إثيوبيا…الصراع بين الصوماليين وعفار  

يشهد الصراع بين القوميتين في قرى تابعة لإقليم عفار إداريا ، وقرى ضمن اقليم   سيتي  الواقع في الحدود الشمالية الغربية من الإقليم الصومالي بإثيوبيا (أوغادين). ويمتد اقليم سيتي عبر السافانا شمال جبال الأحمر، ويحدها من الجنوب دير دوا ، ومنطقة أوروميا، ومن الغرب منطقة عفار، ومن الشمال جيبوتي، ومن الشمال شرقاً أرض الصومال، ومن الجنوب الشرقي منطقة فافان ( منطقة جغجيغا سابقا). وتدور المعارك الضارية  بشكل خاص في بلدات  تسكنها عشيرة عيسي القاطنة أيضا في جيبوتي كقلاعلي القريبة من بلدة غاربا- عيسي  ،  وقرية عندوفو ، وقرية دان -لاهلي .

جذور  الأزمة ودور النظام الفيدرالي

لقد أدى توزيع السلطة السياسية في إثيوبيا عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ميلس زيناوي عن قيام جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الإتحادية على أساس دستور عام 1994 الذي أعطي قوميات إثيوبيا حق تكوين أقاليم تتمتع بحكم ذاتي، إلى تقسيم المجتمعات  في المناطق الحدودوية بين عفار والصوماليين بشكل عميق، وامتد الصراع إلى ما هو أبعد من المواقع المتنازع عليها ويدور  الحرب في الوقت الحالي بين قوات الأمن الرسمية والميليشيات غير الرسمية من كلا الإدارتين الصومالية والعفرية وبوجود دعم  سافر للقوات الفيدرالية تقدم لقوات اقليم عفار.

المناطق المتنازع عليها وأهمية موقعها الجغرافي

يطالب  الصوماليون في المنطقة المتنازع عليها منذ فترة بالانضمام إلى الاقليم الصومالي نظرا لأهمية موقعها الجغرافي، وهو إجراء تعارضه بشدة سلطات منطقة عفار، وتعتبرها هذه القرى جزء لا يتجزأ من أراضي قومية عفار.

تتمتع المناطق المتنازع عليها بموارد حيوية لا يمكن للطرفين الإستغناء عنهما: 

  1. نهر أواش وهو نهر إثيوبي محلي بإعتباره لا يخرج عن نطاق إثيوبيا ينبع منها وينتهي بها،  ويمر نهر أواش بأقاليم أوروميا ، وعفار ، والصومال الغربي( أوغادين) وأقاليم شعوب جنوب إثيوبيا، وبغذي بشكل كبير محطة أواش3 لتوليد الطاقة التي توفر للبلاد 32 مغياوات ، والتي يعود إنشاؤها إلى ما قبل 50 عاما . ومشاريع الطاقة الثلاثة التي جرى إنشاؤها على نهر أواش تصل قدرتها الكلية من تولد الطاقة الكهربومائية نحو 107 ميغاوات . كما أن سكان منطقة أسائتا بإقليم  عفار يستغلون هذا النهر للأغراض الزراعية حيث يزرعون القمح ومحاصيل أخرى عبر الري ، وكذا الحال في منطقة غامي بإقليم عفار على الحدود مع دولة جيبوتي، حيث يتستخدم أهل هذه المناطق نهر أواش في صي الأسماك.
  2. خطوط نقل مهمة، ويشمل تلك الخطوط الطريق السريع والسكك الحديدية التي تربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بميناء جيبوتي التي يمر عبها معظم السلع التجارية المتجهة نحو إثيوبيا الدولة الحبيسة. 
  3. يستخدم كل من عفار والصوماليون نهر أواش لتربية مواشيهم
  4. بالإضافة إلى ذلك تعد طرق التجارة بين أديس أبابا وجيبوتي  مصدر حيوي للاقتصاد المحلي لكلا القوميتن . 

أبرز الأحداث الدامية

في ديسمبر 2014، وقعت الإدارتان الإقليميتان إتفاقية تمنح الصوماليين المقيمين في المنطقة المتنازع عليها قدرًا أكبر من الحكم الذاتي السياسي باعتبارهم ” مستوطنات خاصة” داخل ولاية عفار الإقليمية. وشملت هذه المستوطنات مدن غاربا عيسى ، وعندوفو ، وأدييتو. 

فشل الاتفاق في حل الصراع، وانسحب مجلس وزراء ولاية الصومال الإقليمية  في 3 مايو 2019 من الاتفاقية ، وعزا  ذلك بأن ليس لها أساس بموجب الدستور الفيدرالي، واستمر القتال بين الجانبين.

وقعت اشتباكات كبرى في ظل التوترات السياسية المتزايدة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الفيدرالية الإثيوبية العامة عام 2021. ففي الفترة ما بين مايو/أيار 2022 وأبريل/نيسان 2024، سُجلت 31 واقعة اشتباك مسلح بين الطرفين في المنطقة المتنازع عليها بين منطقتي الصومال وعفار. وقد شملت معظم أعمال العنف على طول الحدود الإقليمية بين عفار  واقليم أوغادين، وشارك في المعارك قوات خاصة من حكومتي الأقليمين. 

مبادرة الحكومة الفيدرالية والجهود المحلية لإنهاء النزاع 

أعلنت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية  عام 2019 دمج جميع القوات الخاصة الإقليمية في قطاعات أمنية أخرى في البلاد، كخطوة قد تؤدي إلى الحد من الصراع، لكن لم يتم تنفيذها بشكل كامل ولا يتوقع أن تضع حدا أو تنهي الخلافات بين الجانبين وإنما هناك مخاوف من أن تتطور إلى حرب طويلة الأمد. ولعب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية دورا كبيرا لوقف الحرب وإنهاء النزاع بالطرق السلمية لكنه لحد الآن لم ينحج في ذلك. وتتواصل الاشتباكات  في الأراضي المتنازع عليها على طول الحدود الصومالية العفارية رغم وجود مفاوضات سلام تقودها الحكومة الإثيوبية المركزية  والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية. واندلع قتال بين العفار والميليشيات العرقية الصومالية يومي 12 و13 أبريل الماضي في مقاطعتي جوين وجيلالو في منطقة عفار وفي بلدتي جاراني ومداني في منطقة سيتي الصومالية. وكانت الاشتباكات بمثابة توقف لمحادثات السلام  بين القوميتين بشأن الأراضي المتنازع عليها والتي كانت متواصلة منذ مارس الماضي.  وفي أعقاب الاشتباكات، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 18 أبريل الماضي، وطلب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الإثيوبية من الحكومات الإقليمية في كل من منطقتي الصومال وعفار الوفاء بمسؤولياتها في الحفاظ على وقف إطلاق النار.

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى