الحرب الروسية الأوكرانية و تأثيراتها على القارة الإفريقية

نبيه الزبيدي – تونس

فبراير 2025

        كان يوم 24 فبراير 2022 يوما فارقا في التاريخ الحديث فبعد عقود من سلام مصطنع في أوروبا عادت الحرب إلى أراضي القارة العجوز عندما أعلنت روسيا بداية غزو عسكري لأراضي شرق أوك رانيا أين يسعى الانفصاليون الروس في مقاطعتي لوغانسك و دونيتسك إلى إعلان الاستقلال و التخلص من سلطة كييف. تداعيات هذا الصراع لم تكتفي بالتوسع إلى كامل أراضي أوكرانيا و بعض المقاطعات الروسية الغربية فقط بل شملت أراض بعيدة و منها إفريقيا.

فما هي تأثيرات هذه الحرب على الدول الإفريقية و هل لها تداعيات مباشرة على حياة المواطن الإفريقي البسيط.

        تُعتبر روسيا و أوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للغذاء في العالم. فعلى سبيل المثال تحتل روسيا المرتبة الثالثة بين منتجي القمح بينما تحتل أوكرانيا المرتبة الخامسة. أما من الناحية التصديرية فتتصدر روسيا القائمة بحوالي 33 مليون طن (18% من حصة الشحنات العالمية) متفوقة على أوكرانيا التي تقوم بتصدير 20 مليون طن من القمح (10% من الصادرات العالمية) و ذلك حسب احصائيات سنة 2021 أي قبل أشهر من بدء الصراع بين البلدين الجارين. و إضافة إلى القمح، يُعتبر هذان البلدان من أكبر المنتجين و المصدرين لعدة منتجات فلاحية أخرى كالشعير و الذرة و دوار الشمس و فول الصويا والزيوت النباتية و اللحوم و الدواجن.

كما تُعتبر روسيا من أكبر منتجي و مصدري الطاقة على مستوى العالم من نفط و غاز طبيعي بالإضافة إلى عدة معادن و ثروات باطنية كالفسفاط و الجبس. و قد أثرت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على إمكانياتها التصديرية وهو ما أثر على الأسعار في الأسواق العالمية. أما عن أوكرانيا فإنها تُعتبر من أغنى الدول من ناحية امتلاك المعادن الثمينة و النادرة فهي تحوي 22 معدنا من المعادن الـ 34 التي حددها الاتحاد الأوروبي باعتبارها معادن بالغة الأهمية. و لقد عطل الهجوم الروسي على الأراضي الأوكرانية أغلب المناجم التي تحوي هذه المعادن وهو ما انعكس سلبا على السوق العالمية حيث قلً العرض مقابل الطلب مسببا ارتفاعا في الأسعار.

Ω أهمية إفريقيا بالنسبة للدول العظمى:

تُعتبر إفريقيا ساحة للتنافس العالمي بين الدول الكبرى لأهميتها على جميع الأصعدة و يبقى الوجود العسكري لهذه الدول على الأرض الإفريقية داعما أساسيا لنيل لقب “الدولة العظمى”. و من هذا المنطلق نرى التسابق الكبير بين دول الغرب و الشرق للحصول على موطئ قدم لإنشاء قواعد عسكرية في إفريقيا[1].

من أهم ميزات القارة الإفريقية و التي جعلت منها مطمعا للقوى العالمية منذ قرون:

  • الموقع الجغرافي: تتوسط إفريقيا العالم القديم و تمتلك مساحة كبيرة تناهز الـ 30 مليون كم2 كما أنها تتميز بتنوع جغرافي هام فهي تحوي الغابات و الجبال و الصحاري و تطل على عدة بحار و محيطات ممتلكة سواحل طويلة
  • ثروات ضخمة: تمتلك إفريقيا ثروات طبيعية ضخمة من النفط و الغاز و الحديد و النحاس و الفسفاط و الجبس و البوكسيت و الليثيوم و اليورانيوم و الأخشاب و غيرها. كما تحتوي على أكبر الاحتياطات العالمية من المعادن الثمينة و النادرة و منها الذهب و الفضة و البلاتين و البلاديوم كما توجد بوتسوانا و الكنغو الديمقراطية و جنوب إفريقيا و أنغولا و زيمبابوي و ناميبيا و ليسوتو و سيراليون ضمن قائمة أكبر عشرة منتجين للألماس في العالم
  • سوق استهلاكية كبيرة: يبلغ عدد سكان إفريقيا تقريبا 1.4 مليار نسمة أغلبهم في سن الطفولة و الشباب وهو ما يجعلها سوقا استهلاكية ضخمة لكل المنتجات طبيعية كانت أم مصنعة. وهي تُعتبر كذلك من أكبر الأسواق العالمية لتجارة الأسلحة و المعدات العسكرية لكثرة الصراعات و الحروب فيها
  • فرص استثمارية متميزة: الاستثمار الأجنبي هو عماد الإقتصاد الإفريقي لما تمتلكه القارة من مميزات كوفرة المواد الأولية بأسعار رخيصة و توفر اليد العاملة الزهيدة. و تحتكر قطاعات الطاقات الأحفورية و الطاقات المتجددة و الصيد البحري و الزراعة و منتجات الغابات النسبة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية.

من هذا المنطلق، كانت العلاقات الروسية الإفريقية، و منذ عهد الاتحاد السوفييتي، متطورة و ذلك لعدة أسباب ومنها محاولة السوفييت نشر مبادئهم السياسية و الفكرية و الاقتصادية في القارة كما أن مساندتهم لحركات التحرر الوطنية ضد المستعمر الفرنسي و الإنجليزي و البرتغالي جعلت منهم حليفا موثوقا من قبل أغلب القادة الأفارقة بعد استقلال بلدانهم.

أما أوكرانيا، و منذ استقلالها،  فقد كانت علاقاتها بالقارة الإفريقية محدودة للغاية و تتمثل في بعض التمثيليات الدبلوماسية القليلة. و كانت نقاط قوتها ترتكز على صادراتها الزراعية نحو بعض بلدان القارة و استقطابها للطلبة الأفارقة للدراسة في جامعاتها و خاصة في اختصاصات الطب و الهندسة. لقد كانت الحرب الروسية الأوكرانية دافعا لقادة كييف لتفادي أخطاء الماضي و الالتفات نحو إفريقيا بصفة جدية أملا في الحصول على حلفاء و أصدقاء جدد يدعمون موقفها و يساندونها في المحافل الدولية.

Ω العلاقات التجارية مع إفريقيا:

تُعتبر روسيا من أكبر الدول الزراعية و منتجي الغذاء كما أنها مصنع و مصدر أساسي للأسلحة عالميا. و رغم العقوبات الدولية التي تم فرضها عليها منذ سنة 2022، ارتفع حجم المعاملات التجارية بين روسيا و الدول الإفريقية بنسبة 35% في النصف الأول من سنة 2023. و بين سنة 2010 و سنة 2021 كانت روسيا المصدر الأول للأسلحة لبلدان إفريقيا وهي ركيزة التجارة التقليدية بين موسكو و إفريقيا. تُعتبر شركة “روسوبورون إكسبورت” ذراع الدولة الروسية لتصدير أسلحتها.

في سنة 2024 و رغم الحرب، زادت الصادرات الصناعية الروسية إلى إفريقيا بنسبة 20.8% مقارنة بسنة 2023 وتشمل هذه الصادرات بصفة خاصة صناعة الأجهزة و الآلات و الأدوية و المعدات الإلكترونية و الطبية و المواد الكيميائية و الأسمدة الفلاحية مع المحافظة على صادرات مرتفعة من المواد الزراعية و الغذائية. تُعتبر مصر و الجزائر و نيجيريا و المغرب و جنوب إفريقيا أكبر الموردين الأفارقة للمنتجات الروسية متجاوزين دولا أخرى لها علاقات تجارية متطورة أيضا مع موسكو كتونس و ليبيا و أنغولا و السودان و أثيوبيا. كما تسعى روسيا بشدة إلى دخول أسواق إفريقية جديدة و تستهدف خاصة البلدان ذات الكثافة السكانية العالية كتنزانيا و الكنغو الديمقراطية و الموزمبيق.

أما الصادرات الإفريقية نحو روسيا فتمثل 1/7 من قيمة الواردات القادمة من موسكو[2]. و تستورد روسيا الكثير من المنتجات الفلاحية كالتمور و القوارص و زيت الزيتون و القهوة و الكاكاو و بعض الفواكه الاستوائية إضافة إلى منتجات الصيد البحري و بعض منتجات المناجم كالذهب. و تُعتبر مصر و جنوب إفريقيا و المغرب و تونس و إفريقيا الوسطى من أكبر المصدرين الأفارقة نحو السوق الروسية.

و تمثل القمم الروسية الإفريقية التي تُقام بصفة دورية و تجمع القادة الروس بنظرائهم الأفارقة واحدة من عدة نقاط قوة تستغلها روسيا لكسب موطئ قدم في إفريقيا و الحصول على دعم الدول الإفريقية في اللجان الدولية والأممية.

أما أوكرانيا و التي يسميها البعض بسلة غذاء العالم فتحتفظ بعلاقات تجارية متميزة مع عديد الدول الإفريقية و تبقى المنتجات الزراعية من حبوب و زيوت نباتية و غيرها من أهم صادراتها. و رغم الحرب الدائرة منذ سنة 2022 تجاوزت هذه الصادرات الـ 3 مليون طن سنة 2023 تم شحن أغلبها نحو بلدان القرن الإفريقي. كما تقوم أوكرانيا بتصدير بعض المنتجات الصناعية نحو إفريقيا و خاصة الكيمياويات و الآلات الصناعية و الأسمدة الفلاحية ناهيك عن بعض الأسلحة الخفيفة و تُعتبر جنوب إفريقيا و كينيا و السنغال من أهم الموردين للبضائع الأوكرانية.

و تبقى الصادرات الإفريقية نحو السوق الأوكرانية متواضعة و تتمثل في بعض المنتجات الفلاحية كالقهوة و التبغ والشاي و الكاكاو و القوارص و بعض الفواكه الاستوائية. أغلب هذه الواردات تأتي من أثيوبيا و أوغندا و زيمبابوي و غانا و الكوت ديفوار و مصر.

Ω الاستثمارات الروسية و الأوكرانية المباشرة في إفريقيا:

تمتلك روسيا العديد من الاستثمارات المباشرة في إفريقيا في عديد القطاعات. تتركز أغلب هذه الاستثمارات في قطاعات النفط و الغاز و المناجم و الطاقة النووية المدنية و من هذه المشاريع الروسية مشروع المحطة النووية في مصر و إنتاج الغاز الطبيعي في الموزمبيق و استخراج النفط في الغابون إضافة إلى إنتاج الألومنيوم في غينيا. أما عن الاستثمارات الخاصة فيستثمر كثير من رجال الأعمال الروس في قطاعات الاتصالات و البنوك و الفندقة والصيد البحري في عديد البلدان الإفريقية وهم يعملون في تناغم تام مع سياسة الكرملين الإفريقية.

أما الاستثمار الأوكراني في إفريقيا فيبقى متواضعا مقارنة بالاستثمارات الروسية و ذلك نتيجة لعدة عوامل و منها ظهور أوكرانيا المتأخر على الساحة الدولية[3] و ضعف وجودها الدبلوماسي في القارة السمراء[4].

تُحاول أوكرانيا الاستثمار في القطاع الفلاحي و السياحي في إفريقيا كما وقعت سنة 2017 اتفاقية مع تونس لبعث مصنع في شمال البلاد لصنع السيارات الأوكرانية من نوع “ZAZ” و لكن عديد العراقيل و الصعوبات قامت بتأخير هذا المشروع بداية بجائحة كوفيد 19 و انتهاء باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

Ω مراكز النفوذ الروسي و الأوكراني في إفريقيا:

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تناقص النفوذ الروسي في إفريقيا بصفة كبيرة. بعد عقود من الغياب قررت روسيا تحت رئاسة ديمتري ميدفيديف سنة 2010 زيادة وجودها السياسي و الاقتصادي في إفريقيا على أن يتبعها وجود عسكري في قادم السنوات. تعتمد روسيا في تعاملها مع القادة الأفارقة على طريقة براغماتية حيث لا تهتم لطريقة وصولهم للسلطة سواء بانتخابات ديمقراطية أو بانقلابات عسكرية و لا تهتم كثيرا إن كان النظام الحاكم دكتاتوريا قمعيا أم لا.

تلعب الشركات الأمنية الروسية دورا كبيرا في تعزيز النفوذ الروسي في القارة وذلك من دون الحاجة لبناء قواعد عسكرية باهظة التكلفة. و قد وقعت روسيا في السنوات الأخيرة اتفاقيات أمنية و عسكرية مع ثمانية دول إفريقية و تلعب شركة “فاغنر” دورا أساسيا في هذه السياسة الروسية.

من ناحية أخرى تلعب شركات التنقيب و التعدين الروسية دورا فعالا في دعم سياسة الكرملين الإفريقية حيث تنقب عن الذهب و غيره من المعادن الأخرى في عدة بلدان كالسودان و غينيا و زمبيا و إفريقيا الوسطى.

و أخيرا تعتمد روسيا على القوة الناعمة لدعم وجودها الإفريقي وذلك من خلال تقديم المثال المعيشي الروسي كنموذج يطيب فيه العيش مع وجود المنزل الريفي الجميل و الزوجة الروسية الحسناء و الرواتب المجزية التي تكفل الحياة الكريمة دون نسيان التسامح الديني وذلك للتنوع الكبير في المجتمع الروسي و كثرة مكوناته العرقية و الطائفية. كما أنها تقدم منحا دراسية سخية للمتميزين من أبناء القارة على أن تكون الدراسة باللغة الروسية وذلك لصناعة جيل من الأفارقة الذين لديهم ميل و تعلق بروسيا و شعبها. و في نفس السياق قامت روسيا بمنح العديد من الدول الإفريقية أطنانا من الحبوب مجانا رغم الحرب التي تخوضها وذلك لكسب المزيد من الدعم من هذه البلدان.

أما النفوذ الأوكراني في إفريقيا فيبقى ضعيفا رغم التوجه في السنوات الأخيرة لدعمه من قبل حكومة كييف عبر افتتاح سفارات جديدة و العمل على كسب تعاطف الأفارقة و العمل على إغرائهم للدراسة في الجامعات الأوكرانية.

يُعتبر الوجود العسكري و الاستخباراتي داعما أساسيا للنفوذ الأوكراني في القارة الإفريقية فقد قامت قوات أوكرانية بدعم الجيش السوداني في الحرب الأهلية التي يخوضها كما أن الاستخبارات الأوكرانية قدمت دعما لوجستيا لقوات الطوارق في أزواد شمال مالي وهو ما ساعدها على نصب كمين محكم للقوات المالية المدعومة من قبل قوات فاغنر الروسية وهو ما أسفر عن مقتل 47 جنديا ماليا و 84 مقاتلا روسيا و أسر عدد آخر.

و تعمل أوكرانيا على كسب ود الأفارقة عن طريق مواصلة تصديرها للحبوب و الزيوت النباتية بأسعار تفاضلية كما قدمت أطنانا من الحبوب مجانا في بادرة “حبوب أوكرانيا” لعدة دول في منطقة القرن الإفريقي إضافة إلى نيجيريا أكبر بلدان إفريقيا تعدادا سكانيا.

Ω مواقف الدول الإفريقية من الحرب الروسية الأوكرانية:

في 2 مارس 2022، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة استثنائية لمناقشة تطورات الوضع في أوكرانيا بعد الهجوم الروسي الذي بدأ في 24 فبراير 2022. و قد أسفرت هذه الجلسة عن قرار يطالب بإنهاء الهجوم الروسي بشكل فوري و كامل و غير مشروط و انسحاب تام للقوات الروسية من كل الأراضي الأوكرانية و احترام الحدود الدولية المعترف بها منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي.

حظي مشروع هذا القرار بتأييد أغلب الدول الأعضاء و لم تكن أوكرانيا راضية عن التصويت الإفريقي فقد اعتبرته الأكثر ميلا للموقف الروسي. من بين 54 دولة إفريقية أيدت 28 دولة هذا القرار و منها تونس و الصومال و مصر مع إمتناع 17 دولة عن التصويت كالجزائر و السودان و جنوب إفريقيا و تغيب 8 بلدان عن مداولات مجلس الأمن و التصويت و من بينها أثيوبيا و المغرب و بوركينا فاسو و معارضة دولة وحيدة وهي أريتريا التي صوتت مع 4 بلدان أخرى[5] ضد القرار معتبرة أن أوكرانيا هي المذنبة و المتسببة في الحرب.

هذا التصويت و إن دل على شيء فإنه يدل على أن روسيا قد تمكنت في السنوات الأخيرة من العودة بقوة إلى الساحة الإفريقية و من أن تكون لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي الإفريقي وذلك من خلال اعتمادها على عدة نقاط قوة تتراوح من العمل الدبلوماسي و العلاقات الاقتصادية مرورا بالاستثمارات و التعاون الأمني و العسكري و ما يحمل بين طياته من تعاون استخباراتي و تجارة أسلحة. و يدل هذا التصويت أيضا على تراجع النفوذ الغربي في القارة السمراء متمثلا في فرنسا و بريطانيا خاصة و بدرجة أقل الولايات المتحدة الأمريكية مع تصاعد نفوذ دول الشرق كالصين و روسيا و الهند و بعض القوى الإقليمية كتركيا و إيران.

من جهة أخرى عبرت منظمة الاتحاد الإفريقي عن قلقها البالغ إزاء الوضع في أوكرانيا داعية جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي و تغليب منطق العقل و فتح قنوات الحوار السياسي مع الوقف الفوري لإطلاق النار. و لم يكن من الممكن انتظار موقف أكثر صرامة و وضوحا من اتحاد يُعتبر شكليا و لا يتقاسم أعضاؤه نفس المواقف من أزمة دولية تدور رحاها في قارة أخرى فالمصالح الوطنية لكل بلد إفريقي تجعله يصطف وراء أحد المتنازعين دون التقيد بموقف موحد يجمع كل بلدان القارة.

Ω مرتزقة أجانب في الحرب الروسية الأوكرانية:

منذ بداية الحرب بين روسيا و أوكرانيا بدأ الحديث بشدة عن أن روسيا قامت بإرغام عشرات الآلاف من الأجانب المقيمين على أراضيها على القتال إلى جانب القوات الروسية. و تقول المعلومات التي نشرتها وكالات أوروبية و أمريكية من أن أغلب هؤلاء الأجانب هم طلاب جامعات و عمال مهاجرون ينحدر أغلبهم من دول آسيا الوسطى و إفريقيا. و قد يتراوح استقطاب هؤلاء الأجانب بين الترغيب و الترهيب حيث يُهددون بإلغاء إقاماتهم و يُرغبون بالحصول على رواتب عالية و بالحصول على الجنسية الروسية في نهاية الحرب في صورة قبولهم بأن يكونوا في الصفوف الأمامية المتوغلة في أوكرانيا. ينحدر أغلب المقاتلين الأجانب من دول مثل نيبال و الهند و كوريا الشمالية إضافة إلى السوريين الموالين لنظام بشار الأسد. أما عن المواطنين الأفارقة فيتم الحديث عن مئات المقاتلين من نيجيريا و السنغال و كينيا و إفريقيا الوسطى و جنوب إفريقيا الذين تطوعوا للقتال مع الجيش الروسي طمعا في المكاسب المادية المرتقبة.

أما عن الجانب الأوكراني فقد تم الحديث عن استقطاب مرتزقة غربيين و خاصة من فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و رومانيا و كندا و بولندا بالإضافة إلى العديد من العرب و الأفارقة لمساندة الجيش الأوكراني مع دفع رواتب سخية لمن يكون في الواجهة الأمامية و قد نُشرت أخبار أن أغلب هؤلاء المتطوعين هم من السوريين المعارضين لنظام الأسد قبل سقوطه و العراق و نيجيريا و الجزائر و غينيا و جنوب إفريقيا و السنغال.

أما في تونس، فقد تم نشر وثائق في منتصف سنة 2022 باللغة الأوكرانية عبارة عن استمارة يتم ملؤها من قبل مساجين أجانب في السجون الأوكرانية للتطوع في الحرب مقابل الحرية و قد قام السفير الأوكراني بتونس بتكذيب هذه الوثائق واصفا إياها بالشائعات التي تطلقها روسيا و حلفاؤها لمغالطة الرأي العام الدولي و إضعاف التعاطف الغربي مع كييف.

Ω تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على القارة الإفريقية:

شكلت الحرب الروسية الأوكرانية و لازالت أزمة في قلب القارة الأوروبية و امتدت تأثيراتها لتشمل العالم بأسره فقد انخرطت عديد البلدان في هذا النزاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فمن كوريا الشمالية التي تقول القوى الغربية أنها منغمسة انغماسا تاما بإرسالها لآلاف الجنود النظاميين لمساندة حليفها الروسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي ضخت مليارات الدولارات من أموال و أسلحة لمساندة الصديق الأوكراني ليس محبة في كييف و ساستها و إنما رغبة في السيطرة على مواردها الباطنية إن انتهت الحرب دون تقسيم أوكرانيا أو استقلال مناطقها الشرقية المحاذية لروسيا[6].

و رغم أن هذه الحرب باتت تشكل هاجسا دوليا و تهدد بتغيير خارطة العالم من جديد فإن تأثيراتها الأكبر بدأت في الظهور بعيدا على مستوى الجغرافيا و لكن قريبا جدا على المستوى الاقتصادي: في قلب القارة الإفريقية و على عديد المستويات.

  • على المستوى الإقتصادي:

أبرمت روسيا في السنوات القليلة قبل اندلاع شرارة الحرب عشرات الاتفاقيات للاستثمار المباشر في بعض البلدان الإفريقية بقيمة تناهز 14 مليار دولار وهو ليس بالرقم الهين مقارنة بقيمة الاستثمارات الأجنبية في القارة السمراء. تأجيل هذه الاستثمارات تسبب في رفع الدين العام الإفريقي خاصة و أن العديد من الشركاء الاقتصاديين الأفارقة لموسكو توجهوا نحو التداين من المنظمات التمويلية الدولية بسعر فائدة مرتفع للغاية وهو ما أدى بطريقة غير مباشرة إلى تدهور قيمة أغلب العملات الوطنية الإفريقية في سوق الصرف أمام العملات العالمية كاليورو الأوروبي و الدولار الأمريكي و الجنيه الإسترليني.

من جهة أخرى، تشكل تجارة روسيا و أوكرانيا مع القارة الإفريقية حوالي 2% فقط من حجم تجارة القارة مع بقية مناطق العالم وهو ليس بالرقم الكبير المؤثر و لكن موسكو تعهدت في قمة سوتشي[7] سنة 2019 التي جمعتها مع البلدان الإفريقية بمضاعفة مبادلاتها التجارية مع القارة لترتفع من 20 مليار دولار لتبلغ 40 مليار دولار سنويا. و لكن التأثير قد يكون على دول بعينها مثل ملاوي التي تشكل تجارتها مع روسيا أكثر من 8% من تجارتها الدولية أو أوغندا التي يتجاوز هذا الرقم فيها الـ 7%.

تُعتبر مصر و سيشل من أكثر الوجهات السياحية المستقطبة للمواطنين الروس و قد تأثرتا بصفة جدية بسبب الحرب و بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية التي لم تطل أصول الدولة الروسية و رموز نظامها فقط و إنما طالت أيضا العديد من رجال الأعمال الروس و أفراد عائلاتهم الموسعة. توقفت تقريبا حركة السياح الروس نحو هذين البلدين موجهة ضربة قوية لقطاع السياحة في سيشل بصفة خاصة أين يمثل الروس حوالي 20% من مجموع السياح الأجانب سنويا.

  • على المستوى الإنساني و المعيشي:

حذرت لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية لإفريقيا من تفاقم أزمة الغذاء في بعض البلدان الإفريقية نتيجة لتواصل الحرب بين روسيا و أوكرانيا و قد بدأت هذه الأزمة بالظهور خصوصا في منطقة القرن الإفريقي. في أواخر سنة 2022 بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي 62% في جمهورية إفريقيا الوسطى و 51% في الملاوي بسبب نقص واردات الحبوب و المواد الزراعية الروسية لهذه البلدان و ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب اضطراب سلسلة الإمدادات بسبب الحرب. ارتفاع الأسعار تسبب بدوره في ارتفاع التضخم الاقتصادي بصفة عامة ليتجاوز الـ 20% في أثيوبيا و غانا على سبيل المثال.

تظهر أزمة الغذاء التي تسببها الحرب الروسية الأوكرانية في قارة إفريقيا على مستويين إثنين و ليس على مستوى واحد فقط فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية و تأثيرها بصفة مباشرة على المقدرة الشرائية للمواطن البسيط يظهر تأثير الحرب على نقص توريدات الأسمدة[8] و ارتفاع أسعارها وهو ما أضر بالفلاح الإفريقي حيث نقص الإنتاج و زادت التكلفة مسببة ارتفاعا فاحشا في أسعار المواد المنتجة محليا أيضا وهو ما ساهم في تهديد الأمن الغذائي الإفريقي و ما قد ينجر عنه من تداعيات يمكنها أن تمس السلم و الأمن في القارة بأسرها كالنزوح الريفي نحو المدن و ما يسببه من ارتفاع للبطالة و الجريمة  و اضطرابات اجتماعية و قبلية قد تؤدي لنزاعات مسلحة محلية بسبب انتشار الأسلحة بطرق غير شرعية في عديد بلدان القارة.

كما أن استقطاب الشبان الأفارقة للمشاركة في هذه الحرب سواء مع الجانب الروسي أو الأوكراني قد يسبب خللا ديموغرافيا و اجتماعيا إذا تواصلت الحرب لسنوات أخرى و إذا توجه الأفارقة بأعداد كبيرة لمساندة أحد طرفي الصراع طمعا في كسب المال.

كانت روسيا قبل الحرب تقدم مساعدات لإفريقيا تتجاوز الـ 400 مليون دولار سنويا سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق المنظمات الإنسانية الدولية. نقص هذه المساعدات بسبب الانشغال الروسي بالحرب أثر بطريقة مباشرة على حياة الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا و تهميشا في إفريقيا.

  • الوجه الآخر للحرب: فرصة إفريقيا

رغم كل السواد و السلبيات التي تطبع تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على القارة الإفريقية فإن بعض الإيجابيات بدأت بالظهور و قد يظهر المزيد منها في قادم الأيام. فقد بدأت بعض البلدان الإفريقية المصدرة للطاقة مثل ليبيا و الجزائر و نيجيريا بالاستفادة من العقوبات الغربية على روسيا لتقوم بتصدير كميات أكبر من النفط و الغاز نحو بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة. كما أن توجه البلدان الأوروبية للتحرر من تبعيتها الطاقية لروسيا دفعها للاستثمار في الطاقات الجديدة و المتجددة و ضخ مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة الشمسية و الهيدروجين الأخضر في بلدان مثل تونس و موريتانيا.

كما أن فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا قد يمثل فرصة استثنائية لمنتجي الموارد الطبيعية الأفارقة حيث تُعتبر جنوب إفريقيا على سبيل المثال ثاني منتج عالمي للبلاديوم مباشرة خلف روسيا وهو ما سيمنحها فرصا تصديرية كبيرة مع تحسن في الأسعار. نفس الشيء يمكن أن يحصل مع منتجي الذهب و البلاتين و باقي المعادن الثمينة.

كما أن الدول الإفريقية المصدرة للمواد الزراعية بدأت في إيجاد أسواق جديدة في العالم الغربي و ذلك تعويضا للمنتجات الروسية الخاضعة للعقوبات الدولية و بسبب نقص الإنتاج المحلي الأوروبي بسبب أزمة الطاقة و الوقود في أوروبا نتيجة للحرب و رغبة المنتجين الأوروبيين في تخفيض إنتاجهم لترشيد استخدام الطاقة التي أصبحت مكلفة للغاية. و من هذا المنطلق، ارتفعت صادرات مصر و المغرب و تونس من الخضر و الغلال كما ارتفعت صادرات كينيا من الزهور بصفة كبيرة. كما أن كبار منتجي اللحوم بأنواعها المختلفة كالصومال و تشاد و السودان قد يجدون أسواقا جديدة لتصدير منتجاتهم تعويضا لنقص المنتجات الروسية المحظورة.

        ختاما، تُعتبر الحرب الروسية الأوكرانية، بسلبياتها و إيجابياتها، فرصة ذهبية وجب استغلالها على أحسن وجه من قبل كل بلدان القارة الإفريقية فالدول الموردة للغذاء عليها أن تعمل جاهدة على تنويع سلسلة توريداتها و على دعم فلاحتها المحلية أما الدول الإفريقية المصدرة للغذاء و الطاقة فعليها أن تتعلم كيف تسوق بضاعتها عالميا بأسعار جيدة.

و يبقى التكامل الإفريقي و التجارة البينية بين بلدان القارة أمرا ملحا للنهوض بالمستوى المعيشي لسكانها و حتى يصبح الاتحاد الإفريقي نمرا حقيقيا له وزن يُحسب له ألف حساب في المنظمات الدولية.


 عديدة هي الدول التي تمتلك قواعد عسكرية في إفريقيا بطريقة مُعلنة أو سرية (الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و بريطانيا و إيطاليا و اليابان و الصين و بلجيكا و ألمانيا و تركيا و الإمارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية ) في حين يبقى أمر وجود قواعد عسكرية تتبع روسيا و الهند و الكيان الصهيوني أمرا غير مؤكد.  [1]

في سنة 2020 كانت الصادرات الروسية نحو إفريقيا بقيمة 12.4 مليار دولار مقابل 1.6 مليار دولار من الواردات من دول إفريقيا[2]

استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في 24 أغسطس 1991[3]

تمتلك أوكرانيا 20 سفارة في إفريقيا منها 9 سفارات جديدة تم افتتاحها سنة 2024 مقابل 48 سفارة روسية حيث قامت روسيا بالاستحواذ على الإرث السوفييتي من سفارات و قنصليات و مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة[4]

البلدان الخمسة التي صوتت ضد قرار إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا هي روسيا و بيلاروسيا و سوريا و أريتريا و كوريا الشمالية[5]

 تقع أكثر من نصف الثروات الباطنية الأوكرانية في مقاطعتي لوغانسك و دونيتسك الراغبتين في الانفصال عن أوكرانيا و الخاضعتين لسيطرة روسية شبه كاملة منذ بداية الحرب حتى نهاية سنة 2024[6]

[7] مدينة روسية تقع على البحر الأسود

تُعتبر روسيا و أوكرانيا من أكبر مصدري الأسمدة و المواد الكيمياوية على مستوى العالم إضافة لبلدان أمريكا الشمالية و دول الاتحاد الأوروبي و الهند[8]

زر الذهاب إلى الأعلى