أحمد فارح علي:ذاكرة الشعر الصومالي وأيقونة النقد اللغوي

في سماء الثقافة الصومالية، يسطع نجم اللغوي الكبير والناقد الفذ أحمد فارح علي وكأن القدر اصطفاه ليكون حارسا أمينا لذاكرة الشعر الصومالي. الرجل الذي يلقب بـ”IdaaJaa” ثروة قومية تتجاوز حدود الزمن، يحمل على كاهله أمانة حفظ درر الأدب الصومالي، وكأنه غواص ماهر ينقب عن اللآلئ ويصقلها لتظل متألقة أبد الدهر شاهدة على جمال الروح الصومالية وعمق إرثها الثقافي.

على مدى نصف قرن، كرس أحمد فارح علي حياته لتوثيق الشعر الصومالي، قديمه وحديثه، في مسعى نبيل لصون هذا الكنز الثقافي من الضياع. وكأنه أراد أن يمنح الأجيال القادمة جسرا يعبرون عليه نحو الماضي، مستلهمين الحكمة والجمال من عيون الشعر، الذي حمل بين أبياته أحلام الصوماليين، وآلامهم، وآمالهم. بفضل جهوده، بات الشعر الصومالي أكثر رسوخا وانتشارا ولم يعد حبيس الأذهان بل صار مادة حية تتدفق بالحياة، تروي عطش الباحثين وتحكي قصص المجد، والتاريخ، والهوية.

ورغم أن إنجازات أحمد فارح علي لا تقبل التشكيك، إلا أن بعض الأصوات وجهت إليه سهام النقد، متهمة إياه بمحاباة شعراء من مناطق معينة على حساب آخرين. لكن حين نتأمل السياق بعناية، نجد أن الرجل لم يكن مهملا لأحد، بقدر ما كان رهينة لندرة المصادر المتاحة له. فالمعلومات التي توفرت بين يديه هي التي شكلت اهتماماته وأولوياته، دون أن يعني ذلك إهمالا مقصودا أو تحيزا متعمدا.

في عمق فكره وأسلوبه النقدي، يقف أحمد فارح علي كالمايسترو الذي يعرف كيف يعزف على أوتار اللغة. هو ناقد يوازن بين البساطة والعمق، وبين التحليل الفني والرؤية الجمالية. كلماته تتسلل إلى النصوص، لتكشف عن أسرارها وتضيء زواياها، فتضيف إليها أبعاداً جديدة لم تخطر على بال القارئ والمستمع من قبل.

وفي عالم يندر فيه أولئك الذين يكرسون حياتهم للفن والأدب، يظهر أحمد فارح علي كمنارة ترشد السفن في بحر الثقافة الصومالية. جهوده ليست مجرد مشروع ثقافي، بل هي شهادة حب عميق لوطنه. أدرك منذ البداية أن صون الأدب يعني صون الهوية، وأن الشعر هو الروح التي تنبض في جسد الأمة.

أحمد فارح علي ليس مجرد اسم يتردد على ألسنة المثقفين، بل هو ذاكرة حية، وأيقونة خالدة. وتستحق جهوده التي تحمل في طياتها نبل الرسالة وسمو الهدف أن تخلد وتدرس. فما قام به ليس مجرد عمل فردي بل هو إرث جماعي تفتخر به الأجيال.

عندما نذكر “Idaajaa”، نستحضر صورة رجل جاء ليعيد تشكيل المشهد الثقافي ويحفظ الذاكرة من التآكل ويزرع أملا في قلوب عشاق الشعر والأدب.هو رمز للعطاء الذي لا ينضب والنور الذي لا ينطفئ.

عبد الرحمن غوري

عبدالرحمن غوري باحث في الأدب والفلسفة
زر الذهاب إلى الأعلى