مساعي نيجيرية لحل الأزمة السودانية

‏في كل مره أجري فيها لقاءاً صحفياً مع بعض الجهات الإعلامية الفرنسية سواء العاملة في ‫أفريقيا أو خارجها يبادرني المحاور بالسؤال المعتاد “ما الذي يحتاجه الإبداع في كافة المجالات حتى يستمر ويتعاظم، وهل حرفية ومهنية الباحث أو الكاتب تعود لتجربته الشخصية؟ قاسية كانت أم مرفهة؟ أم تعود لدائرة هرولته للحصول على منصب أو سلطة أتاحت له فرصة الإطلاع على أسرار لا تصل للجماهير؟، وفي كل مره تكون إجابتي واحدة لا تتغير “المهرولين واللاهثين وراء المناصب يا أستاذي الكريم وفي كل الأنظمة السياسية لا تحترمهم القيادات ولكنها تستخدمهم لتحقيق غاية ما ثم ينتهي دورهم إلى لا شيء، وتعيدهم إلى حجمهم الذي كانوا عليه ولا أكثر من ذلك، ومن نعم الله سبحانه وتعالي على الباحثين المهنيين أنه نزع منهم حب القيادة واللهث وراء المناصب أو حتى الإقتراب منها، والهرولة لمن يمثلونها، وهذه نعمة يُدركها الباحثون بإختلاف أفكارهم، ومللهم، وتوجهاتهم، طموحي الأول والأخير، أن أبقى باحثة في مجالي أكتب بحرية، وأناقش بفكر، وأختلف بود، وأتفق بإقتناع، دون تهديد ولا ترهيب ولا تخوين ولا تشكيك فيما نطرح، وهذا برأيي ما يساهم في عملية التطوير البحثي ويعزز مصداقية البحث العلمي وإبداعه ليؤدي دوره في وجود سقفاً يحترم الفكر وإن كان مختلفاً، ويقدر الإسهامات وإن كانت متواضعة، ويعزز أبواب الفرص لتطوير بحث علمي حقيقي خادماً للوطن لا سواه”

‏أجريت مساء أمس حوار مع  “S.N.G 7” الفرنسية الصادرة من العاصمة السنغالية داكار، سألني فيها المحاور عن إنعكاس التطورات السياسية في منطقة غرب ووسط افريقيا على الساحة السودانية وكيف ترى ⁧‫الخرطوم⁩ الدور الذي يمكن أن تلعبه تلك المنطقة في حل الأزمة السودانية الراهنة؟ ورغم قناعتي المسبقة بأهمية ⁧‫السودان⁩ في الإستراتيجية الدولية إلا أن المحاور لم يخفي إهتمامه من الإستماع لمألات وأبعاد ذلك الدور من وجهة نظر “خليجية” قد تصيب وقد تخطىء.

‏أرى أن إنخراط ‫نيجيريا  لحل الأزمة السودانية مهم ومحوري، ورغم إدراك إدارة الرئيس النيجيري “Bola Tinubu” بقرب حسم المعارك في السودان لصالح الجيش السوداني إلا أن “Bola” يحتاج للعب دور وسيط السلام في السودان ويعود ذلك لعدة أسباب:

  • ‏   نجاح أبوجا في إلتقاط توجه الخرطوم الجديد نحو عمقها الأفريقي هو ما دفع وشجع الرئيس “Bola” إلى توجيه وزير خارجيته “Yusuf Tuggar”  -المعروف عنه قربه من بعض الشخصيات السودانية- على فتح قناة سرية للتواصل مع القيادات السودانية للتباحث حول هذه الأزمة وإيجاد طرق لحلها.
  • ‏ إعادة تعيين “Bola” رئيساً للمجموعة الإقتصادية لدول غرب  أفريقيا  “الإيكواس” فرض على أبوجا توسيع دائرة تأثيرها ودورها في الإقليم ولعب دور قيادي تحتاجه إدارة “Bola” بعد التغييرات الأخيرة التي طالت أجهزتها الأمنية والاستخباراتبة.

آرى أن أبوجا ستحتاج لإنجاح مهمتها في الخرطوم إلى الوقوف على الآتي :

  • ‏ دراسة الموقف الكيني الداعم لمليشيا  الدعم_السريع والتعرف على رؤية إدارة الرئيس “وليام روتو” حول ذلك، فرغم قناعة أبوجا بأن نيروبي تمارس دوراً تجاه الأزمة السودانية، إلا أن ذلك الدور قد لا يعبر بالضرورة عن موقف الدولة الكينية بإجماع كافة مؤسساتها المرتبطة بأمنها الوطني، والفرق كبير بين الدور الذي يمكن أن يكون مطلوباً منها وبين الموقف المعبر عن ذاتها، وتشارك نيروبي إنجامينا في ذلك.
  •  طرح آليات جديدة لتطوير إستراتيجية الآمن الإقليمي في القارة الأفريقية لمحاصرة كافة الأطراف الأفريقية التي رفعت شعار الحلول الأفريقية للأزمات الأفريقية ولكنها سرعان ما أطاحت بذلك الشعار للإلتحاق بركب ما يطلق عليه  باللغة الفرنسية “Les colonisateurs africains” ويعني باللغة  العربية “الأفارقة المستعمرون”

‏تدرك أبوجا الرؤية الدولية والدور المستقبلي الذي تعوله تلك الرؤية لثلاثة دول أفريقية مرشحة لقيادة أفريقيا مستقبلاً  ‫اثيوبيا  ، جنوب افريقيا، نيجيريا” وهذا ما يفسر توجه نيجيريا لجنوب إفريقيا موخراً للتباحث حول الأزمة السودانية، إلا أن هناك خلافاً بين أبوجا وبريتوريا حول ذلك، فالأخيرة ترى أن حل الأزمة لابد أن يتم برعاية الإتحاد الأفريقي، والأولى تسعى لحلها من خلال القنوات الخاصة لقناعتها بعدم قدرة الإتحاد الإفريقي على حلها، وأرى أن الطرفان في النهاية سيتوافقان على صيغة مشتركة في ظل إقتراب تعيين رئيس جديد لمفوضية الإتحاد الإفريقي فبراير القادم. (خاصة ان هناك مرشح نيجيري تدعمه بريتوريا)

‏أما ما يتعلق بجمهورية  ‫تشاد، فأرى أن “إستراتيجية التعاون والتقارب” التي أطلقتها أفريقيا الوسطى مؤخراً للتقارب مع السودان فإنها جاءت بعد قناعة الأطراف الدولية والإقليمية بقرب حسم المعارك المسلحة لصالح ‫الجيش السوداني وفشل الرهان على الدعم السريع ، أرى أن مبادرة بانغي ستساهم في إضعاف نشاط مليشيا الدعم السريع والقضاء عليها تدريجياً، وتقريب وجهات النظر بين الخرطوم وبانغي،  ومن ناحية أخرى ستدفع أنجامينا “ولا أقول ستقنع أنجامينا” لاحقاً على إعادة ضبط حساباتها مع السودان الجديد، بعد فشل الرهان على مليشيا الدعم السريع والذي تدرك الخرطوم قطعاً بأنه لم يكن رهان أنجامينا ولا يمكن أن يكون رهانها حتى ولو إفترضنا جدلاً إنه إنتصر “لا سمح الله”.  

د. أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي ‏

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى