الاتفاق الصومالي الاثيوبي وانعكاساته على القوى الفاعلة في منطقة القرن الإفريقي

توصل الصومال واثيوبيا إلي اتفاق بشأن الخلافات القائمة بينهما بسبب توقيع اثيوبيا وأرض الصومال على مذكرة التفاهم في اليوم الأول من العام الجاري، وجاء ذلك عقب جولة مفاوضات جمعت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد علي، تمت بوساطة تركية في العاصمة أنقرة يوم أمس. ووقع  الزعيمان على إعلان أنقرة والذي حوى عدداً من البنود:

  • أكد الجانبان التزامهما باحترام سيادة كل من بلديهما ووحدتهما وسلامة أراضيهما واستقلالهما، وفقًا للمبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي.
  • اتفق الجانبان  على نبذ خلافاتهما، وتنحية القضايا المتنازع عليها، والمضي قُدماً وبإصرار نحو تحقيق الازدهار المشترك.
  • أقر الطرفان بالفوائد المحتملة التي يمكن جنيها من وصول إثيوبيا الآمن إلى البحر، مع احترام سلامة أراضي الصومال.
  • كما اتفق الجانبان على العمل بشكل وثيق لإبرام ترتيبات تجارية متبادلة المنفعة من خلال اتفاقيات ثنائية تشمل عقود الإيجار أو ترتيبات مماثلة،  ضمن إطار السيادة الصومالية.
  • أعربت جمهورية الصومال عن تقديرها للتضحيات التي قدمها الجنود الإثيوبيون ضمن بعثات الاتحاد الإفريقي في الصومال.
  • قرر الطرفان بدء مفاوضات تقنية بحلول نهاية فبراير 2025، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون أربعة أشهر، بمساعدة تركية.
  • رحب الجانبان بدور تركيا في تسهيل تنفيذ هذه التفاهمات، واتفقا على حل أي خلافات مستقبلية بالطرق السلمية، بدعم تركي إذا لزم الأمر. وعبروا عن شكرهم وتقديرهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هذه المبادرة ودعمه المستمر لتعزيز العلاقات والتعاون الإقليمي.

أهمية الاتفاق

تدهورت العلاقات بين الصومال واثيوبيا بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية بسبب توقيع اثيوبيا وأرض الصومال على مذكرة التفاهم والتي أدت الي توتر حاد بينهما وفي منطقة  القرن الأفريقي بشكل عام. وقد بدأت المفاوضات بين البلدين بوساطة تركية في أنقرة قبل عدة شهور بين وزيري خارجية البلدين، ولكنها لم تنجح في التوصل إلي اتفاق لحل المشكلة. ويعتبر توقيع هذا الاتفاق اختراقاً كبيراً يساعد في نزع فتيل الأزمة بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما وكذلك خفض التوتر في المنطقة، وهو ما سيكون له انعكاسات متعددة على الأوضاع في المنطقة خلال الفترة القادمة.

لم يذكر الاعلان صراحة المشكلة الرئيسية وهي مذكرة التفاهم، ولكن الواضح من محتوى الاتفاق أنه قد تم التوصل إلي اتفاق بشأنها، وأن أثيوبيا قد تنازلت، أو وعدت بالتنازل، عن تنفيذ المذكرة بعد أن استشعرت صعوبة تنفيذها.

اسباب التراجع الأثيوبي

هناك عدد من العوامل والمتغيرات التي دفعت اثيوبيا للتراجع عن مذكرة التفاهم:

  • المقاومة الصومالية القوية لاثيوبيا، باعتبار أن المذكرة تمثل تهديداً مباشراً لسيادة الصومال ووحدة أراضيه بسبب منحها لأثيوبيا لقطعة أرض لتشييد ميناء وقاعدة عسكرية، وهو ما ترفضه الصومال، وايضاً كون الاتفاق تم مع حكومة أرض الصومال الانفصالية ودون موافقة الحكومة المركزية، وفوق ذلك الوعد الاثيوبي بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة.
  • صعوبة تنفيذ الاتفاق عملياً، حيث أن معظم القبائل القاطنة في مناطق محافظة أودال التي يوجد فيها الموقع المقترح للميناء والقاعدة العسكرية، عارضت الاتفاق وهددت بمنع تنفيذه بالقوة.
  • الضغوط والانتقادات الدولية التي تعرضت اثيوبيا بسب المذكرة من عدد من الدول والمنظمات الدولية والاقليمية، بما في ذلك التحالفات الاقليمية ضدها بين الصومال وجيبوتي، وكذلك التحالف بين الصومال وارتريا ومصر.
  • فوز الرئيس الجديد عبد الرحمن عرو في أرض الصومال والذي يراه الكثيرون بأنه غير متحمس لمذكرة  التفاهم. ويشار إلي أن  محاولات التفاوض السابقة فشلت بسبب التعنت الاثيوبي ورفضه التنازل عن المذكرة حيث أن أبي أحمد اعتذر عن المشاركة أكثر من مرة في المفاوضات المباشرة مع الرئيس الصومالي، و يبدو أنه كان بانتظار نتنائج انتخابات أرض الصومال والتي كان يعول فيها على فوز الرئيس السابق موسى بيحي من أجل تكملة مشوار تنفيذ المذكرة.
  • رفض الصومال مشاركة القوات الاثيوبية في بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وهو الأمر الذي حرصت اثيوبيا على تفاديه، وبهذا الاتفاق يصبح ممكناً استمرار الوجود الأثيوبي في البعثة الأفريقية في الصومال، وبالتالي امكانية تجاوز البعثة لجزء من العقبات التي كانت تواجهها.
  • فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الانتخابات الأمريكية، والذي كانت له عدة مواقف ضد اثيوبيا وسياستها التوسعية في المنطقة خلال فترة رئاسته السابقة. ويذكر أن بعض المحللين يتوقعون اعتراف الرئيس ترمب بأرض الصومال كدولة مستقلة.
  • التحديات الداخلية الكبيرة والمتصاعدة التي تواجهها اثيوبيا خاصة التمرد في اقليم أمهرا والاضطرابات في أروميا والتي تحد من مقدرة حكومة أبي أحمد على فتح جبهات خارجية أخرى لا يعلم أحد إلي أين يمكن أن تأخذها. ويؤيد هذا ما ذهبت اليه اثيوبيا من سياسة تهدئة خلافاتها الخارجية مع أرتريا ومع السودان.

انعكاسات الاتفاق على الأطراف الفاعلة في المشهد

الصومال

خروج الصومال منتصرة من المواجهة الشرسة مع دولة قوية في المنطقة مثل اثيوبيا، يؤكد بداية تعافي البلاد ويؤدي إلي مزيد من استعادة الثقة في الدولة الصومالية بعد عقود من الضعف. وقد صممت الصومال على موقفها الرافض للمذكرة وصعدت من الضغوط على اثيوبيا حتى تراجعت عنها. ويؤكد أن هذا نجاح سياسة الحكومة الصومالية تجاه اثيوبيا والتي اعتمدت على المواجهة المفتوحة والعنيفة. كذلك يعطي الاتفاق كذلك قوة اضافة للحكومة  المركزية الصومالية للتعامل مع التحديات والضغوط الداخلية الكبيرة التي تواجهها حالياً بها خاصة الخلافات المتصاعدة مع ولايتي جوبا لاند وبونت لاند اللتان تدعمهما اثيوبيا بصورة كبيرة، حيث من المتوقع أن التسوية مع أثيوبيا ستحيد دورها في دعم تلك الولايات مقابل الحكومة المركزية والتي ستكون أكثرة قدرة على اخضاع تلك الولايات التي أفلتت عن السيطرة خلال الفترة السابقة.

من غير الواضح ما هو المقابل الذي قدمته الصومال لقاء التراجع الاثيوبي عن المذكرة، ولكن المرجح أنه سيتم تقديم تسهيلات لاثيوبيا لاستخدام بعض الموانئ الصومالية بشروط تفضيلية، حيث أن اثيوبيا قد رفعت سقف تفاوضها عالياً بتوقيع مذكرة التفاهم وتلويحها بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة. ومن المنتظر أيضاً معرفة ما اذا كان قد تم التفاهم على التزام اثيوبيا فقط بالغاء المذكرة السابقة أم أنها ستلتزم أيضاً بعدم الاعتراف بالاقاليم الانفصالية مستقبلاً وكذلك عدم تجاوز الحكومة المركزية والتعامل مع الولايات مباشرة.

اثيوبيا

تراجع اثيوبيا بعد عام من التصلب والتشدد في موقفها، يعكس خسارة للجانب الاثيوبي بالرغم من نبرة التحدي والمواجهة التي طغت على خطابها خلال الفترة الماضية، وذلك بسبب ادراكها للتحديات والخسائر الجسيمة التي يمكن أن تترتب على الاصرار على تنفيذ المذكرة والتي تمت الاشارة اليها انفاً.

يلاحظ أن الاعلان حدد مهلة ثلاثة أشهر لتنفيذه، ما يعني أن التنازل الاثيوبي مرهون بشروط أخرى على الجانب الصومالي، حيث أنه من المرجح أن اثيوبيا لا تريد أعلان الغاء المذكرة الآن ما لم تضمن تنفيذ طلباتها في البدائل المقترحة، وفي حال الفشل في ذلك يمكنها العودة إلي المذكرة، حيث لا يوجد في الاعلان التزام صريح من اثيوبيا الآن بالغاءها، وربما يعود ذلك الي تحسب اثيوبيا لحدوث أي متغيرات غير منظورة، وكذلك لطبيعة العقلية السياسية والأمنية الاثيوبية المتشككة دائماً والقليلة الثقة بالآخر.

أرض الصومال

بالنسبة للرئيس الجديد عبد الرحمن عرو يعتبر الاتفاق أمراً جيداً لأنه كانت لديه تحفظات على الاتفاق ولم يكن ليدعمه، وقد أعفاه هذا الاتفاق مشقة مواجهة هذه المشكلة الكبيرة واعلان رفض مذكرة التفاهم حتى لا تتهمه المعارضة وأنصار الرئيس السابق بالتنازل عن مطلوبات حصول أرض الصومال على الاعتراف الدولي. وبالنسبة لأرض الصومال، فإنه وبفقدان الاعتراف الاثيوبي تكون أرض الصومال قد خسرت أهم معاركها في سبيل الحصول على الاعتراف الدولي ويصبح تحقيق حلم الدولة المستقلة الآن أكثر بعداً من أي وقت مضى. وكذلك من المتوقع أن يلقى الغاء المذكرة بظلال سالبة على مستقبل العلاقات بين أرض الصومال وأثيوبيا والتي ظلت وثيقة على منذ اعلان الاقليم انفصاله عام 1991.

يعتبر أحد أهداف اثيوبيا هو تأمين الوصول إلي البحر بصورة موثوقة ومستدامة بمعنى امتلاكها منفذ بصيغة ما يمكنها من اقامة ميناء وقاعدة عسكرية، وهذا هو الموقف التفاوضي الاثيوبي المتوقع في المفاوضات التفصيلية المرتقبة. فهل سيسمح الصومال بقاعدة عسكرية اثيوبية على أراضيه؟ وهل ستقبل اثيوبيا بميناء فقط؟ وهل سيكون الميناء على سبيل الاستخدام التجاري أم الاستئجار أم التلمك؟ ويتوقع أيضاً أن يكون ضمن المسائل المطروحة موقع المنفذ المطلوب، وهل سيكون في أرض الصومال أم في ولاية بونت لاند أم الأجزاء الأخرى من الصومال؟ حيث أن اثيوبيا ترغب في منفذ في أرض الصومال قبالة المنطقة الاستراتيجية في خليج عدن وامتداده شرقاُ إلي بحر العرب والخليج العربي والمحيط الهندي وشمالًاً إلي باب المندب والبحر الأحمر، وهي في ذات الوقت المنطقة الأكثر قرباً للداخل الاثيوبي، ولا تفضل السواحل الصومالية باتجاه المحيط الهندي. وعليه فإن مثل هذا المطلب قد يستدعي التعاون الثلاثي بين الصومال واثيوبيا وأرض الصومال. ورغم أن هذا الافتراض قد يحرم أرض الصومال من فرصة الاعتراف بها كدولة، إلا أنه قد يمثل أكبر المكاسب المتاحة، حيث يوفر لها  امكانية الحصول على نصيب أكبر من التجارة الخارجية الأثيوبية الضحمة وهو ما يمكن أن تفقده في حال وجود المنفذ في الصومال.

جيبوتي

رغم أن جيبوتي ليست طرفاً مباشراً في الموضوع ولكنها أكثر الدول تأثراً به، حيث أن تحول اثيوبيا لاستخدام موانئ الصومال سوف يضعف الاهمية التجارية والاستراتيجية لميناء جيبوتي ولجيبوتي كدولة والتي تعتمد على دخل الميناء بصورة اساسية والذي يعتمد بدوره على التجارة الاثيوبية والتي تبلغ نحو 95% من حجم عمل الميناء. ولذلك كانت جيبوتي عرضت على اثيوبيا استخدام ميناء تاجورا بصورة حصرية ولكن الجانب الاثيوبي لم يعر هذا العرض اهتماماً بسبب تركيزه على بدائل أخرى بالاضافة إلي جيبوتي. وبهذا الاتفاق فإن جيبوتي سوف تتأثر سلباً بايجاد منافذ آخرى للتجارة الاثيوبية مما سيؤدي إلي انخفاض دخلها وفقدانها جزء كبير من أهميتها كمنفذ وحيد لأثيوبيا على البحر. ولذلك فإنه من المتوقع أن تراجع التقارب الصومالي الجيبوتي الذي تشكل على خلفية مذكرة التفاهم، وكذلك يتوقع ايضاً اضمحلال الحلف الثلاثي الذي جمع الصومال وارتريا ومصر في مواجهة اثيوبيا.

تركيا

يعتبر التوصل إلي اتفاق بين البلدين نجاحاً كبيراً للديبلوماسية التركية وتكريساٌ لدور تركيا كفاعل أساسي في المنطقة والتي قامت وساطتها في الأساس على الحفاظ على مصالحها لدى الطرفين وتفادي الصدام بينهما، بعد أن  حصلت على الكثير من المكاسب من الطرفين خاصة من الصومال. وقد قامت رؤية أنقرة على الغاء مذكرة التفاهم وتقديم بدائل مغرية للجانب الأثيوبي، وساعد على نجاح تلك الوساطة كذلك فوز الرئيس عبد الرحمن عرو في أرض الصومال وعوامل آخرى، وهو ما جنت ثماره تركيا دون جهد مباشر منها، وكما رأينا سابقاً فقد فشلت جهود الوساطة التركية خلال ما يقارب العام قبل تغير العوامل الآخرى التي    تمت الاشارة اليها.

زر الذهاب إلى الأعلى