قوى المعارضة والمسار الانتخابي في الصومال(2)  

المقدمة

تشتد سخونة حمى المشهد السياسي، والجشع الحكومي مع اقتراب موعد كل استحقاق انتخابي في الصومال.  من ناحية، تبدأ المعارضة معولة على عامل الوقت بممارسة جملة من الضغوط  على  الحكومة المركزية المحاطة أصلا بفيض من التحديات الحاسمة، وتطالب منها بإظهار قدر كبير من الشفافية،  والعدالة، والتشاركية وخصوصا فيما يتعلق بالقوانيين المنظمة للإنتخابات الملقية ظلالا من الشك على مدى جدية الحكومة في تحقيق النزاهة والحرية، لمنع تكريس نظام انتخابي ضامن للرئيس الحالي وحده الفوز في الانتخابات دون غيره،  وممهد  له الطريق نحو العودة إلى السلطة لفترة رئاسية جديدة.

 ومن ناحية ثانية، مواقف الرئيس لا تلين عادة مع حلول موعد الانتخابات ، ولا يتحلى الا بمزيد من التشدد ، والتشبث بمقاربات يراها منطقية ، وقابلة للتطبيق ، إيمانا منه بأن كل ما تقوم به المعارضة من تحركات لا تمت لمصلحة الشعب الصومالي بصلة.

برأي الرئيس، فالشعب لا تنطلي عليه الدعايات والتحريض السياسي المبثوثة من قبل المعارضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الهدف من دعواتها تقويض الإنجازات المحرزة  خلال الأعوام الماضية في الأصعدة كافة، ليس إلا، وانتزاع السلطة منه بدون  وجه حق .

الأ أني أعتقد  رغم التصريحات النارية المتبادلة،  والمواقف المتشددة  المهيمنة على المشهد السياسي الصومالي، أن الحكومة والمعارضة ستتوصلان في آخر المطاف إلى إطار معين لتجاز الأزمة، وأن الرئيس حسن شيخ محمود لن يتمكن من تمديد فترة ولايته دون توافق عريض، ولن ينجر إلى ورطات خطرة في ظل الاستنفار السياسي ، وتنامي الأصوات الشعبية المعارضة له، والتململ الموجود في أوساط أرباب الفكر ، ورجال الظل، بل سيقبل الجلوس مع المعارضة، وتقديم تنازلات بشأن الانتخابات  وعلى قاعدة أنا أربح وأنت تربح.

 نتساءل  في هذا التقرير عن واقع المسار الانتخابي الذي طرحته الحكومة وفرص نجاحه في ظل اليقظة السياسية المتصاعدة. كما نبحث عن واقع  قوى المعارضة ،  حجمها وتشكيلاتها،  وأوراقها ذات المفعول والتأثير القوي لإحداث تغيير في رؤية الحكومة المركزية بشأن الانتخابات، وقدرتها على عرض توجه جيوسياسي أكثر ديناميكية وحيوية.

المسار الانتخابي الحكومي :  الماضي والراهن والمرتجى

قرار الرئيس حسن شيخ محمود  الرسمي واضح لا عشوة فيه،  هو إجراء الانتخابات المقبلة عبر الاقتراع المباشر.  وأعدت الحكومة جميع الأدوات القانونية  لتحقيق ذلك ، بينها قانون الانتخابات والتنظيمات السياسية الذي صادق عليه البرلمان  في 23 نوفمبر عام 2024  الا أن الطريق غير واضح تماما ، والوقوع في خطأ الحسابات وارد؛ لأن شرط التوافق على الذهاب نحو انتخابات مباشرة ووفق النظام الإنتخابي الجديد غائب. يعتبر هذا الشرط وأحد من أهم الشروط الضرورية لتنظيم انتخابات في البلدان الهشة أو الخارجة من الحروب الأهلية مثل الصومال للإبتعاد عن أي ذريعة من شأنها أن تؤدي إلى سلسة من التفكك والانقسام، وللحيلولة دون طغيان فئة على حساب فئة أخرى.

شهد الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1968 ، وشارك في هذه الانتخابات 88 حزبا،  لكن بعد سنوات قليلة، تلاشت آمال الشعب في اختيار قيادته بنفسه ،  وذلك إثر اغتيال الرئيس عبد الرشيد شرماركي والاطاحة بالنظام المدني عام 1969 كنتيجة لما رافق الانتخابات من فساد سياسي ، وقرارات اعتبرها البعض متهورة افتقرت إلى الحنكة والحكمة. ومنذ ذلك  الحين كانت تشهد الصومال انتخابات مباشرة لكن  غير تعددية ولا نزيهة  إلى أن تم الإطاحة بحكومة سياد بري عام 1991 على أيدي جبهات قبلية مسلحة. ثم دخل البلاد في أتون حرب أهلية استمرت أكثر من 3 عقود. في عام 2000،  جرى الاعتماد على نظام انتخابي ، مبني على المحاصصة القبلية وعلى قاعدة 4.5. يقوم أعضاء برلمانات الولايات ومندوبو القبائل باختيار أعضاء البرلمان الفيدرالي، الذين يختارون بدورهم رئيس البلاد.

في عام 2018 ، اتفقت الحكومة المركزية ورؤساء الولايات الفيدرالية على إجراء انتخابات بالاقتراع العام المباشر، وبالفعل صادق البرلمان على هذه الخطوة، غير أن رؤساء الولايات تراجعوا عما تم الاتفاق عليه، خشية أن توفر طوق نجاه، وفرصة للرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو للاستمرار في  الحكم. بعد نزاعات، اتفقت الحكومة ورؤساء الولايات الفيدرالية، في سبتمبر 2022، على الاستمرار بالانتخابات غير المباشرة. وفي 16 مايو من ذلك العام، انتخب حسن شيخ محمود  رئيسا للصومال، وأعلن بعد عام من توليه السلطة عن قرار بإجراء الانتخابات المقبلة بالاقتراع المباشر.

 في يوليو عام 2023 ، أصدرت الحكومة الفيدرالية عدة قرارات حول الانتخابات المقبلة منها ما يلي:

  1.  أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سواء على المستوى الولائي أو الفيدرالي ستكون عبر الاقتراع المباشر، بدءا من عام 2024 ،  معتبرة هذه الخطوة نهاية لنظام التصويت غير المباشر المعمول به منذ عام 2000.
  2. أن عام 2024 سيكون العمل بنظام الانتخابات الفردية، وبالتصويت المباشر في كل 5 سنوات
  3.  تعديل الهيكل الحكومي للدولة وإلغاء منصب رئيس الوزراء ووضع نظام رئاسي يتم فيه انتخاب الرئيس ونائبه بالاقتراع المباشر من الشعب
  4. السماح بإنشاء حزبين سياسيين فقط. لكن تم تعديل هذا البند لاحقا وجرى الاتفاق على أن تكون عدد الاحزاب 3.
  5. أن انتخابات الأقاليم الاتحادية ستتم وفقا للنظام الاقتراع المباشر ، وستجرى في يونيو عام 2024
  6. أن يجرى التصويت لانتخاب رؤساء الحكومات الإقليمية في نوفمبر 2024.

لكن الجدير بالإشارة إلى أن هذه المواعيد تم تأجيلها إلى العام الحالي بعد أن اصطدمت بجملة من العقبات والحقائق على الأرض، بينها ثلاثة تحديات كبرى :

أولا: المعارضة  السياسية

 يواجه المقترح الحكومي بشأن الإنتخابات معارضة شديدة من قبل  طيف واسع من المجتمع الصومالي، وقوى سياسية ووجوه معارضة بارزة ، وجميعهم يرونه محاولة حكومية لتمديد فترة ولايتها. . قال  شريف شيخ أحمد، الرئيس الصومالي الأسبق، لا يمكن إجراء انتخابات مباشرة، لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وجوبالاند والسياسيون المعارضون، وفي ظل عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة الصومالية. 

ورفض المرشح الرئاسي البارز، عبد الرحمن عبد الشكور،  المسار الانتخابي الذي طرحته الحكومة، ودافع عن حق الولايات الإقليمية في تنظيم الانتخابات الخاصة لها وفقاً لنظام المحاصصة القبلية .

أما رئيس الوزراء الصومالي السابق حسن علي خيري، توقع أن يقود القانون الانتخابات الجديدة إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار السياسي، ودعا الحكومة إلى عدم تجاهل الواقع الذي تشهده البلاد، وفتح منصة وطنية للإتفاق على الانتخابات بمشاركة ولايتي بونتلاند وجوبالاند ، وأصحاب المصلحة السياسية لإنقاذ الشعب الصومالي من مصير مجهول، وعدم اليقين السياسي.

ثانثا: الحكومات الإقليمية

على الأقل حكومتين من الحكومات الإقليمية الأعضاء في الحكومة  الفيدرالية الخمسة،  بونت لاند وجوبالاند ترفضان هذا المسار  الانتخابي جملة وتفصيلا ، وتعتبرانه غير واقعي. أما الحكومات  الاقليمية الأخرى هيرشبيلي ، جنوب غرب الصومال، جلمذغ، فمواقفها في العلن متطابقة مع قرارات الحكومة، لكن في المستتر هواجس واعتراضات.

ثالثا:  الأكلاف المادية

يضاف إلى ما سبق أن الأكلاف المادية والاستراتيجية للمشروع الإنتخابي الحكومي مرهقة وباهظة، وأن الحكومة الفيدارلية تعاني من نقص في الموارد الاقتصادية والبشرية ، والإمكانيات الأمنية واللوجستية الضرورية لإجراء مثل هذه المشاريع السياسية في ظل غياب دور المجتمع الدولي الذي لا يبدي  عادة حماسا أو دعما لمشاريع لا تحظى على توافق الشركاء الصوماليين وأصحاب المصلحة السياسية .

وبناء على هذه التحديات ، هناك فجوة كبيرة بين الواقع والطموح،  وأن جسر هذه الهوة تحتاج إلى مسارات سياسية متعددة ، تحددها جملة من العوامل أهمها عاملي الوقت والثقة،  وهو الأمر الذي يشجع المعارضة على رفض المسار الانتخابي الحالي، والدعوة إلى حوار سياسي عاجل وشامل ، والجلوس إلى طاولة مستديرة للتوصل إلى صيغة انتخابية تحظى بالإجماع . وقد تكون هذه الصيغة المزاوجة بين نظام المحاصصة القبلية ونظام الاقتراع العام المباشر.

قوى المعارضة : أبرز الوجوه والتشكيلات

ينشط في العاصمة مقديشو وحدها ، مركز اهتمام السياسة الصومالية، العديد من قوى المعارضة للمسار الانتخابي الذي طرحه الرئيس حسن شيخ محمود ، ناهيك عن القوى الأخرى في منطقتي بونت لاند ، وجوبالاند،  ويمكن تصنيف تلك القوى إلى 8 مجموعات:

  1.  وجوه سياسية بارزة تتميز بهيمنتها على المشهد السياسي الصومالي خلال الأعوام الماضية ، وطموحها المفرط في العودة إلى قمة هرم السلطة. تضم تلك الوجوه الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد ، والرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء السابق حسن خيري ، والوزير السابق عبد الرحمن عبد الشكور ، وعبد القادر عوسبيلي
  2. رؤساء  من الولايات الاقليمية الأعضاء في الحكومة الفيدرالية. وتنقسم هذه المجموعة إلى ثلاث فئات:  الأولى تتحرك بدافع قوي نحو القصر الرئاسي بمقديشو،  ولا تعتبر نفسها مزاحمة ، بل بديلا حقيقيا . والفئة الثانية تكافح من أجل البقاء في المعادلة كصانعة للرئيس المقبل وأعضاء البرلمان  الفيدرالي. أما الفئة الثالثة لا تزال مواقفها أكثر غموضا وجدلا، لكني أعتقد أن موعد فك ارتباطها مع الحكومة الفيدرالية ليس بعيدا ما لم تحدث مفاجآت كحدوث تحولات في تشكيلة ومواقع تمركز قوة بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة في الصومال.
  3. قوى جديدة في طور التشكل والتأسيس. تجري هذه الأيام على قدم وساق تحركات سياسية تقودها شخصيات سياسية معروفة بينها رئيس ولاية جلمذغ الأسبق عبد الكريم جوليد ، ورئيس الاستخبارات الصومالية الأسبق  فهد  ياسين إلى جانب د. جوليد صالح بري الذي كان المنافس القوي أمام رئيس إدارة بونت لاند الحالي سعيد ديني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الاقليم العام الماضي،  بهدف تشكيل تحالف سياسي عريض يضم وجوها مؤثرة في الساحة السياسية ومن تيارات مختلفة.
  4. تحالف جديد كذلك في طور التأسيس يقوده رئيس الوزراء الأسبق عبدي شردون.
  5. تحالف أخر قيد التأسيس يضم سياسيون كبار من اقليم بونت لاند.
  6.  وإلى جانب ذلك، فهناك طبخة سياسية على نار هادئة يقودها رئيس الوزراء السابق محمد روبلي
  7. أحزاب سياسية صغيرة. لا تتمتع هذه الأحزاب في الوقت الحالي بوزن أو حضور لافت في المشهد السياسي ، بيد أنها قادرة على ممارسة قدر من الضغوط على الرئيس والحكومة
  8.  قوى مدنية تضم رجال أعمال غاضبون من محاباة الحكومة لبعض نظرائهم وتفضيلهم على من هم أجدر

 قد تشهد سوق المرشحين لرئاسة الصومال رواجا كبيرا في الشهور المقبلة ومع اقتراب موعد إنتهاء فترة ولاية الرئيس حسن شيخ محمود 16 مايو العام المقبل ، وقد تظهر فيها شخصيات ربما تكون أوفر حظا من المرشحين البارزين في الساحة حاليا ،  الا أننا نحاول ذكر بعض المعارضين الذين نعتبرهم رأس حربة قوى المعارضة ومن أبرزهم:

أولا: المعارضة السياسية

  1. شريف شيخ أحمد

 رئيس الصومال الأسبق ، نائب في البرلمان ،  ورئيس قوات المحاكم الاسلامية التي أطاحت بنظام أمراء الحرب في مقديشو عام 2006، ورئيس حزب هيميلو. أصبح شريف شيخ أحمد في الفترة الأخيرة أبرز الوجوه المعارضة للمسار الانتخابي الجديد، وأنعش وجوده في العاصمة مقديشو آمال قوى المعارضة  وذلك لسببين:

 السبب الأول باعتباره وجه سياسي بارز جدير بالمنافسة ضد الرئيس الحالي سواء من حيث الإنتماء القبلي أو الشهرة السياسية، وكسب ود الجهات الفاعلة في الساحة الصومالية.

السبب الثاني هو ما يتمتع به من شعبية في أوساط المجتمع الصومالي وخصوصا لدى الفئات الضعيفة اكتسبها مع بداية نشاطه السياسي وتعزز ألقها أيام المحاكم الشرعية. ولا يزال كثيرون يرون بضرورة منحه فرصة أخرى لتولى أعلى منصب في البلاد.

ما انفك الرجل منذ أن فقد السلطة عام 2012 ملازما لمسرح المعارضة ، وكان يخوض غمار كل استحقاق انتخابي يشهدها البلاد ، لكن اللافت للنظر أيضا أنه كان يخسر فيها أمام رفقاء دربه أو الشخصيات التي أدخله في عالم السياسية. وعزا كثيرون ذلك إلى سببين رئيسين:

  • غياب السمة السياسية الصومالية المولعة بجمع الأضداد والمعتبرة أمرا ملحا أثناء العملية الانتخابية، والحل السحري لهواجس نواب البرالمان وطمأنهم .
  • عدم الوفاء بالتعهدات التي قطعها على نفسه أثناء الانتخابات، وحماية حلفائه عندما يتعرضون لضغوط خارجية أو داخلية أو هاجت عليهم العواصف السياسية

 بالإضافة إلى ذلك يحتاج شريف شيخ أحمد للفوز في الانتخابات المقبلة  إلى  صياغة رؤية استراتيجية  مختلفة قادرة على تخفيف الارهاق الاجتماعي،  والعجز السياسي، وطمأنة قوى المعارضة المتعددة،  والشركاء الآخرين في الداخل والخارج الذين لهم دور في  ترجيح كفة المتنافسين في الانتخابات المقبلة.

  •  عبد الرحمن عبد الشكور

  الوزير السابق ، ورئيس حزب وذاجر ونائب في البرلمان. شخيصية سياسية بازرة  ومؤثرة  في المسرح السياسي الصومالي.   يعتبر الرجل الذي بقي منذ أن فقد منصبة الوزاري عام 2012 في   دكة المعارضة ،  من الشخصيات السياسية ذات الأصوات الصادحة أمام الحكومة الحالية، ومن أبرز دعاة تغيير الأنماط السياسية المألوفة في الصومال منذ انهيار الدولة عام 1991 عبر تقديم رؤى وأفكارا لحل العجز السياسي في البلاد. في السنوات الأخيرة  فرض عبد الرحمن عبد الشكور نفسه في الساحة كشخصية مثقفة قادرة على مخاطبة النخب والشباب المثقفين، ونجح في ذلك إلى حد ما. لكن منتقديه يقولون إنه يغرد خارج السرب،  وأن من يخاطبه في الوقت الحالي  ليس له دور محوري في الانتخابات الصومالية، وبالتالي كان من الأجدى أن يعطي  وقتا كافيا لمخاطبة وتوجيه رسائله إلى السياسيين والجهات التي تعتبر نفسها صانعة “الملوك” في الصومال ؛ رؤساء الولايات الاقليمية ، ورجال الأعمال،  والشخصيات المتنفذة داخل منظمات المجتمع المدني.

  •  محمد عبد الله فرماجو

 الرئيس السابق. شخصية متخفية لا تظهر ولا تنبس ببنت شفة الا ناذرا ، ولا يمكن التنبؤ  بما يخطط أو يرغب القيام به.  ودوره داخل القوى المعارضة هامشية، وتصريحاته منضبطة، ومحددة.  رغم الانجازات المحرزة في عهده وخاصة في المجال الإداري الا أنه مفتقر إلى الخطاب السياسي الضروري لقيادة تحالف سياسي جدير بالمنافسة، والقدرة على طمآنة جميع الأقطاب السياسية المؤثرة أو ذات العلاقة بالانتخابات .  ولم يقم لحد الآن  أي خطوات جادة ليكون رقما صعبا في المعادلة السياسية الصومالية. بالإضافة إلى ذلك تعرضت جبهته في العام الماضي إلى تصدعات ، وفقد بعض الشخصيات القوية في فريقه، وبدأ دوره على المستوى الشعبي يعاني من الانحسار والإنكفاء.

  • حسن خيري

رئيس الوزراء السابق، وشخصية محورية في المشهد السياسي الصومالي. يتمتع بعلاقات واسعة لدى السياسيين  الصوماليين سواء في البرلمان أو في الحكومة ، وبرغماتية سياسية تمكنه من تحقيق مفاجآت في الانتخابات المقبلة. لكن ثمة عقبات  تقلل فرص نجاحه.

ثانيا: رؤساء الحكومات الاقليمية المعارضة

  1. سعيد عبد الله ديني

رئيس ولاية بونت لاند، ووزير سابق في الحكومة الفيدرالية . لا يقتصر طموحه على حكم بونت لاند وانما يسعى  إلى الظفر برئاسة  الحكومة الفيدرالية  في مقديشو التي خسرها أمام الرئيس الحالي حسن شيخ محمود عام 2022. يتمتع سعيد دني بشخصية قوية وذات نفس طويل ومعارضة شرسة للحكومة الفيدرالية في مقديشو. هذه الميزة هي التي وفرت له الفرص، وسمحت له بأن يحكم  بونت لاند لفترتين متاليتن.  وهذا رقم قياسي.  يعول كثير من القوى المعارضة على الرئيس ديني، ويتوقعون منه أن يلعب خلال الشهور القليلة المقبلة  دورا كبيرا في زيادة الضغوط على الرئيس حسن عبر استضافة قوى المعارصة في عاصمة بونت لاند  غروي، وتشكيل جبهة عريضة ومؤثرة قادرة على دفع الحكومة الفيدرالية نحو تقديم ننازلات كبيرة حول النظام الانتخابي والجهة المنظمة للانتخابات. لكن كثيرون يعتقدون أن حظوظة مرتبطة بمدى تعاونه مع الأطراف القبلية الخائفة على تشدده السياسي وميله إلى سياسة الاقصاء وعدم الاهتمام بالاستقرار السياسي.

  • أحمد مدوبي

رئيس ولاية جوبا لاند  الحالي. بقي منذ  أكثر من عقد من الزمن رقما صعبا في المشهد السياسي الصومالي. ويعتبر شخصية عسكرية لا تتردد في مواجهة الحكومات  الفيدرالية في حال شعوره أي تهديد يمس حكمه ودوره في المشهد السياسي وعلاقاته الخارجية، وحسم القضايا  محل الخلاف عبر  القوة الخشنة. يحتل  الرجل  المراكز الأول من قائمة صناع رؤساء الصومال، لكنه يفتقر إلى  البرغماتية السياسية، والقدرة على الإنحناء أمام العواصف، وتليين المواقف حين تقتضي المصلحة العامة. وهذا هو السبب الذي يجعله دائما من ألد خصوم الحكومات الفيدرالية في مقديشو.

قوى المعارضة: نقاط الضعف والقوة

أولا: نقاط ضعف قوى المعارضة

يمكن حصر نقاط ضعف القوى المعارضة للرئيس حسن شيخ محمود في أربع نقاط :

  1. الخلافات البينية: قوى المعارضة عريضة، لكن غير منظمة وهي أقل تماسكا وتلاحما، وكل طرف يعول على عامل الزمن والحظ،  ولا يرغب  في التحالف مع الأطراف الأخرى، وبناء قوة أوسع قاعدة وأكثر حيوية عبر تشكيل جهبة سياسية موحدة وذات قاعدة عريضة، وأهداف محددة ، يترك صوتها صدى إيجابيا لدى الشعب الصومالي المكافح من أجل الخروج من حالة الحرمان إلى الرخاء الاجتماعي
  2.  غياب الرؤية المشتركة حول الحكم:  في الواقع ، فقوى المعارضة غير ديناميكية ودون نفوذ مؤهل، وتلك حال المعارضة منذ انهيار الدولة عام 1991، بل أن أفكارها، وقراءتها حول مستقبل الحكم  متباينة، وإنتقائية.  تؤمن بعض القوى بالنظام الشمولي المنغلق، ولا تريد  توسيع قاعدة المشاركة في الحكومة التي ستشكلها إذا فازت في الانتخابات ، بينما تعتقد قوى آخرى بالمشاركة الواسعة في الحكم ؛ لأن الصومال لا يصلح سوى لنظام يتسع للجميع ويرى كل طرف نفسه فيه. في حين يعطي البعض الأولوية لإقناع القبائل الكبرى، باعتبارها مفتاح الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.
  3. غياب الدعم المالي : تعاني قوى المعارضة من نقص مالي ، وتفتقر إلى امكانيات مالية تمكنها من تحريك الشارع أو تحفيز النخب والأغلبية الصامتة.  في السنوات الأخيرة اتخذت الحكومة المركزية بحماس خطوات تهدف إلى تجفيف منابع التمويل  الداخلي والخارجي للمعارضة، وحتى أن البعض  يتهم الحكومة بطرد أي موظف حكومي يبدي تعاطفا مع المعارضة، ناهيك عن رجال المال والأعمال الذين يتعرضون للتضييق والتهديد بسبب علاقتهم مع السياسيين المعارضين
  4.  المواقف الغامضة إزاء القضايا الخارجية:  لم تتخذ المعارضة قرارا واضحا بشأن سياسات الصومال تجاه العالم  أو على الأقل لم تعبر لحد الآن عن مواقف ثابتة تجاه  القضايا المتعلقة بالعلاقات الخارجية، وخصوصا  النزاع مع إثيوبيا، والتحالف الثلاثي المصري- الصومالي –الارتيري،  والحرب الدائرة في بعض دول الإقليم .

ثانثا: نقاط قوة المعارضة

  1. الحاجة إلى التغيير: الظروف مواتية لإنجاح أي مشروع وطني يخدم للبلاد ، يحارب الفساد والمحسوبية ويعمل من أجل بناء دولة المؤسسات  لا دولة مصالح ، ونظام ديمقراطي تعددي لا لنظام يكرس الدكتاتورية وحكم الفرد الواحد، لأن ما يجري في البلاد فيما يتعلق بالوضع السياسي لا يبشر بالخير وقد يدفع البلاد نحو مربع خطير  وبالتالي الوضع يتطلب إلى معارضة وطنية شريفة تتحلى بضبط النفس، وعدم الانجرار وراء أعمال تعيد البلاد إلى الوراء، وتزيد من معاناة المواطن العادي، وتركز فقط على  تحقيق الأهداف النبيلة  عبر الطرق السلمية ، ولا تنضم في حال فوزها بالانتخابات إلى تحالفات اقليمية تهدد مصالحها القومية، وتبعدها عن محيطها العربي.
  2. التنوع :  تضم قوى المعارضة شخصيات تنتمي إلى قبائل ومناطق مختلفة ،  وشخصيات من  الداخل والخارج وإذا توحدت تلك القوى على مصالح العليا للشعب الصومالي،  فلاشك ستحقق نجاحا في توجيه  البلاد نحو بر  الأمان وإلى السلام والازدهار.

قوى المعارضة … المطالب والخيارات والفرص

أولا: مطالب قو ى المعارضة

وعلى لسان أكثر من سياسي معارض، فمطالب المعارضة محددة. لا يمانعون إجراء انتخابات مباشرة في البلاد لكنهم يشككون في نزاهتها، وامكانية اجراءها خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس حسن شيخ  دون تمديد ، وأن السبب في ذلك هو أداء الحكومة غير الكفء على الصعيد السياسي كما يقولون .  تؤكد المعارضة بأنه لم يعد أمام الرئيس وقت لإجراء انتخابات تحظى بالتوافق وتتمتع بجزء معقول من معايير النزاهة. بالإضافة إلى ذلك يطالبون بتعليق المواد التي أجازها البرلمان ، وتشكيل لجنة انتخابية جديدة تمثل جميع الأطراف.

ثاثنا: الخيارات المتاحة وتداعياتها

حسمت الحكومة المركزية أمرها، وقررت أن تعمل بمفردها دون الحاجة إلى قوى المعارضة ، وأنها ماضية في مشروعها السياسي والانتخابي بعد تمرير معظم القوانين والتشريعات الضرورية لإجراء الإنتخابات في  العام المقبل دون مشاركة المعارضة، وأنه من الصعب أن تتراجع عن هذه الخطوات، وحتى إذا لم تنجح في هذا المشروع فستقوم بتمديد ولايتها الا إذا  تعرضت  لضغوط  قوي من المجتمع الدولي أو حراك شعبي عارم، وبالتالي فلم يعد أمام  المعارضة سوى خيارين:

 الخيار الأول: المواجهة  والاصطدام  

 أن تقوم المعارضة بحشد شارع القبائل ولا سيما القبائل الكبرى وتعبئتها ضد الحكومة، عبر تنظيم مؤتمرات عامة  تعقد في الداخل والخارج ، ورفع مستوى الانتقادات القبلية ضد الحكومة ، واستنساخ مشروع “بدباذو  عام 2022” ، وهذا الحراك له تداعياته الخطيرة ، وأن فرص نجاحه ضئيلة؛ لأن الرئيس حسن شيخ محمود فيما يبدو،  قرأ المشهد بصورة جيدة، واستعد لهذا السيناريو ، وقام برتيب أوراقه لمنع نجاح مثل هذه المحاولات عبر  اقناع الشخص يات أو القبائل  وقيادات المؤسسات الأمنية التي  من المفترض أن تلعب دورا محوريا  في مثل هذا الحراك، وعيّنبهم لمناصب عليا في الدولة، أو منحهم امتيازات سياسية واقتصادية لا يرغب كل واحد منهم في خسارتها ، وكذلك هدد بالاعتقال والمحاسبة كل من يحاول أن يواجه الحكومة بالسلاح،  ومداهمة القوات الأمنية منزله في منتصف الليل. ولذلك هناك احتمال كبير أن يفشل هذا المشروع قبل أن يرى النور ، وحتى إن تحقق يترك هذه المرة تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي، والعيش السلمي ووحدة تماسك البلاد

الخيار الثاني: المظاهرات والحراك السلمي  والمقاطعة

تملك قوى المعارضة خيارا أخر  أقل خطورة ، وأكثر نجاعة وهو خيار الحراك السلمي أن تنظم وتوحد صفوفها وتقوم بتحريك الشارع، رفضا للمسار الانتخابي الحالي وللحيلولة دون مزيد من التفكك والتشرذم. يبدأ هذا المشروع بـ:

  1. اطلاق مشاورات مكثفة لحل الخلافات والنزاعات بين قوى المعارضة  التي بدأت في عهد الرئيس فرماجو، وتفاقمت  خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة  وخاصة الخلافات بين الرئيس فرماجو مع  كل من رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، وأحمد مذوبي رئيس جوبالاند، والنائب عبد الرحمن عبد الشكور  وتشكيل جبهة سياسية عريضة تتمتع بالتماسك السياسي والحضور الاجتماعي.
  2. الدعوة إلى مؤتمر  عام يعقد داخل البلاد  تشارك فيه جميع قوى قوى المعارضة بمتخلف أطيافها بما فيها الرئيس السابق فرماجو لتحديد البوصلة ووضع خارطة طريق  لمواجهة  المشروع السياسي للحكومة المركزية والسياريوهات الممكنة حدوثها
  3.  حشد القوى المدنية، وتنظيم مؤتمرات شعبية قد تتطور إلى دعوات  لمظاهرات في شوارع المدن الكبرى بالبلاد احتجاجا على قرارات الحكومة المركزية   حول الانتخابات
  4. وفي حال عدم نجاح هذه الخطوات قد تتخذ قوى المعارضة  قرارا بمقاطعة الانتخابات وعدم  الاعتراف بما يتمخص منها  من رئيس وحكومة

هذا الخيار حق طبعي لقوى المعارضة ويعبر عن نضج سياسي، والأهم من ذلك ينشئ لمرحلة جديدة عنوانها نبذ القبلية، والتوجه نحو الديمقراطية الحقيقية ، ويمثل فرصة حقيقية لإجبار الحكومة الحالية النزول عن الشجرة والانصياع للدعوات المطالبة بعدم تعريض البلاد للخطر وقيادته نحو المستقبل المجهول. كما يمثل رسالة واضحة للرئيس المقبل الا مجال للاقصاء والتفرد بالسلطة، وتقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العليا للبلاد.

مسارات أحداث قد تخلط الأوراق

لم يتمكن الرئيس حسن شيخ محمود بعد من حسم ملف الانتخابات سواء على المستوى الفيدرالي أو الولائي رغم تصريحاته العلنية بهذا الشأن. هناك قضايا  لا تزال مثار خلاف بينه  وبين رؤساء الحكومات الاقليمية المؤيدين لمواقفه والذين بدونهم لا يمكن اجراء الانتخابات المباشرة  بأي حال من الأحوال . يتوقع البعض أن تتغير مواقف هؤلاء الرؤساء تجاه الانتخابات في قادم الأيام.  يدور الخلاف بين الرئيس حسن شيخ محمود،  ورؤساء الولايات  المؤيدين له على قضية  الحزب السياسي الذي سيمثلهم في الانتخابات في حال جرت ، وطريقة اجراء هذه الانتخابات في ولاياتهم . وفيما يتعلق بالقضية الأولى يطالب الرئيس من رؤساء الولايات بالانضمام إلى  حزبه السياسي، لكنهم لا يريدون ذلك بسبب ضعف الثقة بين  الطرفين.

أما القضية الثانية،  تتحدث بعض المعلومات أن رؤساء بعض الولايات عرضوا على الرئيس حسن شيخ شرطا لإتمام  المسار الانتخابي الذي طرحه، وبعضها تعجيزية ولا يمكن أن ينفذها الرئيس في الوقت الحالي. يطالب الرؤساء بإجراء تعديلات في الحكومة وتعيين  مؤيدين لهم لمناصب سيادية، واجراء الانتخابات المباشرة  على مستوى المجالس البلدية فقط، في حين تتم الانتخابات البرلمانية على المستوى الولائي والفيدرالي بالنظام غير المباشر ، كما كان الحال في بنت لاند.  وتقول بعض المعلومات أن رؤساء الولايات يستعدون لتنظيم انتخابات مماثلة للانتخابات التي جرت في مدينة كسمايو في نوفمبر الماضي في حال لم يقبل الرئيس مطالبهم. وفي هذه الحالة يكون  المعارضة مستعدة بالمشاركة في أي أنتخابات بديلة تؤدي في النهاية إلى اختيار برلمان فيدرالي نتخب الرئيس المقبل عكس ما يريده الرئيس حسن شيخ محمود الذي يرغب في يتم انتخاب الرئيس المقبل من قبل الشعب مباشرة أو تمديد فترة ولايته إلى أن يتحقق هذا الشرط.

 الخاتمة

لا يمكن بطبيعة الحال مقارنة الانتخابات الصومالية والظروف المحيطة بها بالانتخابات التي تجرى في العالم ،  ومن الصعب التهنك بمآلاتها ونتائجها . لا تحكم هذه الإنتخابات  شرعية أو أخلاقيات سياسية وانما بمزاج آشخاص متنفذين  سواء في الحكومة الفيدرالية أو الحكومات الولائية قد تتغير أفكارهم بين الفينة والأخرى .  لكن يتوقع خلال الشهور القليلة المقبلة أن تكسر قوى المعارضة الحواجز فيما بينها وتتصالح بغية إنعاش تفوقها السياسي ، وتغير أسلوب تصورها حول مستقبلها،  وقدرتها على انقاذ البلاد، وايصاله إلى فضاء ديمقراطي تعددي.   وكذلك هناك توقعات بأن يظهر في المشهد السياسي الصومالي خلال الشهور المقبلة تحالفات سياسية عريضة تختلف كثيرا عن وجوه المعارضة الحالية والتي ستشارك  بشكل فعال وقوي في صياغة مستقبل المسار الانتخابي في البلاد، لأن كثيرين يعتقدون بان مسار مشروع الحكومة  السياسي سيصل حتما إلى طريق مسدود، وستكون مجبرة  على القبول بإجراء انتخابات توافقية بدل محاولات لتمديد فترة ولايتها.

مهما يكن الأمر، ينبغي على المعارضة أن تطرح  البدائل ، وتخلق أجواء إيجابية تكرس مبدأ سيادة القانون،  وتفعيل الديمقراطية التشاركية، وعدم السماح لجهة واحدة أن تتفرد بصياغة المستقبل دون توافق شامل وهذا الأمر يؤدي إلى تحقيق أكبر مشاركة للقوى السياسية في الانتخابات المقبلة، ويمنع البلاد  في الوقت عينه من التفكك، والعودة إلى المربع الأول ، لأن  اقليم صومال لاند غائب حاليا عن المشهد أو حتى من الخريطة،  وأن مصيرا مماثلا يطل برأسه في اقليمي بونت لاند وجوبالاند،  وبالتالي  فالطريق الوحيد لإبقاء الصومال موحدة ومتماسكة هو تحقيق مبدأ المشاركة السياسية الشاملة ، وعدم اقصاء أي طرف من الأطراف السياسية في البلاد.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى