إلى أولئك الذين ينكرون حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” (رواه البخاري)، ويطعنون في حُكم الشريعة بمنع المرأة من تولي الولاية الكبرى، مدفوعين برغبة التماهي مع الغرب. أتوجه إليكم برسالة عتاب، ممزوجة ببعض السخرية مما وصلتم إليه من تقليد أعمى.
ألا ترون إلى أي حال وصل منطقكم؟ تستدلون بالغرب وتتبنون منظومته السياسية، ثم تأتيون إلى نصوص شريعتنا، فتبحثون لها عن تفسيرات وتبريرات تتناسب مع ما رأيتموه في تجاربهم. تتحدثون عن “كمالا هاريس” وعن تولي “أنجيلا ميركل” الحكم، وتعتبرون أن نجاح ميركل في إدارة ألمانيا هو انتصار عالمي للمرأة وسبب لتغيير الأحكام الشرعية. والحقيقة أنه حتى الغرب نفسه لم يصل إلى هذه القناعة التامة بتولية المرأة الحكم. فالشعب الأمريكي، رغم إعلانه المتكرر عن المساواة، اختار دونالد ترمب وترك هاريس في الخلفية السياسية، حيث فضَّل شخصية مثل ترمب على امرأة رغم مؤهلاتها، وأما الدول الأخرى فغالبًا تتبع النهج نفسه في تحييد المرأة عن القمة.
ولنأخذ مثال أنجيلا ميركل، التي ترون فيها “الملهمة”. لكن هل أنجيلا ميركل كانت صاحبة السلطة المطلقة على ألمانيا؟ بالتأكيد لا. الحكم في الغرب ديمقراطي، بمعنى أن السلطة بيد الشعب وليس القائد. ميركل لم تكن إلا موظفة لدى الشعب، مجرد وجه يمثل النظام الديمقراطي، ليس لها أن تتفرد بالقرار أو تتجاوزه. بل إن حكمها يخضع للرقابة، والتشريعات تخرج من البرلمان، ومن ثم فهي مقيدة بما يراه الشعب الألماني من مصلحة له. فهل مثل هذا المثال يصح استشهاده لتبرير فكرة تولي المرأة الولاية الكبرى في الإسلام؟
هنا نسأل، لماذا تتهافتون على التقليد لهذه الدرجة؟ تتغنون بمظاهر الغرب السياسية وتنسون أن نظامنا الإسلامي له خصوصياته وأحكامه التي تُبنى على الحكمة الإلهية وليس على التقليد أو العادات. الإسلام جاء ليبني أمة متكاملة، وكان من الحكمة أن تُخصص المرأة لمهام تتناسب مع طبيعتها، وتُخصص الولاية العامة للرجل الذي تُمكنه فطرته من قيادة الأمة وتحمل أعباء المسؤولية الكبرى.
أما حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، فهو حديث واضح وصريح في دلالته، وقد تلقته الأمة بالقبول، واتفق علماء الإسلام من السلف إلى الخلف على دلالته، وما خالفه إلا الخوارج، ومن سار على خطاهم. وحتى القاعدة الأصولية تقول: “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، وهذا الحديث لم يأت في سياق ضيق أو حالة خاصة، بل جاء بصيغة عامة، ولفظ “امرأة” نكرة في سياق النفي، مما يؤكد أنه يتناول كل ولاية عامة، ويشمل جميع الأحوال والأزمان، إلا من جاء بتأويل يخالف إجماع العلماء، وفضل إرضاء الغرب على الالتزام بالنصوص الواضحة.
ولنتأمل قليلًا: الغرب الذي تقلدونه في كل شيء، لم يصل إلى القناعة التامة بتولي المرأة الحكم الأعلى، بل ما زال يميل في أغلب الأحيان إلى اختيار الرجال للمناصب القيادية الكبرى. ولو كان الغرب يعتقد تمامًا بقدرة المرأة على الولاية الكبرى، لرأينا على الأقل استقرارًا لهذا النمط، لكن الديمقراطيات الغربية نفسها تعيد النساء إلى الصفوف الخلفية عندما يتعلق الأمر بالمناصب الأعلى، وتترك القيادة الكبرى للرجال، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الجيش.
إن من يتجاهل هذه الحقائق ويصر على معارضة الإجماع بحجة اللحاق بركب “التقدم”، هو في الواقع ينسلخ عن جذوره ويستورد قيمًا ليست من دينه، ولا من تراثه. أما الأمة الإسلامية، فقد أجمعت على أن الإمامة الكبرى لا تصلح للمرأة، ليس لأن الشريعة تنتقص من قدرها، بل لأن الولاية الكبرى تتطلب موازنة بين القوة الجسدية والذهنية، وهدوءًا نفسيًا وتفرغًا من واجبات أخرى، وهو ما قد لا يناسب الطبيعة الفطرية للمرأة.
ثم إن الحديث ليس أمرًا مقيدًا بزمانه، ولا هو شأن يمكن تغييره بتغير الأعراف أو تغير المجتمعات. هذه ليست مسألة اجتهادية تتغير مع تطور الزمان، بل هي حكم شرعي ثابت، كما تلقته الأمة وأجمع عليه علماؤها، وجعلوه قاعدة تميز نظام الحكم في الإسلام عن غيره.
إن الإصرار على خرق إجماع الأمة الإسلامية، ومحاولة تشويه معاني النصوص الشرعية لمجرد تقليد الغرب أو محاكاة مواضع تهيمن فيها المرأة في المناصب السياسية، لا يعكس فقط تراجُعًا في التمسك بقيمنا، بل هو أيضًا تجاهل لجوهر ديننا، الذي وضع لنا الطريق الصحيح لما فيه خير الإنسانية. الإسلام لا يرفض المرأة أو يقلل من مكانتها، بل يعترف بكفاءتها ويكرمها في مواضعها، ولكن بتوزيع الأدوار بشكل يتوافق مع فطرتها وطبيعتها.
من الغريب أن يتشبث البعض بالأفكار الغربية ويمجدها إلى درجة التغافل عن تعاليم شريعتنا، التي علمتنا كيف أن الولاية العامة تتطلب مسئولية بالغة، وهي ليست مجالًا لتطبيق نظريات سياسية أو ديمقراطية قد تتناقض مع واقعنا. ولا شك أن فهمنا الشرعي لحكم “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” ينبع من إدراكنا لما يلزم من صفات في القيادة، وتقديرنا للظروف التي تتطلب قيادات ذات مرونة وصلابة وتفرغ، وهي معايير قد لا تكون متوافقة مع خصائص دور المرأة في المجتمع الإسلامي، الذي يولي اهتمامًا كبيرًا بدور المرأة في الأسرة والتربية والتعليم.
لكن من المدهش أيضًا أن هؤلاء الذين يقتدون بتجارب الغرب، ويعتبرون أن الديمقراطية الغربية هي النموذج المثالي للعدالة، يتغافلون عن حقيقة مفادها أن الغرب نفسه لم يصل إلى التوافق الكامل حول تولي المرأة المناصب الكبرى، بل إنه لا يزال يعاني من قضايا تخص المساواة بين الجنسين في السياسة والاقتصاد. فالمرأة في الغرب قد تظل في كثير من الأحيان في الخلفية، على الرغم من بعض الحالات الاستثنائية التي قد يظهر فيها نموذج نسائي ناجح، لكن ذلك لا يعني أن تلك التجربة يمكن تطبيقها في جميع السياقات، ولا يعني أنها صالحة كأداة لتحديد قوانيننا الشرعية.
وفي هذا الإطار، نجد أن دعوى “التحرر” التي يروج لها البعض لا تعكس إلا هروبًا من تحمل المسؤولية الشرعية وتهربًا من الحقيقة، التي تؤكد أن الشريعة الإسلامية قد وضعت من الأسس ما يضمن لكل فرد في المجتمع أن يؤدي دوره بالشكل الأمثل. المرأة لها مكانتها العالية في الإسلام، ويجب أن يكون لها دور فاعل في المجتمع، ولكن في إطار الوظائف التي تتناسب مع دورها الطبيعي، وليس في المجالس التي تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة في شؤون الأمة.
إن محاكاة الغرب في هذا المجال تعد تجاوزًا لما هو معروف من الثوابت الشرعية، فهي محاولة لتطبيق معايير غير إسلامية على واقعنا الإسلامي. وبدلًا من البحث عن حلول من خارج إطار الشريعة، يجب أن نتوجه إلى التعمق في فهم مقاصد الشريعة الإسلامية واستنباط ما يحقق للمجتمع التوازن والعدالة من خلال الفهم الصحيح للنصوص والوقائع.
ختامًا، إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” هو نص شرعي يجب أن يُفهم في سياق عمومي، وليس في سياق أحداث تاريخية أو سياسية معينة. أما الذين يصرون على التفسير الشخصي والتأويلات التي تخدم أهدافًا سياسية أو فكرية، فإنهم بذلك يخرقون إجماع الأمة، ويخالفون ما أراده الله لنا من هداية. لنحترم نصوص شريعتنا وندرك أن الاجتهاد في الإسلام يجب أن يكون محكومًا بالأدلة الشرعية المتوافقة مع الواقع الإسلامي، لا بمحاكاة أيديولوجيات خارجية قد تضلنا عن الطريق الصحيح.
وبينما يستمر البعض في السعي وراء “التقدم” الزائف، نذكِّرهم بأن التقدم الحقيقي يكمن في العودة إلى قيمنا، والتمسك بأحكام ديننا التي تضمن لنا العزة والكرامة في الدنيا والآخرة.