القاهرة: صفاء عزب
استقلت إريتريا عن الحكم الإثيوبي في الرابع والعشرين من مايو لعام 1993 وأصبحت بموجب ذلك دولة ذات سيادة وعاصمتها أسمرة وتقع على البحر الأحمر يحدها من الجنوب إثيوبيا ومن الجنوب الشرقي جيبوتي ومن الشمال والغرب السودان. ويوجد بها عدد من العرقيات منها التيجريني بنسبة 50% والتيجراي والكوناما بنسبة 40% يليها العفر 4% والساهو بنسبة 3%. ولذلك تتعدد فيها اللهجات المحلية وهي العفر والتيجري والكوناما والساهو إلى جانب اللغة العربية.
تعد إريتريا من الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة القرن الإفريقي بحكم تموضعها الجغرافي الحيوي في الربط بين الشرق الأقصى والقارة السمراء. وهي تقع في طريق الحرير البحري الصيني بعد ارتباطها بمبادرة الحزام والطريق. كما توجد روابط بحرية من إريتريا إلى أمريكا اللاتينية مرورا بتنزانيا وجنوب إفريقيا. وهي أحد الأضلاع الثلاثة الموقعة على التحالف المصري الصومالي الإريتري الذي تزعمته مصر لمواجهة النفوذ الإثيوبي في المنطقة ومحاولاته المتكررة في استفزاز جيرانه.
على الرغم من أن الظهور الرسمي لإريتريا كدولة ذات سيادة مستقلة كان مع إعلان انفصالها عن إثيوبيا عام 1993 إلا أنها موجودة كمنطقة في القرن الإفريقي منذ القدم وكانت تخضع لمملكة أكسوم الإثيوبية حتى القرن الثامن الميلادي، قبل أن تخضع لسيطرة الإمبراطورية العثمانية في القرن السادس عشر، ثم لحكم مصر فيما بعد وهي الخطوة التي تلاها قيام إثيوبيا بضمها ومحاولة احتوائها تحت لوائها للحفاظ على نافذة ساحلية وحيدة لها على البحر الأحمر من خلال إريتريا. ورغم كل المحاولات الإثيوبية، نجحت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا في تحقيق الاستقلال عن إثيوبيا في ظل ظروف إقليمية خاصة ساعدت في هذا النجاح. وتأسست أول حكومة إريترية مستقلة برئاسة أسياس أفورقي رئيس الحزب الحاكم والذي استطاع بموجب ذلك السيطرة على كل مفاصل الدولة الوليدة حتى الآن.
ولا تعرف إريتريا الحكم الديمقراطي بسبب سيطرة الرئيس أفورقي على كل الاختصاصات والصلاحيات سيما بعد تجميد الدستور تحت مبرر الحرب مع إثيوبيا، فبجانب توليه رئاسة الدولة، يرأس أفورقي الحكومة وكذلك مجلس الدولة والمجلس الوطني.
وعاش الشعب الإريتري حياة سياسية مقيدة ومهددة بالاعتقالات والتضييق الأمني بسبب القبضة الحديدية للنظام ومنعه من ممارسة الأنشطة التي تتيح التعبير عن الرأي والمشاركة في بناء الوطن وهو ما أفرز ظاهرة هروب الشباب من رياضيين وغيرهم وامتد الأمر لهروب الدبلوماسيين أيضا منهم سفراء لبلادهم في نيجيريا والسودان والصين والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وذلك في سوابق خطيرة تكشف حجم المعاناة الداخلية من تردي الأوضاع السياسية في إريتريا وانتفاء العدالة والديمقرطية بحسب ما ورد على لسان السفراء الهاربين في تصريحات إعلامية.
ومنذ نشأتها الرسمية كدولة مستقلة دخلت إريتريا في صراعات إقليمة مع جيرانها بسبب بعض الخلافات كان في مقدمتها صراعها الذي وصل لحد الحرب مع إثيوبيا بسبب النزاع الحدودي بين البلدين، والتنافس المحموم بينهما على بسط النفوذ على منطقة القرن الإفريقي حتى تم توقيع اتفاق السلام عام 2018 بعد ظهور أبي أحمد على الساحة السياسية الإثيوبية. كما دخلت إريتريا في صراع مع السودان لاتهامها بضلوعها في مخطط لفصل شرق السودان عن غربه. ولم تسلم جيبوتي من الاستفزاز الإريتري وتوغل القوات الإريترية في الأراضي الجيبوتية ووصل الأمر لحدوث مواجهات بين البلدين حتى تدخل الاتحاد الإفريقي داعيا الطرفين إلى ضبط النفس.
وعلى المستوى الدولي نجد علاقة إريتريا بالغرب متوترة وغير مستقرة ولازالت العقوبات مفروضة عليها من مجلس الأمن في محاولة لمحاصرتها والضغط عليها لتقويض منافستها لإثيوبيا الحليفة الغربية سواء لأوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.
ويتسم الاقتصاد الإريتري بالضعف حيث يعتمد على تصدير المواد الخام والموارد المعدنية والماشية، كما تقتصر الصناعات عندها على الأطعمة المحفوظة والمنسوجات. من المنتجات الزراعية تنتج إريتريا التبغ والبن والقطن والخضروات بجانب الأسماك. ومن المواد المعدنية تنتج النحاس الأحمر والذهب والزنك والمنجنيز مع احتمالات فرص التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط.
على المستوى الأمني تعاني إريتريا من مشكلات أمنية خطيرة في مقدمتها انتشار الصراعات العرقية والدينية بسبب حالة الاحتقان الناتجة عن الممارسات الحكومية الإقصائية القائمة على التمييز العرقي والديني لاستغلال الموقف سياسيا. ويرتبط بذلك النهج الحكومي القائم على اضطهاد المعارضين والتضييق الأمني عليهم في ظل انتفاء المناخ الديمقراطي الذي يسمح بحريات وحقوق سياسية. ويضاف إلى ذلك خطر الجماعات الإرهابية والمسلحة التي تستغل الطبيعة الجغرافية من جبال وخلافه للاختباء فيها.
باختصار يمكن وصف إريتريا بالجمود على كل المستويات منذ نشأتها ولكن هل لازال الوضع على ما هو عليه أم أن الفترة الأخيرة بما شهدته من تطورات دولية وإقليمية تشي بانفراجة في الأفق بما يحمل الأمل للإريتريين في التغيير؟!
أولا الوضع السياسي:
لاشك أن المرحلة الحالية تشهد متغيرات منها اختفاء تلك المهددات الخارجية التي كان لها دور كبير في الوضع الاستثنائي الذي شهدته البلاد خلال العقدين الماضيين، كما تفككت العزلة الدولية التي كانت مفروضة على إريتريا بشكل يتيح لها ثقل أكبر في دورها الإقليمي ودخولها في علاقات مع قوى مهمة دولية مثل الصين وروسيا، وإقليمية كما حدث في التحالف الثلاثي الذي عقدته إريتريا مع الصومال ومصر نهاية عام 2024. كما تغير الموقف الأمريكي الذي كان معاديا لها وبدأ الإعلان عن نية أمريكية لتغيير علاقتها مع إريتريا وتطبيعها بعد أن كانت تنظر لأسمرا على أنها مصدر القلق والتوتر في منطقة القرن الإفريقي. وكانت واشنطن قد أصدرت الوثيقة الإستراتيجية الخاصة بإريتريا التي حملت توجهات إيجابية تجاه أسمرا في نوفمبر 2023 وهو ما يعكس التغير المشار إليه في البيئة الدولية بجانب الإقليمية.
وفقا لهذه المتغيرات فلابد أن تكون لها انعكاساتها على النهج الإريتري وسياساته بشكل عام، وذلك لما تمثله هذه المتغيرات من ضغوط على نظام أفورقي وكذلك محفزات أيضا تدفعه بجدية نحو تغيير النهج السياسي القديم خاصة مع ارتفاع أصوات الاعتراض والتذمر من القوى السياسية وكذلك كوادر النظام التي تدعو إلى التجديد.
ومع ذلك فإن المراقبين الإريتريين لا يبالغون في تفاؤلهم بحدوث هذا التغيير حيث يتوقعون أن يتم التغيير مظهريا لا جوهريا بإعداد دستور يكرس لسيطرة النظام ويدعم الحزب الواحد بعيدا عن المطالب السياسية لقوى المعارضة مع استغلال وتعبئة قوى اجتماعية من القطاع المدني لتكون قاعدة للحزب بجانب الجيش. وقد يكون التغيير الوحيد هو غياب أفورقي عن المشهد بحكم سنه الذي قارب ثمانية عقود ولكنه قد يرتبط بإضافة مادة تكرس للتوريث. وهنا تثار المخاوف من توابع غياب قبضة أفورقي وتأثير ذلك على احتمالات الفوضى والصراع الداخلي والحرب الأهلية بين القوميات المتصارعة خاصة مع عدم وجود مؤسسات قوية ونظام ديمقراطي يكفل الانتقال السلمي الهادئ للسلطة. كما تزداد المخاوف من التدخلات الخارجية واستغلال وضعية الفراغ السياسي في حالة غياب أفورقي عن المشهد السياسي لتكريس الفرقة تحقيقا للأجندات الخاصة بكل فريق مما يهدد بحدوث الانهيار الكامل للدولة الإريترية. وهي مسألة ستكون لها تأثيرات خطيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي لارتباطها بأمن البحر الأحمر أحد ممرات التجارة العالمية الهامة.
ثانيا الوضع الاقتصادي:
يعتمد اقتصاد إريتريا على الزراعة كمورد أساسي والتي تشكل ما يقرب من 30% من الصادرات السلعية الأساسية وتوفر سبل العيش لما يقرب من 75% من السكان. ومع ذلك يمثل هذا الاعتماد مشكلة للاقتصاد الإريتري في حالة حدوث تقلبات مناخية لتأثيرها على الإنتاج الزراعي.
ويعيش حوالي نصف السكان تحت خط الفقر منهم 80% يتركزون في المناطق الريفية المعتمدة على الزراعة. ووفقا لتقديرات 2019 بلغ الناتج المحلي الإجمالي ما يقرب من 6.42 مليار دولار.
كما تقوم الحكومة ببعض الإصلاحات والتنمية الاقتصادية من خلال التجارة التي يمتلكها الجيش. وهناك تحديات كبيرة يعانيها الاقتصاد الإريتري لفترة طويلة منها انخفاض النمو الاقتصادي والبطالة وارتفاع معدلات التضخم التي انعكست سلبيا على القدرة الشرائية للمواطنين. وفي عام 2018 تم تعليق العملة المحلية “الناكفا” بشكل مفاجئ وهو ما كانت له آثار سلبية على الاقتصاد المحلي والشحن الداخلي والتجارة المحلية. ومن ناحية أخرى أثرت العقوبات الدولية المفروضة على إريتريا، لانتهاكها حقوق الإنسان، بشكل خطير على الأوضاع الاقتصادية.
ويتسم الوضع الاقتصادي بغياب التخطيط وافتقاد الكفاءات في ظل الاعتماد على الولاء السياسي وهو ما انعكس سلبا على مستوى الخدمات العامة وزيادة مستويات الفقر بين أفراد الشعب الإريتري مما يسبب مزيدا من التوتر. كما تواجه الحكومة الإريترية قيودًا مالية تحد من قدرتها على الاستثمار في التنمية الاقتصادية.
ثالثا الأوضاع الأمنية:
يعد الوضع الأمني في إريتريا شديد التعقيد ويصل لحد الخطورة في بعض الأحيان وذلك لعدة عوامل بعضها داخلي والبعض الآخر خارجي كالتالي:
- عوامل داخلية
لا شك أن التنوع العرقي في إريتريا يجعلها شديدة الحساسية للمشكلات والخلافات والنزاعات الداخلية القائمة على العرق، وعندما ترتبط بمشكلات سياسية تتعلق بالحريات وحقوق الإنسان، تزداد احتمالات اشتعال الأحداث بما يعكر صفو الأمن. ويرتبط ذلك أيضا بما تفرضه الحكومة الإريترية من رقابة مشددة والحد من الحريات حيث يفقد الأفراد الثقة والإحساس بالأمان، إضافة إلى مشكلة التجنيد الإجباري غير المحدد المدة والذي يعرض الشاب لمصير مجهول حيث لا يعرف توقيت انتهائه من مهام الجندية، وهو ما يدفع الشباب للهروب بحثا عن مستقبل أكثر أمانا في بلاد أخرى.
- عوامل خارجية
يعد الوضع على الحدود من العوامل التي تؤثر على أمن البلاد وهو ما يرتبط بعلاقة إريتريا الخارجية بالجيران والتي كثيرا ما تهتز كلما أثيرت أية خلافات مثل نزاعها الحدودي مع جيبوتي. ويرتبط بذلك أيضا تورط إريتريا في صراعات إقليمية مثل الصراع في إقليم تيجراي الإثيوبي والذي أثر سلبا على استقرار المنطقة، وهو ما أدى إلى تعرض إريتريا لعقوبات دولية كما توجد تحديات خارجية خطيرة أخرى تتعلق بجرائم التهريب حيث تعتبر إريتريا منطقة عبور لعمليات تهريب البشر والأسلحة، مما يسهم في زعزعة الاستقرار الأمني.
وختاما:
بطبيعة الحال فإن إريتريا تتمتع بمزايا عديدة يمكن استغلالها لتحسين وضعها منها الموقع الاستراتيجي الذي يشكل أهمية استراتيجية تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. وهو ما يستلزم أيضا تحسين العلاقات الإقليمية لكفالة الاستقرار والأمن الداعم لجني ثمار التعاون الاقتصادي.
ورغم التحديات الداخلية والاقتصادية المواجهة لها، يمكن لإريتريا العمل على استغلال مواردها الطبيعية خاصة الذهب والنحاس والزنك، لتطوير التنمية الاقتصادية وتحقيق قفزات ترفع مستوى معيشة الشعب.
وعلى الصعيد السياسي يحتاج النظام الإريتري إلى وضع استراتيجيات متكاملة لعلاج عناصر الأزمة وإتاحة الفرصة لمشاركة قوى المعارضة وأهل الكفاءات. كما يجب عمل إصلاحات سياسية لتصحيح الأوضاع التي تنتفي مع العدالة والحقوق والحريات الإنسانية.
كما يوجد دور مهم على المعارضة الإريترية في الخارج بتطوير خطابها السياسي والتركيز على الأولويات التي يحتاجها الوطن بعيدا عن الشعارات السياسية والخلافات الأيديولوجية أو نقد النظام. وهناك فرص إيجابية أمام المعارضة لاستغلال التطورات الدولية والدعم الإقليمي لطرح قضية بلادهم في المحافل الدولية.