وصول المبعوث الأمريكي الخاص للسودان “توم بيريليو” إلىبورتسود جاء تداركاً لنشاط السفير الروسي في السودان الذي أصبح حلقة وصل بين المؤسسة العسكرية السودانية وأحد الأطراف الإقليمية المتورطة في دعم مليشيا الدعم السريع تمهيداً لإنخراط روسي أكبر لإدارة الأزمة وهذا ما أزعج واشنطن التي لا ترغب بخروج السودان من الدائرة الغربية، ومن ناحية أخرى وصول “بيريليو” لبورتسودان هو إعتراف أمريكي بقدرة القوات المسلحة السودانية في تسديد خطى سير العمليات العسكرية المتقدمة التي يقودها الجيش السودانيمؤخراً والتي نجحت في تحييد وتحجيم الكثير من مكاسب مليشيات الدعم السريع، وبات المجتمع الدولي أكثر قناعة بقدرة المؤسسة العسكرية السودانية على تغذية وتيرة الإجماع والدعم الشعبي لصالحها بصمودها في مواجهة المليشيا وإعادة النصاب إلى مكانه، وأدارت تلك المؤسسة الدفة بمهارة رسخت فيها مفهوم الجيوش الوطنية الحقيقية، وما كان لذلك أن يتحقق في دولة من دول الجوار الجغرافي للسودان إذا واجه ذات التكالب الدولي والإقليمي ضده، مما ضاعف إستعداد المجتمع الدولي بدفع الأمور لتسوية سياسية “جادة” كانت فكرة طرحها حتى عهد قريب مستبعدة من أجندة الإرادة الدولية الفاعلة في السودان “واشنطن”
لتسوية السياسية في السودان لن تتحقق إلا بالتوافق الكامل على إنهاء مليشيا الدعم السريعونزع سلاحها وإقصاءها نهائياً من المعادلة السياسية والأمنية في سودان ما بعد البشير، بعد إدراك العالم أجمع بأن لا مستقبل لسودان جديد مستقر بوجود تلك المليشيا، خاصة أن طرح فكرة إدماج الدعم السريع في صفوف القوات المسلحة السودانية لم تعد مقبولة شعبياً، وبالتالي يجب التأكيد بأن مشروع إقصاء المليشيا من المشهد السياسي السوداني بات مشروع وطني تتضافر فيه الرؤى والجهود الشعبية قبل الجهود المؤسسية السودانية للتخلص من أكبر مهدد للأمن القومي السوداني.
سنشهد قريباً بدأ إنحسار ظاهرة “غض البصر الدولي” عن تدفقات الأسلحة والجيوش المتعددة الجنسيات المساندة للمليشيا، وسترفع بعض الأطراف الدولية والإقليمية غطاءها المستتر الداعم للمليشيات بعد إدراكها بإستحالة هزيمة الجيش السوداني الساعي لتنويع عتاده العسكري مما يعزز صموده لمواجهة ما هو أكبر من دحر مليشيات متعددة الجنسيات، والإمداد، والتوجهات ، مما سيفرض على كافة الأطراف الدولية مراقبة ميزان القوى”الجديد” الذي بدأ يتشكل ويلوح في الأفق، وهو ميزان لا يرتكز على كثرة العتاد العسكري فقط بمقدار ما يرتكز على عقيدة عسكرية تأسست عليها كافة المؤسسات الأمنية الوطنية الحقيقية البعيدة عن الإشراف الخارجي والإدارة الأجنبية.
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي