يوم 21 يناير هو يوم تاريخي. لن يمحو من ذاكرة الشعب الصومالي رغم محاولات البعض من تقليل شأن هذا اليوم العظيم. يحتفي المواطن الصومالي في يوم 21 يناير بمناسبة ذكرى إنشاء أول صحيفة صومالية تكتب باللغة الصومالية وتطبع داخل البلاد. يعبر عن فرحته العميقة بكتابة لغته الأم ، وتمكّنها من أن تتوسع جميع ما يحتاجه من المصطلحات، وأسماء الآلات والمقترحات ، ويجدد العرفان والإمتنان لكل من ناضل وجاهد وقدم الدعم والإسناد من أجل تحقيق هذا الانجاز التاريخي ، وفتح آفاقا رحبة نحو التحرر من ربق الاستعمار وأغلاله الاجتماعية ، وقيوده العلمية والثقافية . حاول الاستعمار الغربي كثيرا من أجل إبقاء المواطن الصومالي من بوتقة الجهل والحواشي من الكلم بعد أن تحرر من حكمه المباشر.

وجه الرئيس الأسبق محمد سياد بري في 21 يناير عام 1990 إلى اعتبار هذا اليوم من كل عام يوما وطنيا للصحافة . يتذكر فيها الجميع ويعترف بالتضحيات والأثمان الباهظة التي دفعها الصحفيون والصحفيات الكبار الذين اتخذوا المجال الإعلامي سبيلا في محاربة الإستعمار والكفاح ضد الجهل والتضليل الغربي. لا يخفى على أحد أن هناك إعلاميين كبار قدموا الغالي والنفيس ، وذاقوا مرارة السجن والابعاد احتجاجا ورفضا لهيمنة الإعلام الغربي وثقافته على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي في الصومال في أيام عهد الاستعمار الإيطالي والبريطاني، وخطوا بأقلامهم البسيطة بما تيسر لهم من الصحف تفيض بكلمات وعبارات لا تقدر بثمن وأغلى من الدرر والجواهر المكنونة ساهمت بشكل كبير في رفع وعي الصوماليين حول ما يجري في بلادهم .

مرت الصحافة الصومالية بمراحل ومحطات متعددة واصل العاملون فيها ليلهم بنهارهم من أجل وضع أسس راسحة لصرح إعلامي وطني يشفي غليل المواطنين مما يحتاجونه من الأخبار المحلية والعالمية ، وإلحاق الصحافة الصومالية بنظيراتها في الدول المتقدمة، ونجحوا في ذلك إلى حد بعيد ، حيث ظلت نجمة أكتوبر التي أنشئت عام 1973 بنسختيها الصومالية والعربية رائدة الصحافة في الصومال ، ومنبرا يتدرب فيه جيل من أبرز كتابي الصحافة الصومالية بعد الاستقلال. عمل في نجمة أكتوبر كوكبة من الكتاب والاعلاميين ومن أبرزهم، الأستاذ أحمدي رئيس مجلس الصحافة عبد الغفار رئيس صحيفة نجمة أكتوبر ، والشيخ إبراهيم والد كاتب هذا المقال ، والأستاذ الدكتور أحمد عبد الله وزير التعليم الأسبق رحمه الله ، وأويس شينو الله يرحمه والأستاذ عيسي فارح ، والأستاذ عثمان أمين ، والأستاذ صلاد فيذو وغيرهم من الكتاب البارزين، كما بدأ كثير من كبار المذيعين الصوماليين خطواتهم الأولى في إذاعة مقديشو التي صقلت مواهبهم ودربتهم ثم أصبحوا نجوما في إذاعات عالمية مثل بي بي سي.

للصحافة الصومالية تاريخ طويل وحافل بالإنجازات يعود إلى بدايات القرن العشرين ، وعمل فيها شخصيات مرموقة وضعت اللبنة الأولى للصحافة الصومالية بينهم الأستاذ محمود جامع أوردوح وهو أول صومالي أنشأ صحيفة في الصومال عام 1935 ، والأستاذ حاج عبدي دعالي أول مذيع صومالي عمل في إذاعة هرجيسا عام 1943 ، وصدرت العديد من الصحف بينها صحيفة الصومال في الفترة ما بين 1950 إلى 1960، وصحيفة اللواء عام 1957 ، وصحيفة الوحدة 1957 ، وصحيفة الصريحة. في حين أنشئت صحف يومية وأسبوعية بعد الاستقلال بينها أخبار الصومال عام 1964 ولاتريبونا 1967 واتحاد الشباب الأسبوعية 1968 ، والحقيقة الأسبوعية ، وصحيفة الوطن الشهرية التي رأت النور عام 1968. لكن الانجاز الأكبر تحقق في عهد سياد بري رغم حظر الصحف المستقلة، فأنشأ معهد الوطني للصحافة عام 1976 ، وكلية الصحافة عام 1980 ، كما تم تطوير وكالة صونا للأنباء التي أنشئت عام 1964 ، والمطبعة الحكومية التي كانت تطبع الكتب والصحف والمجالات بما فيها صحيفة نجمة أكتوبر، وكذلك أنشئ التلفزيون الصومالي الرسمي عام 1983.

وفي الختام يجب أن نتكاتف من أجل ترميم هذا الإرث العظيم بعد أكثر 30 عاما من الحرب والتدمير من أجل تجسيد تطلعات الشعب الصومالي لإعلام وطني تعددي جدير بالمنافسة في ظل انفلات عقال الإعلام غير التقليدي (سوشيال ميديا) الذي لا يميز الغث عن السمين وينشر كل ما هب ودب وطاب وكدر.