بينما يقترب مؤتمر المناخ كوب 29 المنعقد في باكو الأذربيجانية، من نهايته، إلا أن القلق والخوف من استمرار توابع تغيرات المناخ وآثارها الخطيرة على العالم وما تلقيه من أعباء ثقيلة على كاهل الدول النامية والفقيرة خاصة في القارة السمراء لازال موجودا. ويزداد الخوف في ظل الضغوط الهائلة التي تبذلها شركات الطاقة المنتجة للوجود الأحفوري والتي تتواجد بشكل مكثف في المؤتمر للحيلولة دون إصدار مواثيق رادعة أو اتخاذ قرارات مانعة ضد مصلحتها، الأمر الذي يجعلنا نسير في دائرة مفرغة تستمر فيها المخاطر البيئية الكارثية ذات الفاتورة الباهظة والتي يدفعها الدول الفقيرة على كل المستويات بينما يتمتع الأغنياء بجني المكاسب والأرباح الهائلة التي تدرها عليهم مشروعاتهم المدمرة للحياة البيولوجية على كوكب الأرض.
لقد كشفت التقارير الأممية المتخصصة أن زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري كانت السبب الأول لتغير المناخ في العالم وما أحدثه من ظواهر بيئية كارثية منها الجفاف القاتل والفيضانات المدمرة والتي بسببها تعرض الساحل الشرقي الإفريقي وخاصة منطقة القرن الإفريقي لأسوأ موجة جفاف على مدار أربعة عقود وأدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء جوعا. وفي الصومال يعاني الشعب من توابع هذه الكارثة البيئية ويتعرض الآلاف للموت سنويا ويكفي أن نعلم أن هناك 43 ألف حالة وفاة في الصومال شهدها عام 2022 فقط فما بالنا بالعدد الإجمالي للضحايا على مدار سنوات القحط الطويلة، خاصة في ظل ضعف الإمكانيات.
ما يحزن أن النشاط الصناعي والتجاري الواسع للدول الغنية والشركات العالمية الكبرى أدى إلى ارتفاع احتمالات حدوث الجفاف لمائة مرة في مختلف أنحاء العالم ومن ثم فإنها تعد السبب الأساسي للمشكلات التي يعانيها الصومال وجيرانه، ومع ذلك نجد هناك تجاهلا وتهربا من تحمل المسؤولية الأخلاقية الواجبة على ممارسي هذه الأنشطة المدمرة تجاه ضحاياهم من البشر الذين يموتون جوعا وشركائهم على كوكب الأرض من الدول الفقيرة التي تدفع ثمن ثراءهم ونموهم الفاحش.
ويعتبر الصومال الدولة الأكثر تأثرا في شرق إفريقيا ممن تحملت أعباء ثقيلة بسبب توابع أزمة المناخ من قحط وجفاف قاتل تحولت معه مناطق الريف والمراعي الخضراء إلى أراض جرداء وحالة كارثية للتصحر المستشري كالنار في الهشيم اختفت معه كل معالم الحياة فهلك الزرع والضرع والتهم الجوع البشر في بعض المناطق الصومالية وتحولوا لأشباح تبحث عن شربة ماء أو كسرة خبز بينما تنتشر جثث الأطفال والضعفاء الموتى جوعا مختلطة بجثث الحيوانات النافقة عجزا عن العثور على الطعام أو الشراب.
التطرف المناخي والنشاط الصناعي البشري
هناك رابط كبير بين التطرف المناخي وبين الكوارث البيئية والنشاط الصناعي والتجاري البشري. وهو ما أكدته تقارير أممية عالمية أشارت إلى أنه بالتزامن مع ملاحظة حدوث ارتفاع حرارة كوكب الأرض 1.5 درجة، مقارنة بما كان قبل عصر الثورة الصناعية، انتشرت الظواهر الجوية الشاذة مثل الجفاف والأعاصير والعواصف والفيضانات. وفي الصومال توقفت الأمطار لمدة خمسة مواسم متتالية ما أدى إلى وفاة أكثر من ربع مليون صومالي وتعرض الأطفال لموجة خطيرة من سوء التغذية التي مات كثير منهم بسببها. حيث يعاني الصومال من ازدواج أزمة انعدام الأمن الغذائي والمائي بسبب الأنشطة الاقتصادية العالمية وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة مع استمرار نفس الوضع بدون تحرك دولي.
لقد خلق الله الكرة الأرضية ليحيا عليها الإنسان حياة كريمة آمنة مطمئنة وهي تحتضن 8 مليار من البشر بجانب شركائنا الآخرين من الكائنات الحية.
يقول ديفيد بويد مقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ان 1% من سكان العالم ينتج غازات دفيئة تعادل ما تنتجه 66% من البشرية ويرى أن كبرى الشركات تتحمل مسؤوليتها عن حربها على المحيط الحيوي ودعا إلى إعادة النظر في النماذج التجارية والاقتصادية القائمة على استغلال الناس والطبيعة التي دفعت البشرية إلى كارثة التغيرات المناخية الحالية.
للأسف الشديد هناك تدمير ممنهج للبيئة النظيفة والسليمة من خلال ممارسات الشركات الكبرى التي تدمر التنوع البيولوجي وتسمم الهواء بمنتجاتها غير الصحية التي تكلف كوكبنا أكثر من 8 تريليون دولار أمريكي من الأضرار التي تسببها بصحة الإنسان وبيئته في الوقت الذي تبلغ فيه تكاليف تصنيع المواد غير الصحية 10 تريليون دولار أمريكي على الأقل بحسب تصريحات ديفيد بويد. وتحقق هذه المؤسسات أرباحا خيالية في الوقت الذي تتسبب فيه بخسائر كارثية لشعوب بأكملها تصل إلى حد قتلهم وتدمير حياتهم دونما أن تتحمل أي عبء. ولا يمكن فصل مسؤولية الدول الكبرى عن هذه الأوضاع لأنها التي سمحت لهذه المؤسسات الضخمة لممارسة ونشاطها بل وتشجيعها عليه. يضاف إلى ذلك الأنشطة المرتبطة بإنتاج واستخدام الوقود الأحفوري وعلى رأسها شركات استخراج وإنتاج مصادر الطاقة في العالم التي تحقق أيضا أرباحا كبيرة على حساب شركائهم من سكان كوكب الأرض، والتي يمثل تواجدها في مؤتمر كوب 29 ورقة ضغط لمنع صدور أية عقوبات أو التزامات في مواجهتها.
ما يزيد الأمر تعقيدا أن الطموح الإقتصادي للدول الكبرى والساعية نحو المزيد من التقدم والنمو يجعل تركيزهم على أرباحهم ومكاسبهم دونما النظر بعين الإعتبار للسلبيات الخاصة بالبيئة وتغيرات المناخ ولا احترام لمعايير حقوق الإنسان في بيئة نظيفة آمنة.
مسؤولية الدول المتقدمة
ولاشك أن هناك مسؤولية أدبية وقانونية ومالية تقع على عاتق الدول المتقدمة راعية هذه الأنشطة ولابد من تحمل نفقات مواجهة الكوارث ودعم الدول المتضررة ومساعدتها على التحول للطاقة النظيفة. ولكن المساعدات غير كافية حيث يأتي أغلبها من الولايات المتحدة الأمريكية بحجم مليار دولار وربع تقريبا بينما المطلوب هو ضعف المبلغ تقريبا وفقا لمكتب الأمم المتحدة.
وتشير تقارير الأمم المتحدة أن الدول النامية تحتاج إلى حوالي 1.3 تريليون دولار لمساعدتها على تقليل اعتمادها على النفط ومواجهة الكوارث المناخية واندلعت مظاهرات لسداد الديون المناخية. وعلى صعي د الدول الإفريقية الأقل نموا تحديدا، هناك طلبات من 45 دولة بتخصيص ما لايقل عن 220 مليار دولار سنويا لمواجهة أزماتها ذات الصلة بالتغيرات المناخية.
وبالنسبة لدولة الصومال تشير التقديرات الدولية للمؤسسات المعنية أنها بحاجة إلى 177 مليون دولا ر لتمويل الأنشطة الإنسانية بينما يكشف الواقع بأنه لم يتم توفير سوى 11% من هذا المبلغ الأمر الذي يعرض الصوماليين لأزمة كبيرة ومزمنة في ظل تعثر المفاوضات بين دول الشمال المتقدم وشعوب الجنوب التي تعاني.
إن الحضور الصومالي في كوب 29 من خلال وزيرة البيئة السيدة خديجة المخزومي ومعه مسؤولو الدول الأخرى المتضررة لابد أن يكون مصحوبا بضغط جماعي على الدول الكبرى للحصول على تمويلات مناسبة لمكافحة جرائمهم التي ارتكبوها في حق الكوكب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا يحل البلاء على شعوب العالم أجمع..فهل من مجيب!!