القاهرة: صفاء عزب
الماء سر الحياة ويمكن أن يتحول في نفس الوقت الى فيضانات تدمر الحياة، ولذلك خلق الله تعالى الكون بقدر وفق نظام بيئي محكم، ولكن عندما تدخل الإنسان ظهر الفساد وبرزت تحديات ناتجة عن التغيرات المناخية بسبب الأنشطة الملوثة للبيئة.
وتشمل تلك التغيرات ارتفاعا في درجات الحرارة وجفافا شديدا وانتشارا للفيضانات، وكلها تصيب الثروة الحيوانية والنباتية بكوارث جمة ما يعني توجيه ضربة قاتلة لعناصر الأمن الغذائي الأساسية في هذه الحياة.
تزداد الخطورة عندما يتعلق الأمر ببلد يشهد انعداما في أمنه الغذائي لفترات طويلة مثل الصومال الذي يعاني سكانه من نقص حاد في الغذاء وسوء التغذية وصولا للمجاعة والأمراض والمخاطر الصحية المرتبطة بها.
للأسف الشديد يشهد الصومال كافة أنواع الخلل البيئي المرتبطة بالتغيرات المناخية مما أدى إلى تعميق معاناة الشعب الصومالي من المجاعات والكوارث الإنسانية التي خلفتها هذه الظاهرة سيما مع استمرار حالات الجفاف الشديد لعدة مواسم متكررة ومتواترة. ويعاني الصومال من حدة ظاهرة التطرف المناخي حيث تجتمع الفيضانات والجفاف معا مما يؤثر سلبا على الزرع والضرع ومن ثم غذاء الإنسان النباتي والحيواني.
ملامح التغير المناخي في البيئة الصومالية وتوابعه:
تنعكس آثار تلك التغيرات بشكل كبير على الأوضاع في الصومال على كافة الأصعدة من خلال عوامل الحرارة والجفاف والفيضان كالتالي:
- يؤدي الارتفاع المحسوس والملوس بشدة في درجات الحرارة، في مختلف أرجاء الكرة الأرضية عن معدلاتها الطبيعية ومنها الصومال، إلى تقليل إنتاجية المحاصيل وتدهور أراضي الرعي مما يزيد الضغط على الموارد المتاحة والمعروض منها ويسهم في ارتفاع الأسعار وعجز غير القادرين عن الحصول على الغذاء والاحتياجات الضرورية منه.
- الجفاف من أخطر تلك التغيرات ويؤده حدوثه بشكل متكرر وحاد إلى هلاك المحاصيل الزراعية وخسارتها بجانب موت الماشية التي تعد مصدرا رئيسيا للغذاء ومصدر أساسي للدخل في الصومال. وفي ضوء ذلك شهد قطاع الثرو ة الحيوانية خسائر كارثية الأثر على الاقتصاد الصومالي باعتباره يمثل قطاعا حيويا.
- من غرائب الخلل البيئي أن يحدث الجفاف الشديد ومعه الفيضانات أيضا وهو ما يشهده الصومال ويعمق أزمته الاقتصادية والإنسانية. وتدمر الفيضانات كل شئ من أراض زراعية وبنية تحتية مما يضر بعملية الإنتاج الزراعي ويقلل فرص الحصول على الغذاء.
- يعد التصحر من المشكلات الخطيرة المصاحبة للتغيرات المناخية وهي ظاهرة يعاني منها الصومال بشدة مما يهدد إنتاجه المتميز من الماشية والثروة الحيوانية عموما بسبب تأثير التصحر على تدهور المراعي الخضراء البيئة الأساسية لتنمية الثروة الحيوانية.
- ارتفاع مستوى سطح البحر من النتائج السلبية المصاحبة للتغيرات المناخية على الكرة الأرضية بسبب ذوبان الجليد مع ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية مما يؤدي لإغراق الأراضي الزراعية والمراعي والمساكن ومن ثم النزوح وفقدان للأراضي المنتجة وافتقاد مباشر لجزء كبير من مصادر الغذاء للإنسان والحيوان بجانب تعرض التربة الخصبة لأضرار فادحة لزياد ة ملوحتها.
- وفي نفس الوقت تؤدي التغيرات المشار إليها في الصومال إلى ازدياد ظاهرة النزوح الداخلي للسكان من مناطق المنكوبة بهذه الكوارث الطبيعية إلى المناطق الآمنة مما يسبب ضغطا عليها وعلى الإدارة المسؤولة. ولاشك أن في ذلك أعباء تزيد من خطورة وحدة الأزمة الإنسانية التي يواجهها الصوماليون.
الأثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية للتغيرات المناخية بالصومال:
للأسف الشديد لا تقتصر توابع هذا الخلل البيئي على خسائر الأرض والزراعة والثروة الحيوانية ولكنها تمتد لتتسع وتلقي بظلالها على الجوانب الاقتصادية والامنية ومن ثم السياسية والاجتماعية كالتالي:
- آثار اقتصادية
توجد تأثيرات اقتصادية خطيرة من خلال الخسائر في قطاعي الزراعة والرعي وهي تمثل صدمة كبيرة للنظام الاقتصادي الصومالي الذي يتبنى النمط التقليدي الذي يعتمد على نشاط تقليدي لا يتسم بالتنوع ما يجعله هشا في مواجهة التغيرات المفاجئة وغير قادر على التكيف معها وتلافي توابعها السلبية لعدم وجود بدائل متنوعة.
كما يتكبد الاقتصاد خسائر ضخمة يصعب تعويضها خاصة مع استمرار الوضع السئ لفترات طويلة خاصة عندما تكون الأنشطة الاقتصادية المضارة هي الأنشطة الرئيسية التي تشكل المصدر الرئيسي للدخل، وهو ما يعني الدخول في أزمات اقتصادية
وتكشف الإحصائيات عن التأثيرات الخطيرة والممتدة للتغيرات المناخية على أوضاع مثل هذه الاقتصاديات، حيث تشير تقديرات صندوق النقد أن الخسائر التراكمية في إجمالي الناتج المحلي للدول الهشة قد يصل إلى 4% بعد مرور 3 سنوات على وقوع ظواهر مناخية حادة.
- آثار اجتماعية
عندما تحدث هذه التغيرات ويتراجع المعروض من المنتجات الغذائية سواء نباتية أو حيوانية فإن الأسعار ترتفع نتيجة للخلل الحادث بين قوى العرض والطلب بشكل يعجز الكثيرين عن الحصول على الغذاء فتزداد معدلات الفقر وندخل في دائرة سوء التغذية وأمراضها والتي يعد أكثر ضحاياها من الأطفال الرضع وأمهاتهم وكذلك الحوامل اللائي يحتجن رعاية غذائية لاتتوفر في ظل هذه المتغيرات الحادة.
- مشكلات أمنية
مع حالة الندرة والفقر في الموارد الغذائية التي تخلفها عناصر التغيرات المناخية تزداد الصراعات والنزاعات على هذه الموارد بشكل يهدد الاستقرار الأمني خاصة في ظل وجود عوامل أخرى جاهزة لإثارة الخصومة مثل الخلافات الحدودية والسياسية القبلية.
- تحديات سياسية
لاشك أن وجود هذه المشكلات الناتجة من توابع التغيرات المناخية يلقي بأعباء جسيمة على كاهل القادة السياسيين الذين يصبحون مضطرين لمواجهة مشكلة متشعبة لاتقتصر على كونها أزمة غذائية وإنما ذات أبعاد وتأثيرات واسعة ما يفرض تحديات سياسية تزداد آثارها في ظل ضعف مقدرات الدولة وقدرات مؤسساتها على التكيف في مواجهة هذه المشكلة.
إجراءات مواجهة التغير المناخي في الصومال:
لاشك أن التغيرات المناخية وتأثيراتها المتشعبة على الأمن الغذائي والمجتمعي تتطلب جهودا حثيثة لمواجهتها على مختلف الأصعدة. وتشير الأمم المتحدة إلى أن الصومال يحتاج إلى استثمارات ضخمة في مجالات التكيف مع التغير المناخي وإدرة الموارد الطبيعية وبناء بنية تحتية قادرة على تحمل توابع التغير.
وفي ظل هذا الواقع المفروض على الدول التي تدفع فاتورة التطرف المناخي في العالم الثالث ومنها الصومال، فإن الأمر يستلزم مجموعة من الجهود المتضافرة معا وتشمل جهود داخلية وخارجية كالتالي:
أولا: الجهود الداخلية:
إن طبيعة استحكام الأزمة المناخية وتوابعها البيئية في الصومال يفرض على جميع الأطراف الداخلية القيام بأدوار وواجبات حيوية.
- دور الحكومة:
- على الإدارة السياسي في الصومال تبني خطة وطنية للتكيف مع هذه المتغيرات وذلك من خلال وضع السياسات والاسترايجيات بهدف تحديد الاجراءات اللازمة لسرعة التعاطي مع الظواهر المناخية وتجنب أثرها في القطاعات الحيوية كالزراعة والصحة والمياه والبنية التحية.
- كما يجب تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والاهتمام بالاعتبارات المناخية والبيئية
- هناك أيضا قانون إدارة الكوارث الذي يجب توجيهه الى زيادة القدرة على الاستعداد لمواجهتها.
- ويمكن للحكومة أن تقوم ببعض الإجراءات المهمة للتعاطي العلمي والبراجماتي مع أزمات التغيرات المناخية وخلق قدر من المرونة في مواجهتها كما يلي:
- بناء القدرات المؤسسية المعنية بالموضوع من خلال توفير التدريب والموارد اللازمة
- الاستثمار في القدرات الخاصة بإدارة الموارد المائية والاستثمار فيها كبناء السدود وخزانات المياه للاستعانة بها في فترات الجفاف.
- الاهتمام بمشروعات البنية التحية مهمة جدا مثل الطرق والجسور كخدمات لوجستية مهمة للزراعة لتيسير نقل المحاصيل وتوزيعها وتسويقها دون خسائر.
- يجب العمل على تنويع مصادر الغذاء وعدم الاعتماد على زراعة محصول واحد بل لابد من التنوع لخلق حالة من المرونة في مواجهة أية صدمات.
- الاستثمار في مشروعات الزراعة الذكية التي تعتمد على استخدام تقنيات وتكنولوجيا متقدمة وقادرة على التكيف مع التغيرات المناخية مثل الزراعة المحافظة على المياه واستخدام البذور المقاومة للجفاف.
- كذلك تطوير الثروة الحيوانية والاستعانة بالعلم المتقدم في انتاج سلالات محسنة من الحيوانات لها ميزة الانتاج بكميات اكبر مع مشروعات رعايتها الصحية
- ضرورة الاهتمام ببرامج التوعية الشعبية لحث الشعب على التعاون مع الحكومة لمواجهة القضية ومعرفة آثارها
- دور رجال الاعمال الوطنيين
كما يمتلك الصومال أراضا خصبة مترامية الأطراف داخلها كل الخير فإنه يزخر أيضا بنخبة كبيرة من رجال الأعمال المخلصين وأصحاب القدرة في الإبداع في مجالات اقتصادية تحتاجها بلادهم بشكل ملح مثل الزراعة والبنى التحتية وكذلك الاستثمار في قطاع الثروة الحيوانية ولا شك أن مشاركتهم وجهودهم مطلوبة في هذا الوقت.
- دور المجتمع المدني والهيئات الشعبية
إن صعوبة الأزمة وتأثيراتها الخطير تفرض على الجميع ضرورة التعاون وتوحيد الجهود لمواجهتها لأن الخطر حينما يحدث فإنه يصيب الجميع. وعلى ذلكتأتي أهمية المنظمات المجتمعية والأهلية في العمل والتوعية وتقديم المساعدة للمتضررين
ثانيا: الجهود الخارجية والتعاون الدولي:
لقد انضم الصومال إلى الاتفاقيات الدولية منها الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس كما يشارك في المفاوضات الدولية ذات الصلة، إلى جانب الشراكة مع المنظمات الدولية المعنية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم للبيئة وذلك بهدف إنجاز مشروعات تتكيف مع الوضع.
كما تعمل الحكومة على جذب التمويلات الدولية من الدول المتقدمة والصناديق المعنية لدعم المشروعات المرتبطة بجهود التكيف.
لاشك أن طبيعة أزمة التغيرات المناخية العالمية تستلزم تعاونا على مستوى الدول ولا تقتصر على عمل الإدارات الحكومية داخل كل دولة على حدة خاصة وأن توابعها مرتبطة بأنشطة تمارسها دول متقدمة وتلقي بظلالها السوداء على الشعوب الفقيرة ومنها الصومال. وهو ما يعني وجود التزام قانوني من العالم تجاه الشعوب المتضررة بتقديم الدعم والمساعدة لتجاوز الأزمة. وقد أشارت التقديرات الدولية للمؤسسات المعنية بالكوارث البيئية في العالم إلى أنه لم يتم توفير سوى 11% من المبلغ المطلوب للقيام بهذا الأمر مما يعرض الصوماليين لأزمة كبيرة ومزمنة في ظل تعثر المفاوضات بين دول الشمال المتقدم وشعوب الجنوب المضارة. ولذلك يجب العمل الدولي والأممي على توسيع دائرة الموارد من العالم المتقدم لمساعدة فقراء العالم المضارين من أزمة تغير المناخ والذين يواجهون كوارث المجاعات والنزوح والتشرد وصولا لخطر الموت.
وختاما:
فإنه بناء ما سبق يتضح جليا أن التغيرات المناخية ظاهرة خطيرة تلقي بظلالها على مختلف المجالات وتحدث آثارا خطيرة تهدد الأمن الغذائي والمجتمعي والسياسي. وهي تتطلب تضافرا للجهود كافة على الصعيد الداخلي والخارجي. وتفرض ضرورة سرعة التحرك بمشروعات واستثمارات وإجراءات فعالة لدعم التكيف وتجنيب الشعب الصومالي مخاطر كثيرة وكذلك لدفع الاقتصاد الصومالي للأمام وتخليصه من حالة الهشاشة التي تعرضه لمخاطر الصدمات الفجائية.
كما يجب على المجتمع الدولي الاضطلاع بدوره المادي والأدبي في دعم الصومال ومساعدته لتجاوز الأزمة.