القاهرة: صفاء عزب
عندما وصل الرئيس الصومالي لسدة الحكم في بلاده للمرة الثانية، كانت الآمال المعقودة عليه عريضة من مختلف فئات الشعب الذي تفاءل بعودته للسلطة بعد فترة ولاية سابقة له على حكم الرئيس فرماجو، وتوسم الجميع في هذه العودة تحقيق العديد من الإنجازات في شتى المجالات التي كانت بحاجة لحلحلة بسبب حالة الاحتقان الشديد والصراعات التي كادت تعصف بالبلاد في تلك الفترة. وارتكز التفاؤل العام بشيخ محمود على ما يتمتع به من خلفية سياسية أكسبته خبرة مهمة في إدارة الحكم من خلال فترة ولايته الأولى، إضافة إلى دراسته وتعليمه العالي ، ولغته الأجنبية مما مكنه من العمل في المنظمات الدولية المحلية.
وعلى صعيد الأيديولوجية الدينية، فإنه يتمتع بأفكار سياسية إسلامية وسطية تجعله ينبذ العنف والتطرف، وهو ما منحه قبولا كبيرا على المستوى الإقليمي والدولي. ووفقا لهذه الخلفية الدينية نجح في التصدي لجماعة الشباب خلال فترة ولايته الأولى مما أكسبه ثقة ناخبيه لاختياره كرئيس للمرة الثانية تأسيسا على تجربته الأولى وعلى أمل أن يكمل ما بدأه.
تحت شعار “صوماليون متفقون، مع العالم متصالحون” جاء فوز رجل المفاجآت وهو اللقب الذي صاحبه بعد تحقيقه إنجاز تاريخي لم يشهده الصومال بتوليه الرئاسة للمرة الثانية، على حساب الرئيس فرماجو في ماراثون انتخابي استمر لشهور طويلة تجاوزت العام وفي ظل ظروف أمنية شديدة الخطورة لدرجة اجتماعه داخل مرآب طائرة في مطار مقديشو في ظل حراسة مشددة من القوات الإفريقية لتفادي الهجمات المسلحة التي كانت تهدد أمن البلاد في كل مكان وفي أي وقت آنذاك. وهو مشهد يرسم ملامح المشهد السياسي والأمني الخطير وقتها.
إلى جانب المشهد الأمني كانت هناك مشكلات عديدة أمام شيخ محمود في بداية ولايته الثانية أهمها الحالة الاقتصادية المتردية وكارثة المجاعة الناتجة عن الجفاف الشديد والتقلبات الجوية ويضاف لذلك المشكلات السياسية المزمنة والمستعصية على الإدارة السياسية الصومالية عبر سنوات بسبب الاقتتال الديني والصراعات المرتبطة بالانتماءات القبلية والخلافات على الموارد وعلى شكل العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وبين حكومات الأقاليم.
وهو ما يجعلنا ننتقل إلى المشهد الحالي على الساحة السياسة بعد مرور أكثر من عامين ونصف على حكم الدكتور حسن شيخ محمود. ولاشك أن الوضع الأمني تحسن كثيرا في ظل السياسة الحازمة لمواجهة جماعات العنف بالتعاون مع أطراف دولية لتطهير البلاد واستعادة أمنها بما يساعد على تحقيق الإنجازات الأخرى التي عقد الشعب الصومالي آماله عليه لتحقيقها.
وبنظرة موضوعية لتلك الفترة التي مضت من الولاية الثانية للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يمكن رصد العديد من التطورات والإيجابيات في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة.
الشأن الداخلي سياسيا وأمنيا
على الصعيد الداخلي نجح شيخ محمود في التعامل مع موضوع الساعة والعقبة الكؤود أمام كل مسؤول صومالي وهي جماعة الشباب وما تمارسه من هجمات تستهدف الجميع، وكان عليه أن يتعامل مع هذه المشكلة ويواجهها بكل قوة وهو ما فعله وطبقه من خلال استراتيجية ثلاثية تعتمد على محاربتها بشكل مباشربالتعاون مع العشائر والقبائل وإمدادهم بالعتاد والجيش والمال تحت إشراف الجيش الصومالي وبالتعاون مع بعض القوات الأجنبية الداعمة للصومال في هذه الحرب. كما استعان في حربه ضد الشباب بتجفيف منابع الدعم المالي للجماعة المتشددة بمجموعة من الإجراءات الحازمة والقرارات التي فرضها على البنوك وشركات الاتصال. وبحكم خلفيته الدينية المستنيرة لجأ أيضا إلى أسلوب النقاش والحوار مع الشعب الصومالي من خلال عقد مؤتمر عام يضم علماء المسلمين من مختلف الأطياف والاتجاهات تحت إشراف وزارة الأوقاف في إطار تكثيف التوعية الدينية ضد حركة الشباب. على أرض الواقع نجح الرئيس الصومالي في تحرير أكثر من ولاية من أيدي حركة الشباب كما نجح في تأمين العاصمة مقديشو بواسطة 3000 عنصر أمن تم تدريبهم في أوغندا.
وتأتي مشكلة الجفاف والتصحر وما يصاحبها من مجاعات تهدد حياة الصوماليين على رأس المشكلات الخطيرة التي تواجه البلاد منذ تسلم رئاستها، وقد عين شيخ محمود مبعوثا خاصا لها وهو النائب عبد الرحمن عبد الشكور الذي كان من مهمامة الإعلان عن المناطق المنكوبة ولفت نظر المجتمع الدولي لخطورة الوضع المرتبط بالمجاعة في الصومال بالإضافة إلى وضع خطط واستراتيجيات لمواجهة هذه الكارثة وإنقاذ حياة 7 مليون صومالي معرضين للخطر. وأثمرت الجهود بعد زيارة العديد من الدول والجهات المعنية عن وعود بالدعم والمساعدة وإن كان ما تلقته الصومال أقل بكثير مما يستلزمه الموقف الحرج لأزمة الجفاف كما أن التوابع والآثار لازالت موجودة نظرا لأنها مشكلة مزمنة تحتاج إلى جهود وإمكانيات أكبر من المقدرات الحالية للصومال. ويعد استحداث أول وزارة للبيئة والتغير المناخي من أهم المنجزات الداخلية في هذا الصدد لأنه لا يعقل أن يكون بلد بمساحة الصومال وسماته الجغرافية وتنوعه البيولوجي ومشاكله البيئية ولا يوجد به مؤسسة معنية بالاهتمام بالبيئة إضافة إلى التركيز على المشروعات المفيدة مثل الثروة السمكية.
من المشكلات المعقدة في المجتمع الصومالي، تأتي الصراعات السياسية الداخلية بين حكومات وبين الحكومة الفيدرالية بسبب الخلاف على حدود سلطة كل منهما وكيفية إجراء الانتخابات، وكذلك الخلاف حول أسلوب مواجهة المشكلات الأمنية وعلى رأسها جماعة الشباب. يضاف إلى ذلك خلافات أخرى متشابكة فيما بين الأقاليم وبعضها البعض بسبب النزاع على الحدود أو الموارد والثروات الطبيعية.
ومنذ بداية توليه عمد الرئيس الصومالي إلى الاجتماع مع زعماء الولايات الفيدرالية بشكل متكرر لمناقشة الأحوال الداخلية والتنسيق المشترك لمواجهة المشاكل العامة مثل العنف والتطرف والتعاون على استباب الأمن وكذلك الجفاف وكيفية العمل معا لإنقاذ المنكوبين. وأثمرت اللقاءات عن اتفاق القادة السياسيين على قرار تاريخي يرتبط بتغيير بعض بنود الدستور وإنشاء لجنة انتخابية تمهيدا لأن تكون الانتخابات القادمة مباشرة من الشعب نفسه عبر الصندوق الانتخابي. وهو ماتحقق واقعيا بموافقة مجلس الشعب الصومال “254 صوتا من 275 صوتا” وموافقة 42 عضوا من ما أصل 45 عضوا بمجلس الشيوخ على تعديلات دستورية شملت التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي وعقد انتخابات مباشرة وتعيين لجنة خاصة بها من 18 عضوا إلى جانب تمديد فترة حكم الرئيس إلى 5 سنوات. وبطبيعة الحال كان هناك معارضون لهذه التعديلات على رأسهم الرئيس السابق محمد فرماجو وتابعيه الذين يرون في هذه التعديلات تركيزا للسلطة في يد الرئيس ولمدة أطول.
ولذلك لازالت المشكلات قائمة وبحدة بين حكام الأقاليم والحكومة الفيدرالية بسبب النظام الانتخابي وهو الأمر الذي يستلزم من الرئيس شيخ محمود أن يعتمد أسلوب الحوار والشورى مع الأقاليم المتنازعة مع الحكومة وعدم انتهاج الخوض في حروب كأسلوب للتعامل معهم تجنبا للدخول في حروب أهلية تعيد البلاد سنوات للخلف.
الوضع الاقتصادي
وعلى المستوى الاقتصادي شهد الصومال تحسنا نسبيا عن الفترة السابقة التي تأثرت كثيرا بتوابع وباء كوفيد19 وما صاحبها من تأثيرات متعلقة بالظروف المناخية والأمنية السلبية التي ضربت البلاد.
وقد أفادت مديرية الإيرادات المحلية أن الصومال شهد نموًا اقتصاديا كبيرا بين عامي 2013 و.2023 ويتوقع أن يشهد نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.8 في المائة في عام 2025، مما يشير إلى تحول واعد في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا.
وفي تقرير صادر عن بنك التنمية الإفريقي أكد على حدوث انتعاش اقتصادي للصومال خلال الفترة الحالية والمقبلة تأسيسا على قطاعي الزراعة والخدمات، والتي يتوقع زيادتها مع فتح آفاق أرحب للإستثمار الأجنبي في البلاد.
وكان وزير المالية في الحكومة الصومالية الفيدرالية بيحي إيمان عغي قد أشار إلى أن تنفيذ الإصلاحات المالية حققت نتائج ملموسة حيث شهدت الإيرادات زيادة ثابتة بنسبة 25 في المائة كل شهر في العام الماضي، وبدت هناك خطوات ملموسة نحو تعزيز الاقتصاد الصومالي الذي عاني لعقود طويلة من الدمار بفعل الحرب والاقتتال الداخلي.
كما يعول كثيرون على العائدات المنتظرة من قطاع النفط مع بدء استخراجه من المناطق الصومالية البحرية. وهناك نحو 250 قطعة في الساحل الصومالي بالمحيط الهندي تم تخصيصها بالفعل، بحسب وزارة النفطالتي أكدت أن هناك 7 كتل في وسط وجنوب الصومال، في غلمدغ 3\ حزم\، وجنوب الغرب \حزمتان\ وجوبالاند \حزمتان\.
وكانت تركيا قد أعلنت أنها بدأت التنقيب عن النفط البحري في الصومال في أعقاب اتفاقية في مجال الطاقة أبرمتها مع الصومال.
ومن المتوقع أن تبدأ الصومال حفر أول بئر نفط في البلد في المنطقة الساحلية منطقة هوبيو.
على الصعيد الخارجي
ويعد انضمام الصومال إلى مجموعة شرق إفريقيا EAC من أهم الإنجازات السياسية الخارجية ذات الطبيعة الاقتصادية لما لها من دور مهم في في فتح أسواق مجاورة للصومال وزيادة التعاون التجاري مع دول المجموعة بما ينعش الاقتصاد الصومالي، بجانب الحصول على دعم المجموعة للصومال في مكافحة الإرهاب بشكل يصب نحو تحقيق الاستقرار. ومن أهم الإنجازات الاقتصادية التي نجحت إدارة شيخ محمود في تحقيقها الإعفاء عن الديون الصومالية نهاية العام الماضي وحصوله على 4.5 مليار دولار لتخفيف عبء الديون
ومن المنتظر أن تؤتي الإصلاحات الهيكلية ثمارها والتي تشمل قانون ضريبة الدخل الجديد، وزيادة تحصيل الإيرادات من الشركات الكبرى، وخطة دمج الرواتب.
لم تكن لتأتي خطوة إعفاء الصومال من ديونه لولا التحركات النشطة والجولات المكوكية التي قام بها الرئيس الصومالي حول العالم من أقصاه إلى أقصاه من أجل الحصول على دعم يساعده في إدارة البلاد والعبور بها من مرحلة الأزمات والكوارث التي تسلمها إلى مرحلة أكثر أمنا واستقرارا. ومنذ اللحظات الأولى لتقلده الحكم كانت له جولات في الدول العربية على اختلاف مواقعها وخاصة دول الخليج إضافة إلى مصر التي نجح في استعادة العلاقات الدافئة معها بعد مرحلة الفتور التي أصابتها خلال عهد فرماجو. وهو ما أثمر عن العديد من أوجه التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري. كما نجح شيخ حسن بذكائه تحييد بلاده عن الخلافات الموجودة بين دول وأطراف أخرى حيث كان على مسافة واحدة من الجميع دون التحيز لطرف على حساب آخر .
كما نجح في إقامة علاقات طيبة مع مختلف دول العالم غربا وشرقا لفتح آفاق رحبة من التعاون لصالح البلاد. وبطبيعة الحال تأتي علاقات الصومال مع دول الجوار في منطقة القرن الإفريقي من أهم العلاقات التي نجح في تحقيق توازنات محسوسة فيها أسفرت عن استعادة جنود صوماليين في إريتريا كانوا مجهولي المصير لعدة سنوات كما دعم علاقاته بدول الجوار من خلال انضمامه لمجموعة شرق إفريقيا. وعلى الرغم مما تشهده علاقات الصومال من توترات مع بعض دول الجوار في القرن الإفريقي إلا أن شيخ محمود يتعامل مع مثل هذه الأزمات بنوع من الحكمة حتى لو اضطرته الظروف للجوء لأطراف أخرى لدعم موقفه كما حدث عندما وقع معاهدة عسكرية مع مصر وفهمت أنها موجهة لإثيوبيا بسبب استفزازتها المستمرة للصومال وتحديها لسيادته على أرض الصومال. وربما نجاح مساعي تركيا في إعادة المياه لمجاريها ورأب الصدع بين الجارتين الإفريقيتين لم تكن لتحدث لولا موقف الصومال المسالم دائما ورغبته في إيثار السلامة وتفادي التوترات للتفرغ للعمل والتنمية وهو ما سعى إليه الرئيس الصومال عندما وافق على التصالح مع إثيوبيا مؤخرا في إطار من الاحترام المتبادل لسيادة كل بلد على أراضيها بالكامل.
وختاما: يمكن التأكيد بأن الرئيس الدكتور شيخ محمود لم يدخر جهدا في تعاطيه مع كافة الأزمات والمشكلات التي واجهته منذ تسلم مقاليد الحكم وتعامل معها بدرجة عالية من البراجماتية لاينقصها سوى إعادة النظر في علاقته بحكام الأقاليم وفتح عقله وقلبه لهم والاستماع إليهم في أجواء من الحوار المشترك تحت مظلة الوطن الواحد حتى تظل هناك وحدة بين المركز وباقي الأقاليم في إطار من احترام الدستور وبنوده في مسألة تنظيمه لهذه الأمور. وإذا كان شيخ محمود قد قبل التصالح مع أطراف أجنبية لحل المشكلات العالقة ونبذ الصراعات فمن باب أولى أن يسلك نفس المسلك مع أبناء وطنه وأن يتيح لهم النقاش والشورى ليصل لحالة التوافق المفقودة بين كثير من الأقاليم الصومالية والحكومة المركزية. لأن هذا الخلاف يعد أخطر ما يهدد أمن البلاد واستقراره.