القاهرة: صفاء عزب
تتسم منطقة القرن الإفريقي بأنها دائما في حالة حراك وتطور نتيجة التفاعلات التي تحدث جراء طبيعة العلاقات فيما بين دوله، والناجمة عن التطورات السياسية التي تشهدها تلك المنطقة الحيوية من القارة الإفريقية بل ومن العالم، وتحظى باهتمام إقليمي ودولي كبيرين.
ومن هذا المنطلق حظي التحالف الثلاثي المصري الصومالي الإريتري المنعقد نهايات العام الماضي باهتمام كبير وأحدث ردود فعل متباينة بين ترحيب وقلق وذلك لانعكاساته المتشابكة على دول المنطقة باعتباره من أهم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها القرن الإفريقي مؤخرا. ولا شك أن هذا التحالف الذي تم الإعلان عنه في العاصمة الإريترية أسمرة ليس مجرد اتفاق تعاون بين ثلاثة دول كبار في القارة الإفريقية، وذلك لما يحمله من دلالات استراتيجية عميقة مرتبطة بعملية إعادة تشكيل التوازنات بمنطقة القرن الإفريقي، خاصة وأنه جاء في أعقاب خطوة مهمة وحساسة بتوقيع الصومال لتفاهمات عسكرية مع مصر ردا على الاستفزازات الإثيوبية آنذاك.
ويجدر بنا عند تقييم هذه الخطوة وتحليل آثارها وانعكاساتها في هذا الصدد أن نتوقف عند أهداف هذا التحالف وأبعاده والتحديات التي يمكن أن تواجهه. كما لا يمكن تجاهل ردود الأفعال المتباينة لدول الجوار وكيف تلقت خبر هذا التحالف وموقفها منه وفق حسابات المكسب والخسارة وعلاقة ذلك بتطور علاقاتهم فيما بينهم خاصة تلك المصالحة التي تمت برعاية تركية بين الصومال وإثيوبيا بعد الإعلان عن التحالف الثلاثي بفترة قصيرة، وهو الأمر الذي لا يمكن فصله عن تأثير الدور التركي في هذا الصدد، وهو ما نتناوله ببعض التفصيل في السطور القادمة.
أولا: أهداف التحالف المصري الصومالي الإريتري:
لاشك أن هناك أهدافا عليا من وراء هذا التحالف يمكن تلخيصها في:
- مواجهة التحديات المشتركة:
من المعروف أن هناك تحديات مشتركة تواجه الدول الثلاث يأتي في مقدمتها القرصنة البحرية والهجرة غير الشرعية والتأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وآثارها الخطيرة، بجانب الإرهاب والتطرف، وهوما يتطلب التعاون الجماعي لمواجهتها من خلال القنوات الدبلوماسية والسياسية والسبل الأمنية فيما بين أعضاء التحالف.
- تحقيق التوازن الاستراتيجي
في ظل تنامي نفوذ قوى إقليمية تأتي أهمية العمل على تحقيق التوازن الاستراتيجي وذلك من أجل الحفاظ على الأمن القومي وحماية المصالح العليا وهو ما يهدف إليه هذا التحالف.
- دعم التنمية الاقتصادية
يعد الاقتصاد عصب الحياة ولا تنفصل أهدافه عن أية تحركات وتطورات سياسية ومن ثم تسعى دول التحالف للاستفادة من فرص تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بينهم وجذب الاستثمارات الأجنبية وتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة من خلال أواصر هذا التحالف.
ثانيا: أبعاد التحالف الثلاثي بين مصر والصومال وإريتريا
في ضوء ما سبق يمكن تحديد عدة أبعاد لهذا التحالف الثلاثي كالتالي:
- البعد السياسي
إن تحالف الدول الثلاث يحدث من التقارب ما يخلق تفاهمات نحو القضايا محل الاهتمام المشترك، حيث يمكن للتحالف تيسير عملية التنسيق في المواقف السياسية في المحافل الدولية وتعزيز دورها في حل النزاعات الإقليمية وهو ما يؤدي لزيادة الثقل الدولي لهذه الدول تجاه القضايا المعنية.
- البعد الأمني:
بحكم أن الأمن هدف أساسي لكل دولة خاصة في ظل تصاعد التهديدات الإرهابية في المنطقة والأنشطة غير القانونية المحظورة، تأتي أهمية التنسيق الأمني فيما بين أعضاء التحالف الثلاثي وذلك من خلال التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب والتطرف والجرائم المنظمة.
- البعد الاقتصادي
يعد الاقتصاد قاطرة وداعم أساسي للسياسة وبدونه لا تستقيم، ومن ثم يشغل بعدا رئيسيا في خلفيات هذا التحالف وذلك بالسعي إلى تعزيز التكامل الإقليمي الاقتصادي بين الدول الثلاث من خلال تيسير وتنشيط حركة التجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية ودعم التعاون الإقليمي في مجالات حيوية مثل الطاقة والنقل.
ثالثا: التحديات التي تواجه تحالف مصر والصومال وإريتريا:
على جانب آخر، توجد هناك مجموعة من العوامل التي تشكل تحديات قد تعرقل عمل هذا التحالف الثلاثي نحو تحقيق أهدافه ويمكن إيجازها في:
- وجود توترات إقليمية بمنطقة القرن الإفريقي وما يصاحبها من نزاعات مستمرة تؤثر على قوة التحالف.
- نظرا للظروف الاقتصادية التنموية الصعبة التي تمر بها دول التحالف بدرجات متفاوتة، فإن هناك تحديا يتعلق بمحدودية الموارد للدول الثلاث مما يجعلها بحاجة إلى دعم مالي وفني من المجتمع الدولي لتحقيق الأهداف المنشودة.
- من المشكلات التي تعانيها المنطقة كثرة التدخلات الخارجية من قوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالحها وأجنداتها والتي قد تتعارض مع رؤى وأهداف التحالف.
رابعا: مواقف الدول المعنية من هذا التحالف:
لاشك أن العروج على التحديات المواجهة لهذا التحالف لاتنفك عراه عن معرفة مواقف الدول المختلفة المعنية بهذا التحالف ونجد أن المواقف تتراوح ما بين الرضى والترحيب والقلق والتوتر.
وبصفة عامة هناك:
- دول قد تكون مرحبة
وهي الدول التي يمكن أن تستفيد من هذا التحالف مثل دول الخليج التي قد ترى فيه مصلحة لتعزيز نفوذها ومواجهة قوى إقليمية أخرى. وعلى الصعيد الدولي أيضا توجد دول مرحبة ومستفيدة من التحالف الثلاثي مثل الصين التي قد تجد فيه شريكا استرايجيا في منطقة القرن الإفريقي.
- دول قد تنزعج ويصيبها القلق من التحالف الثلاثي
يؤدي اختلاف المصالح وتضاربها بين الدول إلى تباين المواقف من هذا التحالف والشعور بالقلق والانزعاج ومنهم إثيوبيا تلك القوة الإقليمية التي تطمح لفرض نفوذها بالمنطقة ولما لها من علاقات مع جيران آخرين قد تتأثر بدرجة أو بأخرى بقيام هذا التحالف. أيضا جيبوتي يمكن أن تكون من هذا الفريق حيث تعتمد بشكل كبير على موقعها الاستراتيجي كممر للتجارة العالمية وبها قواعد عسكرية للدول الكبرى، وقد يؤثر التحالف على دورها الذي تسعى للحفاظ عليه بالمنطقة. كذلك قد يشعر السودان وجنوب السودان ببعض القلق إذا ما ارتأت في تحالف مصر والصومال وإريتريا تهديدا لمصالحها.
وبشكل عام فإن ردود الأفعال والمواقف الإقليمية والدولية من هذا التحالف تعتمد بشكل كبير على مجموعة من العوامل والاعتبارات أهمها طبيعة هذا التحالف وأهدافه المعلنة، فلو كان يؤسس تركيزه على التعاون الاقتصادي والتنموي فإن البارز هو تأثيراته الإيجابية على المنطقة بشكل عام والتي تخلق مناخا جيدا للتعاون، أما لو كان التركيز على تحقيق أهداف عسكرية وأمنية فإن ذلك قد يؤدي لزيادة التوترات بالمنطقة.
كما تنعكس التفاعلات الإقليمية الأخرى مثل العلاقات بين دول القرن الافريقي والتدخلات الخارجية من القوى الاقليمية والدولية على مناخ التعاطي مع هذا التحالف.
خامسا: أثر التصالح الصومالي الإثيوبي على التحالف الثلاثي:
كان من الملفت للنظر حدوث مصالحة بين الصومال وإثيوبيا برعاية تركية بعد فترة قصيرة من الإعلان عن تحالف الصومال مع إريتريا ومصر، الأمر الذي آثار بعض القلق من انعكاس ذلك على مستقبل وجدوى التحالف، وهو الأمر الذي يتوقف على عدة عوامل هي:
أهداف تلك المصالحة التي يهدف اليها الصومال وإثيوبيا ومدى التقارب وعمق العلاقات بينهما، وردود الأفعال المقابلة من طرفي التحالف الآخرين مصر وإريتريا. كما توجد نقطة أخرى مهمة تتعلق بطبيعة التطورات الجيوسياسية في القرن الإفريقي والتأثير المتبادل فيما بينها.
ويمكن قياس تأثير تلك المصالحة على مستقبل التحالف من خلال معايير محددة تشمل:
- الأهداف الثنائية المشتركة للمصالحة الصومالية الإثيوبية.
وهي تتضمن مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي في مجال التنمية وهو الأمر الذي تحقق فإنه قد يقلل أهمية التحالف الثلاثي بالنسبة للصومال.
- موقف مصر وإريتريا.
فلو شعرت كل من مصر وإريتريا بالقلق من التقارب الثنائي بين الصومال وإثيوبيا ربما يدفعهما ذلك لتعزيز علاقاتهما مع دول أخرى بالمنطقة عوضا عن التأثير السلبي الحادث. كما يمكن لدول أخرى في الجوار أن تتخذ مواقف بناء على مراقبتها للوضع وانتهازا لأي فرصة تخدم مصالحها.
وبناء على ذلك قد تتغير التحالفات إذا ما جاء التقارب الصومالي الإثيوبي على حساب علاقة الصومال بتحالفه مع مصر وإريتريا، وهو ما يؤثر على موازين القوى مما يدفع بطرفي التحالف الثلاثي المتضررين إلى إعادة النظر في التحالف الثلاثي.
- التأثير الجيوسياسي:
وهو تأثير يتضمن النفود والتنافس الإقليميين. بمعنى أن التقارب الثنائ بين الصومال وإثيوبيا قد يؤدي لزيادة نفوذ إثيوبيا بالمنطقة على حساب الدور المصري والإريتري كما يخلق مناخا من التنافس الإقليمي على النفوذ بشكل قد يعرض المنطقة لصراعات محمومة تنعكس سلبا على استقرارها.
سادسا: تأثير الدور التركي على فاعلية التحالف الثلاثي:
لاشك أن تركيا من القوى التي تسعى لبسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي وتحرص على التواجد بقوة بشتى الطرق والقنوات سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا وإجتماعيا. ومن هذا المنطلق كان دورها الفريد في النجاح بتقريب وجهات النظر بين الصومال وإثيوبيا ورعايتها للمصالحة التي تمت بينهما، ولم يكن توقيت هذه المصالحة عبثا حيث أنه تم بعد فترة وجيزة من تأسيس التحالف الصومالي الإريتري المصري، وكأن تركيا توجه رسالة للجميع بأنها موجودة وتشارك باللعب على الساحة الإفريقية وخاصة منطقة القرن الإفريقي بقوة.
ويمكن تحليل أثر ذلك على التحالف وأهدافه الاستراتيجية من خلال معرفة المصالح التركية بالمنطقة وكذلك طبيعة علاقاتها مع دول التحالف الثلاث وأثرها عليه.
- المصالح التركية بالمنطقة
ويمكن حصرها في تحقيق نفوذ إقليمي نظرا لأن المنطقة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية، بالإضافة إلى التعاون مع دول المنطقة لمواجهة الخطر المشترك مثل القرصنة والإرهاب. ويضاف إ لى ذلك الهدف الكبير لتركيا المتمثل في فتح أسواق لها في إفريقيا وزيادة حجم تجارتها واستثماراتها فيها لتعظيم مكاسبها وأرباحها ضمن مخططاتها الطموحة.
- علاقات تركيا بدول التحالف الثلاث:
أولا مع الصومال:
نجد أن علاقة تركية قوية جدا بالصومال فهي تتعاون معها في مجال التنمية وتقدم لها دعما في مجالات الأمن والاقتصاد وتعتبر من أكبر المستثمرين في الصومال.
وتؤثر هذه العلاقة على التحالف الثلاثي من خلال عدة عوامل منها:
- دور الوساطة الذي تحرص تركيا أن تلعبه بين الصومال وإثيوبيا مثلما حدث بالفعل وهو ما ينعكس بشكل أو بآخر على التحالف الثلاثي
- مع تنامي النفوذ التركي في الصومال يحدث تنافس على النفوذ بالمنطقة بين تركيا ومصر .
- قد يؤدي التقارب التركي الصومالي إلى تغيير التوازنات الاستراتيجية بشكل يلقي بظلاله على جدوى التحالف.
ثانيا: مع إريتريا:
مع اريتريا تسعى تركيا لتطوير علاقاتها وقد قامت بزيارات رسمية ومباحثات مع المسؤولين الإريتريين.
وهناك محوران لهذه العلاقة يمكن أن يحدثا أثرهما على التحالف هما:
- التعاون الاقتصادي وزياد ة النفوذ التركي في إريتريا.
- حرص تركيا على التواجد للتنافس على النفوذ في المنطقة.
ثالثا:مع مصر:
من الملاحظ وجود بعض التوترات من وقت لآخر لكن في نفس الوقت توجد مصالح مشتركة بين الطرفين. ويلقي ذلك بظلاله من خلال:
-التوترات الإقليمية التي يخلقها التوتر بين البلدين بما يحول المنطقة الى ساحة للصراع بشكل يعكر صفو التحالف.
-التعاون الاقليمي رغم التوتر قد يتواجد في مجالات مكافحة الارهاب والتنمية الاقتصادية.
وبشكل عام فإنه من الصعب تقييم أثر الدور التركي على التحالف المصري الصوومالي الإثيوبي خلال فترة وجيزة لأنه يحتاج لوقت كاف لإخضاعه لمتطلبات الموضوعية في التحليل ولكن ما يمكن التأكيد عليه أنه كلما كانت النوايا طيبة والسلوكيات سليمة في إطار تنافسي مشروع يسعى لتعظيم المصالح دون الإضرار بالآخرين وعد م التدخل في شؤونهم الداخلية أو محاولات بسط النفوذ يصبح الأمر جيدا وغير مقلق وفي مصلحة المنطقة ككل.
وختاما:
لاشك أن التحالف بين الصومال ومصر وإريتريا يمثل تطورا مهما في المنطقة حيث يسهم في إعادة تشكيل التوازنات الاستراتيجية وتعزيز الاستقرار الإقليمي ودفع المنطقة لتحقيق التنمية الاقتصادية. وهو لازال كيانا وليدا يسهم في تشكيل ملامحه التطورات الجيوسياسية بالمنطقة. ولكنه في نفس الوقت يواجه تحديات كبيرة وردود أفعال متباينة بشكل يتطلب بذل جهود كبيرة ومستمرة لتحقيق الأهداف التي تأسس من أجلها.