات كبرى وهي تشمل الاستفادة من الموارد الطبيعية الغنية التي يزخر بها الصومال. كما قدمت الحكومة الصومالية خططا تفصيلية للمشروعات المدرجة ضمن “الخطة الوطنيةللتحول” التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة بناء البنية التحتية. ووفقا لإحصاء 2023 بلغ رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر 1.7 مليون ريال سعودي ما يشكل ارتفاعا بنسبة 116.1 % بالمقارنة بالعام السابق والتي بلغت 774.9 ألف ريال سعودي.
- التبادل التجاري
تشهد التجارة بين الصومال والسعودية تطورا ونموا ملحوظا حيث يمثل قطاع الثروة الحيوانية جانبا أساسيا في حركة الصادرات الصومالية للمملكة. ويعد عام 2022 من الفترات التي شهدت ازدهارا غير مسبوق في حركة التجارة بين البلدين التي سجلت ارتفاعا وصل إلى 105%. وهي مؤشرات تعكس وضع السعودية الهام كشريك تجاري هام. وتصدر المملكة للصومال سلعا متنوعة بينما تستورد من الصومال الثروة الحيوانية بشكل أساسي. وفي بيان تفصيلي خلال أكتوبر 2024 صدرت المملكة السعودية منتجات بقيمة 12.1 مليون ريال سعودي إلى الصومال وتضمنت قائمة الصادرات بشكل رئيسي الفواكه والثمار الصالحة للأكل والحمضيات والألبان ومنتجاتها والبيض والعسل. وخلال نفس الفترة بلغت واردات المملكة من الصومال 55.6 مليون ريال سعودي بما يمثل 1.% من إجمالي وارداتها في ذات التوقيت. وأسفر ذلك عن عجز في الميزان التجاري بمقدار 43.5 مليون ريال سعودي.
وعلى مدار عام 2023 كله بلغت قيمة صادرات المملكة إلى الصومال 149.6 مليون ريال سعودي تضمنت 31.7 مليون ريال سعودي فواكه وثمار وقشور حمضيات، وما قيمته 19.6 مليون ريال سعودي منتجات ألبان وبيض وعسل بجانب 18.5 مليون ريال سعودي لدائن ومصنوعاتها. وخلال نفس العام بلغت قيمة واردات المملكة من الصومال 1.1 مليار ريال سعودي مسجلة ارتفاعا قدره 115.3 % مقارنة بالعام السابق وتصدرت الحيوانات الحية القائمة بما قيمته مليار ريال سعودي وفواكه وقشور حمضيات بمبلغ 18.5 مليون ريال سعودي وصموغ وراتنجات وغيرها من العصارات النباتية بمبلغ 1.9 مليون ريال سعودي.
- مجالات تعاون إضافية
تشهد العلاقات الاقتصادية تنوعا في الأنشطة والمجالات المشتركة بين البلدين منها في مجال الكهرباء والصحة والتعليم والمياه والبنية التحتية والأمن الغذائي والطرق والفنادق وغيرها من المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
- التعاون في مجال الطاقة
بحكم الخبرة الكبيرة للملكة في مجال الطاقة توجد علاقات تعاون مهمة للصومال حديث العهد بهذا النوع من الثروات المكتشفة لديه حديثا والذي يستفيد فيها من التجارب السعودية. كما تعتبر الطاقة المتجددة من المجالات الواعدة للتعاون الثنائي المشترك. كما يوجد تعاون لكفالة استقرار أسواق الطاقة العالمية.
- المساعدات التنموية الإنسانية
تسهم المملكة بجهود كبيرة في مجال الدعم التنموي والمساعدات الإنسانية ولها أياد بيضاء كثيرة في هذاالصدد. وفي مطلع العام الجاري دشنت السعودية عددا من المشروعات الإغاثية التابعة لمركز الملك سلمان للإغاثة في الصومال.
كيفية تعزيز وتقوية العلاقات الاقتصادية الصومالية السعودية
لاشك أنه بالنظر لهذه العناصر نجد أنها تؤكد على وجود فرص كبيرة مستقبلية لزيادة قوة وتطوير العلاقات الاقتصادية بين الصومال والمملكة العربية السعودية خاصة مع تنوع أوجه تلك العلاقة وتكرار الزيارات وحرص الطرفين على تعزيزها وتقوية أواصرها.
ولكن مع ذلك يمكن تحقيق المزيد من التطوير في العلاقات الاقتصادية الصومالية السعودية من خلال الآتي:
- تشجيع الاستثمارات السعودية بالصومال
لاشك أن الصومال بحاجة ملحة لزيادة حجم الاستثمارات الدولية الكبرى على أرضه لإعطاء دفعة قوية لاقتصاده وهو ما يتطلب خلق بيئة محفزة للاستثمار خاصة ما يتعلق بالاشتراطات والمحفزات وكذلك توفير الأمن والأمان لحماية رأس المال. ويمكن منح المستثمرين السعوديين مزايا خاصة لتشجيعهم على الاستثمار في الصومال. كما يمكن إنشاء صناديق استثمارية مشتركة لتمويل المشروعات ذات الطبيعة التنموية في مجالات الطاقة المتجددة والثروة السمكية والحيوانية.
- توفير بنية تحتية
بطبيعة الحال يستلزم تشجيع جذب الاستثمارات السعودية والأجنبية عموما للصومال ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية وتطويرها وعلى رأسها المطارات وشبكات الطرق والمياه والكهرباء.
- زيادة التبادل التجاري
ويتحقق ذلك من خلال الحرص على تنويع الصادرات والواردات حتى يتسنى له أن يتضمن سلعا وخدمات لها قيمة مضافة أكبر. وتيسير الإجراءات الجمركية لتسهيل حركة التجارة بين البلدين وتنشيط الفعاليات الاقتصادية التي تتيح فرصة الترويج للاستثمار في الصومال ومزاياه.
- تعزيز التعاون في مجال الطاقة
يمكن للصومال أن يفتح قنوات اتصال مع المملكة السعودية للاستفادة من خبراتها في مجال الطاقة بكافة أنواعها واستغلال ذلك في افتتاح مشروعات كبرى للاستفادة من المقدرات التي يتمتع بها الصومال بشكل اقتصادي يعود بالنفع على شعبه.
- دعم التعاون المؤسسي
لاشك أن التقاء المسؤولين الكبار بمؤسسات الدولة مع نظرائهم في المملكة وإتاحة الفرصة للتعاون بين المؤسسات يسهم في دعم وتقوية الروابط بين البلدين ويفتح آفاقا جديدة تصب في صالح الجميع.
وختاما:
فإن المؤشرات الواقعية تؤكد على وجود تفاهمات مشتركة بين الصومال والمملكة العربية السعودية لتثمين علاقاتهما الاقتصادية وتطويرها مستقبلا من خلال التعاون وتبادل الخبرات والمزايا والمقدرات الاقتصادية التي تسهم في دفع خطط التنمية المستدامة لدى البلدين. وعلى الصومال أن يستثمر المناخ السياسي الودي مع شقيقته السعودية في جني مزيد من الثمار الاقتصادية في الفترة المقبلة.